وقفات مع كتاب نهج البلاغة
أحمد علوان
والشِّيَعة تقول بنسبته للرضي، فيصفونه بأنه: مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .
وكذلك أيضاً، ما جاء في تأكيد نسبة الكتاب للشريف الرضي، ما قاله بعض من اهتموا بتراث الشِّيَعة
- التصنيفات: مقارنة الأديان -
وقفات مع كتاب نهج البلاغة :
من هو واضع الكتاب؟
لقد اختلف علماؤنا من أهل السنة حول واضع كتاب (نهج البلاغة)، "وقد اختلف الناس في كتاب ( نهج البلاغة ) المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالبرضي الله عنه ، هل هو- أي الشريف المرتضى-[1]جَمْعه أم جَمْعُ أخيه الرضي"[2].
والشِّيَعة تقول بنسبته للرضي، فيصفونه بأنه: مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .
وكذلك أيضاً، ما جاء في تأكيد نسبة الكتاب للشريف الرضي، ما قاله بعض من اهتموا بتراث الشِّيَعة:"نهج البلاغة، الحاوي على خطب ورسائل وكلمات الإمام علي عليه السلام، جمعها الشريف الرضي محمد بن الحسين الموسوي، المتوفى عام406ه"[3].
ومن علماء أهل السنة من يرى أن الأخوين-المرتضى والرضي-قد شاركا في وضعه، فقال صاحب (مختصرالتحفة الاثني عشرية):"والذي ألفه لهم الشريف الرضي وأعانه عليه أخوه المرتضى، وطريقتهما في تأليفه أن يعمدا إلى الخطبة القصيرة المأثورة عن أمير المؤمنين فيزيدان عليها من هوى الشِّيَعة ما تواتيهما عليه القريحة من ذم إخوانه الصحابة رضي الله عنهم ...، وإن الصحيح من كلام أمير المؤمنين فنهج البلاغة قد يبلغ عشره أو نصف عشره، والباقي من كلام الرضي والمرتضى"[4].
وجزم البعض بنسبة كتاب النهج للمرتضى، فقال:"الصحيح أن كتاب نهج البلاغة للشريف المرتضى، وقد عد بعض علماء الرافضة كتاب نهج البلاغة من مؤلفات الرضي"[5].
- هل لنهج البلاغة مصدر وأسانيد رجع إليها المؤلف؟
لم يبين الرضي-بزعم الشِّيَعة-في مقدمة الكتاب من أين جاء بهذه الخطب والمواعظ والحكم وكيفية نسبتها لسيدنا عليرضي الله عنه ، فقال:"وفَرَّغْتُ من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين علياً-صلوت الله عليه-، فطلب البعض أن يبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب، ومواعظ وأدب"[6].
وهنا لم يُفصح الرضي بأي شيء يوضح فيه مصدر هذا الكتاب وسنده،"ولذا اعتبره العلامة محب الدين الخطيب من الأكاذيب التي شوهت تاريخ الإسلام"[7]، فالمتأمل يلمح أن الذي كتب هذا الكتاب وسطره هو واضعه، وليس من نُسِب إليه، والذي دعا كثيراً من علماء السنة للتشكيك في نسبته.
- نسبة الكتاب:
يقول ابن تيمية:"وهذه الخطب المنقولة في كتاب ( نهج البلاغة ) لو كانت كلها عن علي من كلامه، لكانت موجودة قبل هذا المصنف، منقولة عن علي بالأسانيد وبغيرها، فإذا عرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيراً منها - بل أكثرها - لا يعرف قبل هذا، علم أن هذا كذب، وإلا فليبين الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك؟ ومن الذي نقله عن علي؟ وما إسناده؟ وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد، ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث، ومعرفة الآثار والمنقول بالأسانيد، وتبين صدقها من كذبها، علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن علي من أبعد الناس عن المنقولات، والتمييز بين صدقها وكذبها"[8].
وفي ميزان الاعتدال في ترجمة الشريف المرتضى: "وهو المتهم بوضع كتاب نهج البلاغة، ومن طالع كتاب نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ففيه السبُّ الصُّراح والحط على السيدين-أبي بكر وعمر-، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس الرشيين الصحابة رضي الله عنهم وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل"[9].
وفي ذلك الكفاية والنكاية للمهديين والاثني عشرية، فعلى الرغم من اضطراب إسناد الكتاب للإمام علي، إلا أنه-سبحان ربي- لم يخل من نصوص وخطب تنقض عقائد الشِّيَعة وتهدمها، فهم لم يحسنوا الصنعة، ولا أجادوا التدليس، وقد جَرَّهم الكذب إلى فضحهم.
-------------------------
[1] هو: علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم، السيد الشريف المرتضى علم الهدى أبو القاسم أخو الشريف الرضي، والأكبر منه، فإنه ولد عام 355ه، وولد الرضي 359ه، وتوفي المرتضى في الثمانين من عمره سنة 436ه، كان عماد الشِّيَعة، ونقيب الطالبيين ببغداد، وأمير الحاج والمظالم بعد أخيه الرضي، وهو منصب والدهما، انظر: طبقات أعلام الشِّيَعة، ج2/120(مرجع سابق).
[2] انظر: وفيات الأعيان، ج3/313(مرجع سابق).
[3] فهرس التراث، المجلد الأول، ص88(مرجع سابق).
[4] انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية، حاشية ص64(مرجع سابق).
[5] دراسات في الفرق الإسلامية، ص331 هامش رقم(1).
[6] شرح نهج البلاغة، المجلد الأول، ص28.
[7] انظر: الخطوط العريضة، ص33(بتصرف).
[8] منهاج السنة النبوية، ج8/56.
[9] ميزان الاعتدال في نقد الرجال، (ج5/152) )مرجع سابق).