قاموس (الجمل) بين القداسة والعفن

عبد المنعم الشحات

عادة ما يسبق الدكتور "يحيى الجمل" لقب "الفقيه الدستوري"، وهي كلمة
رنانة تصف صاحبها بالفقه الَّذي هو الفهم الدَّقيقُ، وليس هذا فحسب،
بل في مجال الدستور الَّذي تبقى صياغته في الغالب عقودًا..

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فعادة ما يسبق الدكتور "يحيى الجمل" لقب "الفقيه الدستوري"، وهي كلمة رنانة تصف صاحبها بالفقه الَّذي هو الفهم الدَّقيقُ، وليس هذا فحسب، بل في مجال الدستور الَّذي تبقى صياغته في الغالب عقودًا ما يعني أنَّ هذه الكلمةَ تحمل تحت طيَّاتها كلمةَ فَقيهٍ لُغَوِيٍّ، ومحقِّقٍ أصُوليٍّ، وخبيرٍ مجتمعيٍّ.

ولكن إذا حللت أي جانب مِن هذه الجوانب في شخصية "الدكتور الجمل"، فسوف تُصاب على الفور بخيبةِ أملٍ كبيرة، ليست نابعةً مِن انتمائه في "آخر مراحل حياته" إلى مدرسة فكريَّة وافدة وهي "الليبرالية" الَّتي ضَنَّ مفكروها علينا، فاحتقروا لغتنا إلى الدرجة الَّتي لم يُكلِّفوا خاطرهم عناء ترجمة المصطلح فأبْقَوْا عليه أعجميًّا، كالفكرة الَّتي يُعبر عنها تمامًا، ولكنَّ المصدرَ الأكبر لخيبة الأمل أنَّك سوف تُفاجَئ أنَّ لغة "الجمل" انتقائيةٌ بشكل كبير، فمرة تجده مُتملِّقًا مجاملاً، بينما تجده في الثانية سبّابًا شاتمًا، بينما تجده في الثالثة غيرَ مُكترثٍ تخرج الكلمةُ مِن فمه قبل أنْ تَمُرَّ على عقله،

ثمَّ إنَّ دهشتَك سوف تزداد إذا علمتَ مع مَن يستخدم "الجمل" كلَّ نوع مِن قواميسه فتعال معنا في جولة في قواميس "الجمل"، ثم احكم بعدها على الرَّجُلِ في أيِّ خانةٍ سوف تُصنِّفه:

1- مصطلح القداسة:
ربما تَظُنُّ أنَّ الدكتور "يحيى الجمل" بحكم انتمائه للإسلام يؤمن بأنَّ الله هو القدوس يلهج لسانه بذكر الله والثناء عليه بتقديسه وعُلوِّه وتسبيحه وتنزيهه عن كل نقص، كما هي عادةُ كل مسلمي مصر، ولكنَّك سوف تفاجئ بأنَّ هذا اللَّفْظَ لم يَرِدْ على لسان "يحيى الجمل" إلا في شأن "بطريرك الكنيسة".

والأعجب أنَّه جعله عنوانًا لمقالة نُشرت في "المصري اليوم" بتاريخ: 25-5-2009، جعل عنوانها: "قداسة البابا شنودة".
ثمَّ جعل موضوعها وَصْلَةَ مدحٍ، وتملق للرجل بصورة جعلته يكرِّر كلمة "قداسته" عشرين مرة في المقالة، ثم انتهتِ المقالة فجأة، ومقدمتها وخاتمتها وموضوعها هو "حب الجمل لقداسته".

والأعجب أنَّ جريدةَ "المصري اليوم" رأت في هذا المقال الَّذي لا يصلح إلا أن يكونَ خطابًا شخصيًّا مِن موظف إلى مديره، أو مِن مريد إلى شيخه، رأت فيه أنَّه يستحقُّ النشر على صفحاتها، لأنها جريدةٌ تحرص على حرية الرأي وليبرالية الفكر، وتعرض لمشاكل المجتمع الَّتي أغفلتها الجرائدُ القوميَّة الَّتي لا همَّ لها إلا مدح "فخامة الرئيس" ولا أدري ما الفرق بيْن "فخامته" و"قداسته" إلا أنَّ لكُلِّ رأس أذنابه وأبواقه.

لن أطيلَ عليك أيُّها القارئ الكريم في ذكر مقتطفاتٍ مِن ثناء الجمل على "قداسته"، لكن نكتفي من ذلك بقوله: «كنت مرَّةً في زيارة قداسته وقد لا يصدق كثيرون أنَّني وأنا المسلم أجد راحة كثيرة عندما أجلس إليه، وأشكو إليه بعض همِّي، وأطلب منه الدَّعوات وأحس أنَّ كلماتِه ودعواته تتسرب إلى قلبي في يُسْرٍ عجيب».


إلا أنَّ أهَمَّ ما في الخطاب - أقصد المقال - هو خاتمته الَّتي يبدو أنها نوع مِن الفضفضة العلنية، وأنَّ بداية علاقة المريد والشيخ بدأت بينهما منذ قبل "مهمة الدفاع عن شنودة" أمام "قرار السادات بعزله" رغم أنَّه كان وزيرًا سابقًا في عهد السادات، كان الأولى أن يقول: لأنَّه كان مِن الوزراء الَّذين استعملهم السادات فترة ثم أقالهم.

على أيٍّ، يقول لنا "الجمل" في آخر خطابه: «ومِن يومها وعلاقتي مع قداسته تزداد كلَّ يوم احترامًا وتقديرًا وحبًّا مِن جانبي، وعطفًا ومحبة مِن جانب قداسته».

إذن فـ"الجمل" يُخاطِب "البطريرك" بهذا الأدب الجم، لأنَّه منحه عطفًا ومحبة، رغم أنَّ معلوماتنا المتواضعة أنَّ الموكل يعطي للمحامي أتعابًا مادِّيَّةً وليست مجرد عطف ومحبة.

على أي فلسنا طرفًا في علاقة مبادلة الاحترام بالعطف، وليس حتَّى الاحترام المتبادل، وإنما فقط نحاول تحليل قاموس "يحيى الجمل".

ولننتقل الآن إلى لفظ آخر مِن "قاموس الجمل"


2- مصطلح السِّيادة:
في الوقت الَّذي يرفع الدكتور "يحيى الجمل" راية الثورة على كل شيء، ويُعلن سقوط الدستور - بينما المجلس العسكري الَّذي عيَّنه نائبًا لرئيس الوزراء يعلن تعليق الدستور-، نجد أنَّ تاريخه يقول: إنَّه كان أحدَ رجال النِّظام بامتياز، وهذه صفحته على "الويكبيديا" تُعدِّدُ الهيئات الَّتي شغلها - في ظِلِّ النِّظامِ السابق طبعًا -، وهي:

- عضو المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي.
- عضو محكمة التحكيم الدولية بباريس.
- عضو مجلس أمناء جامعة 6 أكتوبر.
-عضو مجلس الشعب.
- عضو مجلس جامعة الزقازيق.
-عضو لجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة.

وطبعًا كنا نتمنى مِن الدكتور "الجمل" إذ أصبح ثائرًا بامتياز أن يُعلن عن مقدار المكافآت الَّتي يتقاضاها مِن المجلسِ القوميِّ للتعليم، ومِن المجلس الأعلى للثقافة، ومدى إسهاماته في كل منهما، وعدد الجلسات الَّتي حضرها.


كما كنا نود أن يُبيِّن لنا كيفيَّةَ الجمع بيْن عضوية مجلس جامعة حكومية وأخرى خاصة وما علاقتُه بطبقة رجال الأعمال الَّتي استصدرت قرارات الجامعات الخاصة في العهد السابق، ومتى يجد الوقت لكي يقوم بمهام عمله في هذه الوظائف الحكومية مع عمله بالمحاماة.

وكونه شريكًا في سلسلةِ مكاتبَ قانونيَّةٍ كما ورد في ذكر خبراته العملية في صفحة "مؤتمر الكويت الدولي للتحكيم التجاري على الإنترنت": شريك رئيسي في المكاتب القانونية للدكتور يحيى الجمل والسيد/ عبد العزيز سالم, محاميان في محكمة النقض.

والأهم مِن ذلك كله نحتاج إلى أنْ نَعْرِفَ كيف مَرَّ الحزب الَّذي أسَّسه هو والدكتور "أسامة الغزالي حرب" مِن مقصلة "صفوت الشريف" و"لجنة شئون الأحزاب" في وقت لم يمر فيه أحزاب الإسلاميين، بل والناصريين: كـ"حزب الكرامة"، وغيره.

المهم أنَّه وبتأسيس هذا الحزب ظهر الدكتور "يحيى الجمل" كمعارض سياسي للرئيس السابق، ولكن "معارضة الحمل الوديع" الَّذي لا يُخاطِب الرئيس إلا بلقب: "سيدي الرئيس"، ويرجوه أن يغفر أنَّه تجاوز حده، فقد خاطب الرئيس السابق في مقاله في المصري اليوم بتاريخ 1/ 9/ 2008 تحت عنوان: "سيدي الرئيس".

طبعًا "يحيى الجمل" يُفضِّل دائمًا أنْ يكتبَ في "المصري اليوم"، لذلك قال مازحًا في لقاءه برؤساء التحرير بصفته نائبًا لرئيس الوزراء: «أنا بشتغل عند" مجدي جلاد" رئيس تحرير المصري اليوم».


وفي الواقع إنَّ هذه وحدها كانت كفيلة بأنْ يُسقطه الشعب، والمجلس العسكري، ورئيس مجلس الوزراء، لولا أنَّ الجميعَ كان في صدمة التظاهرات الطائفية الَّتي ملأت البلاد فجأة وقتها.

وأيضًا سوف أكتفي هنا بنقل خاتمة مقال "سيدي الرئيس"، لتعرف شخصية الرجل حيث قال في خاتمتها: «سيدي الرئيس: أرجو أن تغفر لي يا سيدي إن كنت قد تجاوزت قدري في هذا الحديث، فما فعلته إلا مِن أجل مصر الَّتي هانت على كثير مِن أبنائها، أهانهم الله، ولست أبغي مِن هذا الحديث إلا وجه الله ووجه مصر، لا أبغي جاهًا ولا مغنمًا ولا منصبًا، فأنا أعلم جيدًا أنَّ الطريقَ إلى الجاه والمغنم والمنصب في هذا الزمن هو غير طريق الصدق والصراحة والوضوح، أنا يا سيدي الرئيس بلغت من العمر ما أدرك معه جيدًا أنني لا أصلح لأي منصب ولا يصلح لي أي منصب، اللهم إلا تلك المحاضرة التي ألقيها بيْن الحين والحين على طلابي في معاهد العلم، وإلا كلمة حق أقولها لوجه الله ووجه مصر.
سيدي الرئيس: أنت عملتَ مِن أجل مصر الكثير، ولم يبق في العمر الكثير، ومصر تستحق الكثير يا سيدي الرئيس توكل على الله والله معك، وستكون مصر كلها بحق معك».


إذن فالرجل يرى أنَّ الرئيس وإن ظلم وجار، وأراد أن يُورِّثَ الحكم لابنه سيدًا لا يُنتقد إلا بكل إجلال واحترام.


3- مصطلحات: "الظلامة - الانغلاق - العفنة"
قد تستغرب أنَّ ذلك اللسان الحلو الَّذي يقطر سكرًا، ويفيض حلاوة، ويتملق مَن عطف عليه، ويحترم مَنِ استبد على شعبه، ويعطي خدَّه الأيمن لمن ضربه على الأيسر، يتحول إلى وحش كاسر تنطلق الاتهامات منه يمنة ويسرة بالفصيح تارة، وبالعامية تارة أخرى، وذلك تحديدًا في معرضِ كلامه على الإسلاميين "لا سيما السلفيين"، فهو يرى أنَّ عقولهم "ظلمة" - أي مظلمة بلغة العرب -، والَّتي استطاع أنْ يُتَرجمَها بعد في مقاله المنشور في الأهرام 21-3-2011 إلى أنَّ عقولَهم "مغلقة"، ولكنَّه أراد أنْ يُثبت أنَّ الفصحى لغةٌ غنيَّةٌ تُسعِف المُتملِّق بألفاظ مِن عينة: "القداسة والسيادة والفخامة والحب والإجلال"، كما تسعف الساب بالتلفظ بالسب والشتم، فأضاف إليها وصف العفن، فقال: «وفي حديثي الأخير مع "خيري رمضان" قلتُ نفس الشيء، ولاقى الحديث استحسانًا واسعًا‏,‏ ولكن بعضًا مِن ذوي العقول المغلقة أو العفنة - على حد تعبير أستاذنا الشيخ خلاف - لم يعجبهم كلامي وهذا حقهم،‏ كل ما أرجوه هو أن نقول رأيًا، ولا نقول سبابًا أو تهديدًا أو اتهامًا».

وطبعًا لا أدري كيف يسب الرجل مخالفيه ويصفهم بالعفن والانغلاق، ومِن قبل وصفهم بالظلامة، بل أخرجهم مِن الإسلام، - نقترح على الجمل أن يؤسس جماعة: "الليبرالية التكفيرية" -.

المهم لن نقفَ كثيرًا عند سباب الرجل، فإنَّ القرآنَ يقول: { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63].


وقد يقول قائل: إنَّنا وقعنا في خطئه ومبادلة السب بالسب، والصحيح: أن مَن بدأ بالسَّباب يُقال: إنَّه قد جهل عليك، وحينئذٍ الأفضل ألا تعامله بأخلاقه.

بيد أنَّ الجهلَ بمعنى عدم المعرفة قد تكون هي أفضل ما يمكن أنْ تَصِفَ به الرجل في ظلِّ سقطاته الشنيعة في كلامه على الله عزَّ جلَّ، وفي مثل هذه الحالاتِ فليس أمامنا إلا أحد وصفين للرجل: إما الكفر، وإما الجهل، ونحن نميل دائمًا إلى الثانية إلا إن أصَرَّ صاحبها على الأولى، وهذا هو موضوع المحطة الرابعة الأخيرة مِن محطات قاموس "يحيى الجمل".

4- عدم المبالاة عند الكلام عن الله عزَّ جل:
قد تتعجب أن "يحيى الجمل" الَّذي كرر كلمة "قداسته" عشرين مرة في خطابه لـ"بطريرك الكنيسة"، واستعمل كلمة "سيدي الرئيس" في خطاب الرئيس السابق - رغم أنَّه كان في مقامِ المعارضة -، هو الَّذي تطيشُ منه الكلمة يمينًا ويسارًا وهو يتكلم عن ذات الله عزَّ جلَّ، ورغم أنَّ الرجلَ يُنادي بفصل الدِّينِ عن الدولة احترامًا للدين - على زعمه - إلا أنَّه لا يجد مثالاً للتعبير عن عدم وجود إجماع بيْن البشر على شيء، إلا أنْ يقولَ: «إن الله إذا حصل على 70% في استفتاء يحمد الله» وتفسير ذلك عند وجود الملحدين، وهذا يفتح سؤالاً: هل العلمانيين يحترمون حرية الديانات بالفعل أم يغازلون الأقلِّيات العطوفة الكريمة كحال "شنودة" وفرقته، بينما يسخرون مِن الديانات الأخرى؟!


ومع هذا التفسير لكلامه، يبقى السؤال:

أين تعظيم الله؟ لماذا يضرب المثل بالله تعالى في قضية كهذه؟ وهل يدركُ أنَّ اللهَ هو الغنيُّ الحميدُ؟ وهل يدرك أنَّ اللهَ لا ينفعه إيمان مؤمن، ولا يضره تكذيب كافر، بل كما لا يضره استهزاء زنديق؟

وإذا كان الله قد نهى المؤمنين أنْ يقولوا قولاً موهمًا في حقِّ رسول الله صلى الله عليه سلم رغم إرادتهم المعنى الحسن له كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:104]، فكيف بمن قصده؟
والأعجب مِن هذا أنْ يَصِرَّ عليه، وأن يتباهى أنَّه قال هذا الكلام مِن قبل في برنامج آخر قبل خمس سنوات، ولم يعترضْ أحدٌ حينها، والرجل يظنُّ أنَّه محل اهتمام الناس أينما حل أو رحل وبالتالي يتصوَّر أنهم سمعوا حديثَه السابق.


وفي واقع الأمر فإنَّ أحدًا لم يَكُنْ يلتفت إلى الدكتور "يحيى الجمل" قبل أنْ يُصبحَ نائبًا لرئيس للوزراء في فترة استفتاء يتابع فيها الجمهور كل ما يُعرَض عليهم بكل شغف، ولولا ذلك لمرَّتْ تلك الجريمة كما مرت سابقتها.

بالإضافة إلى أنَّ قبل الثورة كانت "أمن الدولة" ترصد الخطب والمقالات، بل والبلاغات إلى النائب العام قبل أن تنتشر وتؤذي الثلة العلمانية، لا سيما العلمانيين المُُعمرين الَّذين خدموا في بلاط كل رئيس، كما هو الحال مع "الجمل" الَّذي عَمِلَ سفيرًا ووزيرًا في عهد "عبد الناصر"، و"السادات"، وعُيِّن في كلِّ الهيئاتِ المشار إليها آنفًا في "عهد مبارك"، ثمَّ لما سمح له بتكوين حزب معارض، خاطبه بقوله "سيدي الرئيس"
وإن تعجب فاعجب لقوله في معرض اعتراضه على الدولة الدِّينيَّةِ: «إنني أستطيع أن أقول لعبد الناصر: أنت ديكتاتور» ولماذا لم يسمع لكَ حين وقتها إذن؟
«وأستطيع أن أقول للسادات: أنت ديكتاتور» ولماذا لم يسمع لكَ حين وقتها إذن؟
«وأستطيع إن أقول لمبارك: أنت ديكتاتور» ولماذا خاطبته بقولك: سيدي الرئيس؟
«ولكن لا أستطيع أن أقول لربنا: أنت ديكتاتور»

وهي كلمة قبيحة لأنَّ الهَمَّ بقولها كفرٌ وإنْ لم يَقُلْها، لأنَّه لم يقلها لعدم اقتناعه بها، بل لعدم قدرته على عدم قولها، (مع علمي بأنَّه إن سُئِلَ سوف يجد للكلام جوابًا، ومِن ثَمَّ فنحن ننصحه بأنْ يعد الجواب أمام الله أولاً).


وفي معرض آخر يقول: «إن مناصري الدولة الدِّينية يقولون: ربنا قال وربنا بقاله 1400 سنة ما قالش»
وهذا يدفعنا للتساؤل عن عقيدته في القرآن: هل يعتقد أنَّه كلامُ الله أم لا؟
وعن عقيدته في حفظه: هل يعتقد أنَّه محفوظٌ، لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا من خلفه أم لا؟
وعن عقيدته في الله: هل هو أحكمُ الحاكمين أم لا؟

وهل تشريعُ أحكم الحاكمين تشريع للعالمين دونما قيد بزمان أو مكان أم لا؟
ومعلوم أنَّ الإجابةَ عن أيِّ سؤال مما مضى بلا تساوي الإجابة عن سؤال: هل أنتَ مسلم بلا؟

ثم إنَّ أيَّ تأويلٍ يمكن أن يُدعى في مثل هذه الألفاظ ربما يعفي صاحبه مِن وصف الكفر أمام الناس، لكنَّه لن يعفيَه مِن أنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ على ما في قلبه، ثم إنَّ الكلامَ فاحشٌ بذيءٌ على كل حال، فإنْ نجى صاحبه مِن الكفر، فلا أقلَّ مِن التوبة والاستغفار والندم.

ومِن عباراته القبيحة في حقِّ الله عزَّ جلَّ قوله في معرض نقد الدولة الدِّينية - في حوار سابق -: «إن أصحاب الدولة الدينية يقولون: "ربنا قال"، ومِن ثمَّ يغلق معك باب المناقشة وهذا ما نرفضه».

وهذا الَّذي ذكره هو حالُ المنافقين الَّذين وصفهم الله تعالى بقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:61]، وهذا هو عين فعل الجمل الَّذي حكاه بنفسه عن نفسه بغير واسطة.


والحاصل أنَّ الدكتور "الجمل":

1- يتكلم على ذاتِ الله تعالى بطريقةٍ فيها قدر مِن اللامبالاة، في الوقت الَّذي يتأكد مِن كلامه على غير الله أنِّه يحس الكلام بلغة التوقير والتبجيل متى أراد.

2- أنَّه يَعْرِضُ عن حكم الله إذا جاءه.
وكلُّ واحدة من هاتين أطَمُّ مِن الأخرى، ولولا احتمال الجهل والتأويل الَّذي يجب اعتبارهما - وإن بدا احتمالهما ضعيفًا -، لكان لنا معه شأن آخر.


ولكن ليكن الموقف الآن:

1- مطالبة "يحيى الجمل" بالتبرؤ والتوبة إلى الله مِن كل هذه الفتن.

2- مطالبة المجلس العسكري بالإقالة الفورية لهذا الرجل مِن كل مناصبه، ونذكرهم بموقف الرئيس السابق الَّذي قطع إرسال التلفزيون لإذاعة خبر إقالة "زكي بدر" لما سبَّ بعض الرموز الصحفية، وإن كان قد توانى عن فعل ذلك مع مَن سبَّ الله، وهذا والله مِن أعظم أسباب إزالة الله لحكمه، فلا ينبغي أن نكرِّرَ الخطأ.
ولو أرادوا استفتاءً على ذلك، فليكن، ونحن نثق أنَّ النتيجةَ ستكون أكثر مِن 77% الَّتي خرج بها استفتاء تعديل الدستور.

3- مطالبة الجمهور بتفعيلِ حملات إسقاط "يحيى الجمل" دون الخروج إلى مظاهرات الآن، حيث يُخشى أن يكونَ الأمر استفزازًا لجَرِّ البلاد إلى مظاهرات متبادلة، لإفساد نتيجة الاستفتاء.

ولتكن الوسائل:

إرسال رسائل إلى كل قادة المجلس العسكري

ومجلس الوزراء

بإسقاط "يحيى الجمل".


18 ربيع ثاني 1432هـ /23 مارس 2011 م

 

المصدر: موقع صوت السلف