فريضة الصيام في الإسلام

لفضيلة الشيخ الشعراوي تجليات وإشراقات في خواطره عن آيات الصوم نذكرها في ثنايا هذا المقال

لفضيلة الشيخ الشعراوي تجليات وإشراقات في خواطره عن آيات الصوم نذكرها في ثنايا هذا المقال

 

الصيام لغة: مصدر صام وهو الإمساك بحيث يطلق على الإمساك عن الكلام.

منه قوله تعالى مخاطبا لمريم إبنة عمران: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [ سورة مريم_26] 

والصيام شرعا: عبارة عن الإمساك عن الطعام والشراب والجماع في وقت محدود وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية حيث يقولى تعالى:   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة 183] 

وما يستنبط من نص الآية هو جملة فرضية الصيام على الأمم السابقة من لدن أدم حتي الأمة المحمدية .

والمماثلة في أصل الوجوب أي ثبوت فرضيته عليها في أي شهر كان وبأي عدد من الأيام كان.

وفي هذا ما يدل على وحدة الأديان في الأركان وتأكيد لفريضة الصيام وتحريض إلى تأديته

وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}  تتقون ما حرم عليكم في صيامكم ومالا ينبغي عليكم وأنتم صائمون.

وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال وأحيل الصيام ثلاثة أحوال وأحيلت بمعنى غيرت ثلاثة تغيرات أو حولت ثلاثة تحويلات.

- أما أحوال الصيام, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم إلى المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء.

ثم أن الله فرض عليه الصيام وأنزل الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى قوله تعالى: { على الذين يطيقون فدية طعام مسكين

فكان من شاء صام ومن شاء أفطر و أطعم مسكينا أجزأ ذلك عنه.

ثم إن الله أنزل الآية الأخرى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}  [سورة البقرة 185] فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ويرخص فيه للمريض والمسافر بالإفطار وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام.

ولفضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله تجليات في خواطره عن آيات الصوم منها:

قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة 184] .

فعن قوله تعالي: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}  يقول الشيخ: والذي يطمئن إليه خاطري أن الله بدأ مشروعية الصيام بالأيام المعدودة ثلاثة أيام من كل شهر وهو يوم العاشر والعشرون والثلاثون من أيام الشهر, وكان الإنسان مخيراً في تلك الأيام المعدودة إن كان مطيقاً للصوم فأفطر فعليه أن يفتدي بإطعام مسكين

أما حين شرع الله الصوم في رمضان فقد أصبح الصوم فريضة تعبدية وركناً من أركان الإسلام, وبعد ذلك جاءنا الإستثناء للمريض والمسافر.

إذن لنا أن نلحظ أن الصوم في الإسلام كان علي مرحلتين: المرحلة الأولي , أن الله سبحانه وتعالي شرع صيام أيام معدودة, والمرحلة الثانية هي تشريع الصوم في زمن محدد..شهر رمضان.

وأما عن قوله تعالى : {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} :

ولقد قطع الشيخ الشعراوي رحمه الله بعدم جواز صوم المريض والمسافر على أي حال وعليه القضاء في أيامٍ أُخر خلافاً لأراء بعض العلماء والفقهاء والمفسرين فقال:

والعلماء الذين ذهبوا إلى جواز رفض إفطار المريض وإفطار المسافر لأنهم لم يرغبوا أن يردوا حكمة الله في التشريع نقول لهم:

إن الحق سبحانه وتعالى حين يرخص لابد أن تكون له حكمة أعلى من مستوى تفكيرنا فالحكم هنا هو الصوم عدة أيام أخر ولم يقل فمن أفطر فعليه عدة أيام أخر أي أن صوم المريض أو المسافر قد إنتقل إلى وقت الإقامة بعد السفر والشفاء من المرض.

والذين قالوا من العلماء: هي رخصة إن شاء الإنسان فعلها وإن شاء تركها لابد أن يقدر في النص القرآني "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر"فأفطر فعدة من أيام أخر"

فما لا يحتاج إلى تأويل في النص أولى في الفهم مما يحتاج إلى تأويل إذن فالذين يقولون هذا لا يلحظون أن الله يريد أن يخفف عنا ثم ما الذي يمنعنا أن نفهم أن الحق سبحانه وتعالى أراد للمريض والمسافر رخصة واضحة فجعل صيام أي منهم في أيام أخر فإن صام في رمضان وهو على سفر فليس له صيام أي أن صيامه لا يعتد به ولا يقبل منه لكن علينا ان ندخل في إعتبارنا ان المراد من المرض والسفر هنا مايخرج مجموع ملكات الإنسان عن سويتها,

وكلمة "سفر": تفيد الإنتقال من مكان تقيم فيه إلى مكان جديد صحيح إن ظروف السفر في زمننا قد اختلفت عن السفر من قديم الزمان ولكن لنعلم أن تشريع الله للرخص ينقلها إلى حكم شرعي مطلوب وكلمة "مريضاً" كلمة عامة وأثبت فيها حجة على نفسك وبأمر طبيب مسلم صادق يقول لك"إن صمت فأنت تتعب" والمرض مشقة مزمنة في بعض الاحيان ولذلك تلزم فدية وإطعام مسكين وقول أغلب الفقهاء أن المرض المبيح للفطر هو الذي يؤدي إلى ضرر بالنفس او زيادة لعلة غير محتملة.

وفى ذلك يروي لنا جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلل عليه فقال: ماهذا فقالوا صائم فقال: ليس من البر الصوم في السفر»

وأما عن قوله تعالى: " {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} " [سورة البقرة 184] 

والطوق: هو القدرة فيطيقون أن يدخل في قدرتهم وفي قولهم والفدية هي إطعام مسكين وهذه الأية دلت على أن فريضة الصوم قد جاءت بتدرج كما تدرج الحق في قضية الميراث فجعل الأمر بالوصية وبعد ذلك نقلها إلى الثابت بالتوريث فمن كان مطيقا فأفطر فعليه فديه و هى اطعام مسكين.

أما الذي لا يطيق الصوم أصلاً بأن يكون مريضاً أو شيخاً فإذا قال له الأطباء المسلمون أن هذا مرض لا يرجى شفاؤه إذن فلن يصوم أياماً أخر وعليه أن يفدى.

ويقول الشيخ: عندما كان الصوم إختيارياً كان لابد أيضاً من فتح باب الخير والإجتهاد فيه.

فمن صام وأطعم مسكينا فهذا أمر مقبول منه.

ومن صام وأطعم مسكينين فذاك أمر أكثر قبولاً.

ومن يدخل مع الله من غير حساب يؤتيه الله من غير حساب.

وقوله { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} هو خطوة في الطريق لتأكيد فريضة الصيام وقد تأكد ذلك بقوله الحق {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} .

و يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة 185]

ويستمر الشيخ في تجلياته عن هذة الآية فيقول:

وكلمة "شهر" الشهر وأصله من الإشهار وهو الظهور يقال شهر الأمر أظهره وسمى الشهر شهر لشهرة أمره لكونه ميقاتاً للعبادات والمعاملات فصار مشتهراً بين الناس.

وكلمة "رمضان": مأخوذ من مادة الراء والميم والضاء وكلها تدل على الحرارة وتدل على القيط والناس لاحظوا الأوصاف في الشهور ساعة التسمية ثم دار الزمن العربي الخاص المحدد بالشهور القمرية في الزمن العام للشمس فجاء رمضان في صيف وجاء في خريف لكن ساعة التسمية كان الوقت حارا.

وعن قوله: {الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} يقول الشيخ : افطنوا جيدا الى أن الهُدى الحق الذى لا أعترض عليه هو هدى الله , " هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان". والفرقان هو أن يضع فارقا فى امور يلتبس فيها الحق و الباطل , فيأتى التنزيل الحكيم ليفرق بين الحق والباطل.

"شهد": بمعنى حضر وفيه إضمار أي من شهد منكم الشهر مقيماً غير مسافر ولا مريض فليصمه

{وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَر}

فقد يقول قائل: ولكن الصيام في رمضان مختلف عن الصوم في ايام اخر و على هذا يرد الشيخ قائلا: إن رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القران ولكن الصوم هو الذي يتشرف بمجيئه في شهر رمضان ثم إن الذي أنزل القرآن وفرض الصوم في رمضان هو سبحانه الذي وهب الترخيص بالفطر للمريض والمسافر ونقله الى أياماً أخر في غير شهر رمضان وسبحانه لا يعجز على ان يهب الأيام الأخر نفسها التجليات الصفائية التى يهبها للعبد الصائم في رمضان.

إن الحق سبحانه حين شرع الصوم في رمضام إنما يريد أن يشيع الزمن الضيق شهر رمضان في الزمن المتسع وهو مدار العام. ونحن نصوم رمضان في الصيف والشتاء في الخريف والربيع إذن رمضان يمر على كل العام

وعن قوله: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}

يقول الشيخ أن هذا التعقيب يدل على أن الله أعفى المريض وأعفى المسافر من الصيام فكأن الله يريد بكم اليسر فكأنك لو خالفت ذلك لأردت الله معسراً لا ميسراً والله لا يمكن ان يكون ذلك.

وعن قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} : ومعنى "لتكبروا الله" يعنى أن تقول"الله أكبر" وأن تشكره على العبادة التى كنت تعتقد أنها تضنيك لكنك وجدت فيها تجليات واشراقات فتقول الله أكبر من كل ذلك لأنه حين يمنعنى يعطينى و سبحانه يعطى حتى فى المنع فأنت تأخذ مقومات حياه و يعطيك فى رمضان ما هو أكثر من مقومات الحياه و هو الإشراقات التى تتجلى لك و تذوق حلاوة التكليف فإن فوت الله عليك الإستمتاع بنعمه فإنه أعطاك نعمه أكثر منها.

وعن قوله تعالى: { ولعلكم تشكرون} معنى ذلك أنكم سترون ما يجعلكم تنطقون بـ"الله اكبر" لأن الله أسدى إليكم جميلاً.

وأخيراً نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل وأن يعيننا على طاعته....

جلال عبد الله المنوفي