طلبوا الآيات و جحدوا ما رأوا منها
أبو الهيثم محمد درويش
وفي كل الحالات فالصبر و الانتظار سيفرز عن حقيقة ناصعة و هي : من هم أهل الحق و من هم أهل الباطل .
{ وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأولَى * وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى * قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [ طه 133-135] .
- التصنيفات: التفسير -
طلبوا الآيات الحسية ليؤمنوا بزعمهم , و نسوا أو تناسوا أن الله بالفعل أيده بالمعجزات الحسية و التي منها انشقاق القمر أمام أعينهم كما أيده بالمعجزة الأكبر و هو هذا الكتاب الخاتم المصدق لما قبله و المكمل لكل الكتب السابقة و المشتمل على بيان كل شيء سواء في العقائد أو الأحكام أو القصص أو الوقائع السابقة أو الأخلاق و المعاملات و السلوك و غيرها مما يضمن سعادة المؤمن و فهمه و استنارة بصيرته و وعيه بكل ما حوله .
و لو أن الله عجل لهم العذاب قبل بعثته لاعترضوا بأنه لم يرسل لهم رسولاً أو رسالة ليتبعوها قبل أن يحل بهم العذاب , فلما أرسل لهم الرسول و الرسالة قبل أن يعذبهم ما كان منهم سوى العناد والاستكبار و العداء لرسوله و رسالته .
وفي كل الحالات فالصبر و الانتظار سيفرز عن حقيقة ناصعة و هي : من هم أهل الحق و من هم أهل الباطل .
{ وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأولَى * وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى * قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [ طه 133-135] .
قال السعدي في تفسيره :
أي: قال المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم: هلا يأتينا بآية من ربه؟ يعنون آيات الاقتراح كقولهم: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا}
وهذا تعنت منهم وعناد وظلم فإنهم هم والرسول بشر عبيد لله فلا يليق منهم الاقتراح بحسب أهوائهم وإنما الذي ينزلها ويختار منها ما يختار بحسب حكمته هو الله
ولأن قولهم {لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ } يقتضي أنه لم يأتهم بآية على صدقه ولا بينة على حقه وهذا كذب وافتراء فإنه أتى من المعجزات الباهرات والآيات القاهرات ما يحصل ببعضه المقصود ولهذا قال { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ} إن كانوا صادقين في قولهم وأنهم يطلبون الحق بدليله {بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأولَى} أي هذا القرآن العظيم المصدق لما في الصحف الأولى من التوراة والإنجيل والكتب السابقة المطابق لها المخبر بما أخبرت به وتصديقه أيضا مذكور فيها ومبشر بالرسول بها وهذا كقوله تعالى {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فالآيات تنفع المؤمنين ويزداد بها إيمانهم وإيقانهم وأما المعرضون عنها المعارضون لها فلا يؤمنون بها ولا ينتفعون بها {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ }
وإنما الفائدة في سوقها إليهم ومخاطبتهم بها، لتقوم عليهم حجة الله، ولئلا يقولوا حين ينزل بهم العذاب: { لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } بالعقوبة، فها قد جاءكم رسولي ومعه آياتي وبراهيني، فإن كنتم كما تقولون، فصدقوه.
قل يا محمد مخاطبا للمكذبين لك الذين يقولون تربصوا به ريب المنون {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ} فتربصوا بي الموت، وأنا أتربص بكم العذاب { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} أي: الظفر أو الشهادة {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} {فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ } أي: المستقيم، {وَمَنِ اهْتَدَى} بسلوكه، أنا أم أنتم؟ فإن صاحبه هو الفائز الراشد، الناجي المفلح، ومن حاد عنه خاسر خائب معذب، وقد علم أن الرسول هو الذي بهذه الحالة، وأعداؤه بخلافه، والله أعلم.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن