و لا تفرقوا
مدحت القصراوي
- في المسجد صراع على الإمامة والأذان والميكروفون، وقلوب متنافرة، وصياح مزعج واختلاف تافه السبب كثير الغبار..!
- في الكيانات الصغيرة جدا، تجد بها رؤوسا متناطحة ونفوسا مشبعة بنفسها، لا تسمع لغيرها وتنظر للغير بعين الإزدراء
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
وإذا قرأت قوله تعالى {و لا تفرقوا}
فاعلم أنها آية عميقة الدلالة وواسعة الانطباق على مناطات كثيرة.. {ولا تفرقوا}
ليس مشكلتنا اليوم في غياب المفهوم العقدي وحسب، بل أيضا في التآلف والتحابب والاجتماع
- في المسجد صراع على الإمامة والأذان والميكروفون، وقلوب متنافرة، وصياح مزعج واختلاف تافه السبب كثير الغبار..!
- في الكيانات الصغيرة جدا، تجد بها رؤوسا متناطحة ونفوسا مشبعة بنفسها، لا تسمع لغيرها وتنظر للغير بعين الإزدراء، لا يشعر أحدهم أنه محتاج أن يسمع لأخيه أو يتلقى معلومة أو يسمع لتحليل أو ينصاع لأمره أو يحترم دوره أو يعطيه مساحته.. فإذا بأفراد قلائل لا يحافظون على إرث ولا اجتماع ولا راية ولا كيان، متنافرون مشبَعون بأنفسهم، كل امريء معجب برأيه.. فإذا بكيان قزم ومع ذلك يتشظى وينشطر إلى انفرادات بلا قيمة..
- الكيانات الإسلامية بدلا من التكاتف لمواجهة الخطر الكبير والتاريخي والداهم والمتكاتف !! إذ بها تتناطح، ثم يبحث كل منهم عن طوق نجاة لنفسه، بعيدا عن إخوانه، بل على حسابهم، ثم يهتف بغلُهم الكبير (لقد سُجنت الكيانات الأخرى وأبيدت والمجال مفتوح أمامكم فانطلِقوا)، فلا فُتح المجال ولا انطلق الخائنون إذ فسدت نفوسهم وخمدت أرواحهم ودنِّست براءتهم وتنجست قلوبهم فلم يعد فيها طاقة أو روح تؤثر في الغير أو تسري إليه أو تحيي ميتا، فهل يحيي الأمواتِ أمواتٌ..؟ بل شعر الناس بنجاسة هذه النفوس فلم تعد تستمع إليهم أو تقبل موعظة، ثم بدؤوا يتركون مواقعهم ليضيعوا وسط الركام الذي أحرقوه وهدموه..
- وأقطار المسلمين تحتمي كل منها بقواعد العدو، وتعطيه مالها وتبخل على أقطار المسلمين، وإن دفعت مالا ففي الباطل والحريق والدمار وحرق قلوب المؤمنين وقتل الأمل في نفوس الملايين وتشويه الحق والصد عن سبيل الله.. يخافون من إيران وهي وإن كانت تستحل كل محرم وتستحضر حنق التاريخ فتنطلق بسمومها ولا تتحرج من فعلة ولا خيانة ولا كذبة مهما بلغت شناعتها لكنها تبحث عن ذاتها وهويتها (ولو كانت زائفة أو منحرفة).. بينما هم يبيعون ذاتهم ويتنكرون لهويتهم ودينهم الحق وتاريخهم، وما يوجبه عليهم ربهم..
- البأس البيني والتشظي القُطري وانعدام الثوابت.. كأن حزمة (استراتيجية !) من الإجراءات المناقضة لقوله تعالى (ولا تفرقوا)..
بينما يجب إدراك أنفسنا سريعا بحزمة من التآلف.. راية عقدية واحدة جامعة، تجميع فئات الأمة وطوائفها، حتى الأقليات غير المسلمة طالما تعيش بيننا وتحفظ عهودنا وتحترم هويتنا فهي طيف وتنوع داخل الأمة..
يجب وجود ثوابت من الواجبات وحدود من المحرمات لا يقترب منها مسلم مهما بلغ الخصام والخلاف، فردا كان أو كيانا أو دولةً أو قُطرا..
تآلف يمنع الانهيار العقدي والقومي، ويمنع تفتيت البلاد وتشظي الأوطان، يمنع انفراد الكيانات والأقليات والمؤسسات بعيدا عن أمتها وبلادها..
تمنع انفراط عقد الكيانات الخادمة للدين أو أن يستبد شخص برأيه أو ينفرد معجبٌ بعقله أو يحتقر شخصٌ إخوانه وينظر إليهم من علو وكأنهم لا يفهمون أو كأنهم درجات دنيا..
هذا واجب الآن، وإلا فحالقة تحلق الدين وتهدر ما تبقى من مقدرات، وما هو مسموح اليوم، ولو كان ترتيل القرآن فقط، لن يكون مسموحا به غدا.. ذلك أن الإدراك المتأخر لا يفيد.