لا شيء بعد النبوة أفضل من نشر العلم

كان العلم وما زال طريقَ معرفة الله عز وجل وسبيل ثبات الإيمان، وقوة اليقين؛ به جاءت النبوات، وحثت على طلبه ونشره جميع الرسالات، والإسلام - من بينها جميعاً - فاقت عنايته بالعلم وأهله كل وصف.

  • التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام - طلب العلم -

حدَّث حبان بن موسى قال: عوتب عبد الله بن المبارك فيما يفرِّق من المال في البلدان، فقال: إني لأعرف مكان قوم لهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا طلبه، والناس محتاجون إليهم، وهم بحاجة إلى أنفسهم وذراريهم، فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم[1].

كان العلم وما زال طريقَ معرفة الله عز وجل وسبيل ثبات الإيمان، وقوة اليقين؛ به جاءت النبوات، وحثت على طلبه ونشره جميع الرسالات، والإسلام - من بينها جميعاً - فاقت عنايته بالعلم وأهله كل وصف.

وحسبك من دين كان مفتتح رسالته: الأمر بالقراءة، والحث على طلب العلم، وبيان أهمية القلم في حياة الناس: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 1 - 5].

ومنذ نعمت جنبات حراء بهذا الوحي الكريم، أصبح طلب العلم ونشره عبادة عند أتباع الدين الجديد، وطلع جيل العلماء نوراً في ليل الجاهلية: بدد ظلامها، ومحا جهلها، وأزال وثنيتها وشركها، وانطلق يكتسح ركام الأمية والتخلف، ويطارد فلول الجهود والتقليد، ويؤسس دولة العلم، وحضارة الإيمان، فقامت سامقة البنيان، قوية الأركان، صليبة العود، يحرسها الغر من بينها، ويفدونها بالأموال والأرواح.

نشأت المساجد في جنباتها: فكانت مواطن عبادة وتهذيب، ومعاهد علم ودراسة ومراكز إشعاع عم نورها الخافقين، وتخرج منها فطاحل العلماء، وأعلام الدعاة والجامعات والمدارس والمعاهد، وعمت دور العلم كل ناحية استضاءت بنور الإسلام.

لقد تسابق الخلفاء والحكام في تشييدها، وتنافس الأثرياء والولاة في الإنفاق على إحداث المزيد منها، ورعاية شيوخها وطلابها، وتأمين الحياة الكريمة التي تصون وجوهم، وترعى كرامتهم، وتحفظ أوقاتهم، ليتفرغوا لطلب العلم، وتعليم الناس.

لقد فنيت القرون، ومحيت الليالي والعصور، وزالت حضارات وبادت دول، ومعاهد العلم وجامعاته في عواصم الإسلام وحواضره خالدة، شاهدة على مآثر الأجداد، ناطقة بما أسدوه للدنيا، وما خدموا به البشرية جمعاء.

ولئن أدى الأسلاف واجبهم، ولم يدخروا وسعًا في سبيل نشر العلم وتسهيل أسباب تحصيله، فإن واقع الأمة، وما تعانيه من تخلف في شتى ميادين العلم والحضارة ليهيب بأولى الأمر، وأهل المال والثراء، أن يولوا هذا الجانب أهمية قصوى، وأن يرصدوا من المال قسطاً وافرًا لرعاية طلاب العلم، وتنمية ملكاتهم وقدراتهم، وتأمين مستلزمات الحياة لهم، ليستطيعوا القيام بهذا الفرض الكفائي، حتى لا تأثم الأمة كلها.

إن الأمة التي تؤثر جمع المال وكنزه، ولا تسخره للقضاء على الفقر والجهل وأسباب التخلف، ولا تجعله لبناء أجيالها، وصيانة أمجادها، ورفعة مكانتها لَأمةٌ ضلت طريقها، وأخطأت قصدها، وحادت عن سنن الهدى والرشاد، وكتبت نهايتها بنفسها.

فلن ترتقي أمة إلا إذا استضاءت بنور العلم، ولا يبني المجدَ سوى العلماء، وما من شيء بعد النبوة أفضل من نشر العلم، والعمل على تذليل طرق تعلمه وتحصيله.

الكاتب: محمد يوسف الجاهوش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سير أعلام النبلاء: 8/ 387، بتصرف يسير