أخْرجْ القُطْنَ مِنْ أذُنَيكَ
أحمد فريد
ما رأيك أخي القارىء الكريم في أن تطبق هذا الميزان فيما يتعلق
بالسلفية؟ أن تسمع من السلفيين وتقرأ عنهم، فإن وجدت ما يقولنه حقًا
قبلته، وإن كان غير ذلك رددته، وأنت رجل لبيب عاقل، فلا تسلم أذنيك
وعقلك لفئة الإعلاميين والصحافيين وغيرهم...
- التصنيفات: الدعوة إلى الله -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
ما أشبه ما يفعله الإعلام في هذه الأيام بهجمته الشرسة على السلفية
بما فعله الإعلام القرشي قديمًا لتشويه صورة الإسلام، فقد حرصوا كل
الحرص على ألا يسمع أحد من محمد شيئا، وهذا ما فعلوه مع الطفيل بن
عمرو الدوسي قديمًا، حيث قالوا له لما قدم مكة: "يا طفيل، إنك قد قدمت
بلادنا، وهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قد أفسد أمرنا ومزق شملنا، وشتت
جماعتنا، ونحن إنما نخشى أن يحل بك وبزعامتك في قومك ما قد حل بنا،
فلا تكلم الرجل، ولا تسمعن منه شيئا، فإن له قولا كالسحر؛ يفرق بين
الولد وأبيه وبين الأخ وأخيه، وبين الزوجة وزوجها"، قال الطفيل:
"فوالله ما زالوا بي يقصون علي من غرائب أخباره، ويخوفونني على نفسي
وقومي بعجائب أفعاله، حتى أجمعت أمري على ألا أقترب منه وألا أكلمه أو
أسمع منه شيئا، وحشوت في أذني قطنا خوفا من أن يلامس سمعي شيء من قول
محمد، لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته قائما يصلي عند الكعبة صلاة
غير صلاتنا، ويتعبد عبادة غير عبادتنا، فأسرني مظهره، وبهرتني عبادته،
ووجدت نفسي أدنو منه شيئا فشيئا على غير قصد مني حتى أصبحت قريبا منه
وأبى الله إلا أن يصل إلى سمعي بعض مما يقول، فسمعت كلاما حسنا، وقلت
في نفسي: "ثكلتك أمك يا طفيل، إنك لرجل لبيب شاعر، وما يخفى عليك
الحسن من القبيح، فما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول فإن كان الذي
يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته؟".
فما رأيك أخي القارىء الكريم في أن تطبق هذا الميزان فيما يتعلق
بالسلفية؟ أن تسمع من السلفيين وتقرأ عنهم، فإن وجدت ما يقولنه حقًا
قبلته، وإن كان غير ذلك رددته، وأنت رجل لبيب عاقل، فلا تسلم أذنيك
وعقلك لفئة الإعلاميين والصحافيين وغيرهم من المناوئين لدعوة السلف،
وصار ما يلقونه إليك هو الحق الذي لا مرية فيه! لما لا تعط نفسك فرصة
لتتعرف علينا منّا؟
أيها الكريم: السلفية باختصار ليست حزبًا أو جماعة، إنما هي منهج
ودعوة؛ دعوة للرجوع بالإسلام إلى منهجه الصافي إلى زمن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، دعوة لفهم الكتاب والسُنَّة بفهمه، ونهج أصحابه
الكرام، دعوة لفهم الدين كما فهموه؛ لأنهم أعلم الناس بالكتاب والسنة،
ففيهم عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عاصروا تنزل الوحي
والتكلم بالسنة، ولسنا نعني بالعودة إلى القرون الثلاثة المفضلة
(الصحابة والتابعين وتابعي التابعين) أن ننبذ التقدم والتطور الدنيوي،
كلا؛ بل المراد فهم الكتاب والسنة بفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه؛ كي يحصل الاجتماع ويقل الخلاف؛ لأن الفهم الفردي هذه الأيام
أن يفهم كل واحد الإسلام حسب هواه هو قد أدى إلى التفرق والاختلاف،
وهل يشك مسلم في أن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المنهج
المعصوم؟ وهل يشك مسلم في فضل الصحابة رضوان الله عليهم على من بعدهم،
لا سِيَّما وقد زكاهم الله عزوجل في القرآن وأعلمنا برضاه عنهم، وكذا
أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {
وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم
} [التوبة: ١٠٠]، ورضي لنا إيمانهم، {
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ
فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
} [البقرة: ١٣٧]، وحذرنا من اتباع
غير سبيلهم فقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
} [النساء: ١١٥].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
خير الناس قرني ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم»، وقال: «
لو
أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه
»، وغير ذلك كثير، فنحن إذ ننادي
بالعودة إلى منهج هؤلاء والأخذ بفهمهم، فنحن نتبع أناسًا زكاهم الله
وزكاهم رسوله، فكيف نُلام على ذلك؟ وإن لم نفهم ديننا بفهمهم، فبم
وكيف نفهم الدين؟ هل بفهمي أم بفهمك أنت أم بفهم المؤسسة الفلانية؟ لن
نلتقي إذا.
فالسلفية منهج لفهم الإسلام، منهج يجمّع لا يُفرّق، وقد علمنا رسولنا
أن نرد إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف، فقال: «
وإنه من يعش منكم فسيرى
اختلافا كثيرا...» فما العلاج؟ «
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين
».
السلفية تمسك بالإسلام كما كان زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
السلفية عودة للأصول، السلفية ليست من المحدثات؛ بل هي قديمة قِدم
الإسلام، السلفية عصمة من التفرق والاختلاف، إذ لما أخبر النبي
بافتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، بيّن أن طائفة واحدة هي الناجية،
ثم ذكر وصفها فقال: «هي الجماعة
» وفي رواية: «
هم من كانوا على مثل ما
أنا عليه اليوم وأصحابي»، تأمل في
قوله: «على مثل»
والآية التي قرأتها منذ قليل: {
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ
مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا
}، فالمثلية هذه هي السلفية، وهي التي نريد.
ولتحقيق ذلك كله، هناك ضوابط وقواعد للمنهج السلفي على رأسها:
الاستدلال بالكتاب والسنة، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
} [النساء: ٦٥].
وبناءً على ذلك يرفض السلفيون الاعتداء على الكتاب والسنة بآراء
الرجال وتحريفهم، خاصة في جانب العقيدة، كما فعلت الفرق في أسماء الله
وصفاته وغيرها، بل نفهم هذه النصوص كما فهمها النبي وأصحابه ومن تبعهم
بإحسان، وكذا سائر الشرع، فنتمسك بفهم الصحابة له، وهذه طريقة علماء
الأمة المعتبرين عند الجميع كالأئمة الأربعة وأهل الحديث
وغيرهم.
إن الدعوة السلفية هي دعوة للعودة إلى الإسلام الصافي النقي، إلى
الإسلام كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قبل ظهور
الفِرَق وعلوم الفلسفة والكلام، وتهدف من وراء ذلك إلى تحقيق توحيد
الله عز وجل والإيمان به كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وكذا تحقيق
الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبذ البِدَع في الدين،
والحرص على تعلم السُنّة ونشرها بين الناس، وكذلك تزكية النفس بسائر
أنواع الطاعات وبضوابط الكتاب والسنة.
إننا نريد إصلاح أنفسنا وإصلاح المجتمع من حولنا، وأن نعيش جميعًا
الإسلام كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بالدعوة إلى
الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ونشر الأخلاق الفاضلة.
هذا.. ولا يخفى على أحدٍ ما تتعرض له الدعوة الآن من هجوم وتشنيع،
فينسب للدعوة ما يقع من اعتداء على بعض الناس أو تفجير أو تدمير أو
غير ذلك، والدعوة السلفية منه براء؛ فسبيلنا هو أن ندعوا إلى الله
بالحكمة والموعظة الحسنة، والرفق واللين والكلمة الطيبة، {
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ
عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا
أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين} [يوسف:
١٠٨]، ولذا فإنّا نبرأ إلى الله تعالى من كل تصرف يخالف شرع الله، وإن
فعله من يبدو في الظاهر أنه من الإسلاميين، فليس أحد حُجة على الإسلام
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إننا ندعوا الجميع إلى الإنصاف والنظرة الموضوعية لهذه الدعوة، التي
طالما أرادت الخير للأمة ولا تزال، وهذا منهجها الذي أشرنا إليه
باختصار، ثُم وإن حدث خطأ وخلل أو ليس الدين النصيحة؟ لمَ الهجوم
والتشهير والتجريح؟ بل لم الحكم على المخالف بغير الاستماع منه وله،
لم وضع القُطن في الأذن وترك الاستماع ابتداءً؟
إنها دعوة إذًا للمراجعة والتصحيح؛ تصحيح المواقف التي اتخذت من هذه
الدعوة قبل أن نقرأ عنها.. اسمع عنّا واقرأ، وشاهد واطلع، ولن تجد إلا
الخير إن شاء الله تعالى.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، وأن يؤلف بين قلوب المسلمين،
وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب
العالمين .
د. أحمد فريد، د. علاء بكر.
مواقع للدعوة السلفية على شبكة الإنترنت
www.anasalafy.com
www.salafonline.net
www.salafvoice.com
www.alsalafway.com