مع زوجك.. تعلمي فقه التعامل مع الواقع
خالد سعد النجار
من أعظم المهلكات التي تقع فيها كثير من النساء: «النظر إلى غيرها في أمور الدنيا».. فبعض الزوجات همها الأكبر أن تقتني كل ما هو جديد، ودوما في حالة مقارنة وتطلع إلى أحوال غيرها المادية وخاصة الكمالية والترفيهية، وما إن تشتري هذه الصديقة أو تلك الجارة شيئا إلا وتطلعت نفسها لاقتنائه، لسان حالها وفكرها يقول: إنها ليست أفضل مني في شيء!.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
بسم الله الرحمن الرحيم
يقولون عن السياسة أنها «فن الممكن لا فن المستحيل»، وهو شعار ونهج الزوجة الذكية في بيتها، فهي تتعامل ببراعة ومرونة مع متغيرات المنزل ومع ظروف الزوج المادية والنفسية.. الزوجة العاقلة على قناعة تامة بأن الحياة كفاح، وأن النعمة لا تدوم لأحد، والأيام تتقلب تقلب المِرجل إذا استجمع غليانه.. فإذا تقلبت بها الأيام رضت بقضاء الله، واستبشرت خيرا بخسن الجزاء، وكانت خير عون وسند ًلزوجها على نوائب الأيام، ولم تكن قط عونا عليه بالشكاية أو التضجر أو إرهاقه بطلبات فوق طاقته وقدرته، بل على العكس تستطيع أن تستغني عن كثير من وسائل الرفاهية أو الراحة في سبيل راحة زوجها النفسية.
إياكِ أن تَمُنِّي عليه
قد تكون الزوجة عاملة تساعد بشكل فعال في تدعيم ميزانية الأسرة، وربما يصدر منها بقصد أو بغير قصد ما يدل على أنها تمُنُّ علي الزوج، وهذا فيه غاية الإساءة الوجدانية والأدبية للزوج، خاصة إذا معسراً لا يكفي دخله وحده حاجات الأسرة، فضلا عن إرهاق الزوجة نفسها وبيتها بالكماليات.. مَنُّ المرأة على زوجها بمساعدته يسيء للزوج ويؤذي مشاعره، ويحدث شرخاً في العلاقة الزوجية لا يلتئم، وجرحاً لا يندمل، ولتعلم الزوجة الفاضلة أنها ملكاً لزوجها، وله في راتبها بعض الحق، ولا يجوز أن تمُن عليه بذلك، وقد كانت السيدة خديجة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تضع مالها كله تحت يده عليه الصلاة والسلام، فكان مما قاله في حقها: «وواستني بمالها إذ حرمني الناس» (مجمع الزوائد: 9/227).
واحرصي أيضا على أن لا تذكري دائماً حالك في بيت أبيك قبل الزواج ممتنة على زوجك، فبعض الزوجات تعمد دائماً إلى تكرار عبارات التأنيب واللوم الغير مباشرة.. لقد كنت ألبس في بيت أبي كذا، وآكل كذا، وكنا نفعل كذا.. وهي تقصد بذلك أنها بعد زواجها منه تغير حالها إلى الأسوأ، وهذا فيه نوع من عدم الرضا بالواقع الذي تعيشه، وهذا أخطر شيء على استقرار الحياة الزوجية.. بكلامك ذاك قد تدفعين زوجك لأن يسلك غير سبيل المؤمنين فيقبل الحرام ويخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، واعلمي أن الأيام دولٌ بين الناس، من سرَّه يومٌ ساءته أيام، وأن السعادة في النفس وفي الرضا والقناعة.
عليكِ بالقصد ولا تسرفي
قال صلى الله عليه وسلم: «ما عال من اقتصد» [رواه أحمد] أي ما افتقر من اقتصد في عيشه ونفقاته، ولم يسرف فالله لا يحب المسرفين، ومن ثم قيل: «صديق الرجل قصده، وعدوه سرفه»، والإسلام لا يحض على الفقر وترك زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف:32] ولكنه في الوقت ذاته لا يريد أناساً متخمين ممتلئة بطونهم بكل ما لذ وطاب, يركنون إلى الدنيا ولذَّاتها، وقد روي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أكثر الناس شبعاً أطولهم جوعاً يوم القيامة» [ابن ماجة] فالذين ينغمسون في التشبع والامتلاء، ويبتكرون في وسائل الطهي وفنون التلذذ، لا يصلحون لأعمالٍ جليلة، ولا ترشحهم هممهم الشهوانية لبذل أو تضحية. كما أن بعض الزوجات يكلفن أزواجهن بشراء العديد من الكماليات، ويرهقن البيت بتحميله فوق طاقته، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «السَّمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد، جزء من أربع وعشرين جزءاً من النبوة» [رواه الترمذي].
القناعة كنز لا يفنى
من أعظم المهلكات التي تقع فيها كثير من النساء: «النظر إلى غيرها في أمور الدنيا».. فبعض الزوجات همها الأكبر أن تقتني كل ما هو جديد، ودوما في حالة مقارنة وتطلع إلى أحوال غيرها المادية وخاصة الكمالية والترفيهية، وما إن تشتري هذه الصديقة أو تلك الجارة شيئا إلا وتطلعت نفسها لاقتنائه، لسان حالها وفكرها يقول: إنها ليست أفضل مني في شيء!.
لكن ينبغي أن تعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن لكل منا رزقه المقسوم، والأرزاق تتفاوت ولا تتشابه، والسعيد من رضي بحاله، كما أن التسابق يجب أن يكون في أمور الآخرة، وليس في أمور الدنيا، قال الله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آلعمران:133] بينما في أمور الدنيا يسير المرء على قدر حاجته، ولا ينظر إلى من سبقه فيها، قال –صلى الله عليه وسلم-: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» [رواه مسلم] .
ولا يقصد من ذلك ألا يسعى المرء إلى وضع أفضل مما هو فيه إن كان معسراً، وإنما لا يكن همه الدنيا والنظر إلى غيره، والأجدر أن ينظر إلى من هو أصلح منه دينا وخلقا، فيبتغي الصلاح والمسارعة لإرضاء الله عز وجل حتى يفوز بنعيمي الدنيا والآخرة، وأن يطلب العبد الدنيا للآخرة، والمقصود أن يكون الشاغل للمرء إصلاح نفسه وتربيتها على الفضائل ثم يأتي إصلاح حاله الدنيوي بالتبعية، لا أن يكون شغله الشاغل ما يأكل وما يلبس وما يسكن.
الصبر ضياء
من الأقوال النبوية النافعة لكل زوجة مسلمة قوله –صلى الله عليه وسلم-: «والصبر ضياء» [رواه مسلم] فالحياة الأسرية تتعرض لنكبات، وهذه سنة الكون، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155] ولتعلم الزوجة أن الصبر بالتصبر، وأنها حين يراها الزوج صابرة صامدة، تقوى عزيمته، ويقوى على مواجهة مصاعب الحياة، ويزداد حبه وإعزازه لها، قال –صلى الله عليه وسلم-: «ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدا عطاءاً خيراً وأوسع من الصبر» [متفق عليه].
والمرأة لما جبلها الله عليه من عاطفة جياشة فهي أسرع للجزع من الرجل، وبعض الزوجات يكثرن الشكوى عند كل مُلِمة، وبعضهن يتمارضن كثيراً، وتشتكي بين اللحظة والأخرى من أي شيء بسيط، وهذه الشكوى أيتها الزوجة تقلق الزوج كثيرا، أفلا تكوني صبورة؟! ألا تستطيعين تحمل ما يُلِم بك بصبر جميل من غير أن تكثري الشكوى لمن حولك؟!