العالم الشهيد المسلوخ لكلمة حق

ممدوح إسماعيل

ذكر ابن الشعشاع المصري إنه رآه في النوم بعدما قُتل، وهو في أحسن هيئة. قال: فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: حباني مالكي بدوام عزٍ ووعدني بقـرب الانتصارِ وقربنـي وأدناني إليه وقال: انعم بعيشٍ في جواري تقبل الله شهيد الاسلام والسنة وكلمة الحق أبوبكر النابلسي لعل في قصته درس يوقظ العلماء المخدرون بدراهم السلاطين والحكام ودرس لنا جميعا وتعليم لأولاد المسلمين كيف يكون العلماء بدل الصور المشوهة لعلماء السلاطين..

  • التصنيفات: التاريخ الإسلامي - تراجم العلماء -

انها قصة العالم الحقيقي الذي يعرف قيمة الرسالة التي يحملها وتبليغ كلمة الحق وتحمل التبعات كما سار الأنبياء لا من تشبهوا بالعلماء واغترفوا من المناصب والاضواء والريالات ولما فرض عليهم كلمة الحق للتبيان للناس هربوا وبايعوا الباطل انه الامام الرباني: محمد بن أحمد بن سهل بن نصر، أبو بكر الرملي الشهيد المعروف أبوبكر النابلسي.

 

كان رحمه الله من المحدثين الكبار، فقد حدّث عن: سعيد بن هاشم الطبراني، ومحمد بن الحسن بن قتيبة، ومحمد بن أحمد بن شيبان الرملي. كما حدّث عنه: تمام الرازي، والدار قطني، وعبد الوهاب الميداني، وعلي بن عمر الحلبي، وغيرهم.

 

وكان عابدا صالحا زاهدا لم يبع علمه على ابواب السلاطين بل كان قوالا بالحق مع إمامته في الحديث والفقه، صائم الدهر، كبير الصولة عند الخاصة والعامة.

 

قصته عظيمة في زمن حكم الطغاة العبيدين الباطنية لمصر فقد حكموا بالقهر والسيف والظلم وغيروا بالإكراه عقيدة المسلمين اهل السنة فهرب منهم العلماء والصالحون وقبضوا على الكثير فاكرهوهم على قول الباطل ولكن عالمنا الرباني كان له موقف اخر سجلته الملائكة وسجله التاريخ فقد كان من سكان الرملة بفلسطين ولما ظهرت الدولة الفاطمية ببدعتهم الشيعية الكفرية ولعن امهات المؤمنين والصحابة علانية في كل صلاة وعلى المنابر وابطلوا صلاة التراويح والضحى وفرضوا بدعتهم المنكرة دعي أبوبكر النابلسي لجهادهم وذهب لدمشق واعلن وجوب الجهاد وقال فتواه المشهورة في فرضية جهادهم فقبض عليه حاكم دمشق وارسله في قفص خشب مسلسل مقيد الى مصر وهنا نتوقف الرجل امامه فرصة طوال طريق استمر مسيرة شهر ان يكتم ايمانه وان يقدم مراجعات فكرية لفتواه بالجهاد ثم يعلن انه كان مكرها الفاطميون كفرة يقتلون الناس بالشبهة ولا يرحمون اهل السنة ولكن كيف للعالم الرباني الذي يعلم الناس حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ حق (عَدْلٍ)عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» والسلطان هنا مفسدته متعدية لعقيدة المسلمين فلم يتردد رغم طول الحبس والمشقة في السفر حتى وصل الى قصر الحاكم العبيدي.

 

وهنا يروي لنا الموقف والحوار الامام أبو الفرج بن الجوزي:

قال الحاكم العبيدي لإبوبكر النابلسي: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم، وجب أن يرميَ في الروم سهماً، وفينا تسعة (انها فتوى الجهاد ضد الفاطميين التي أعلنها في دمشق فكيف يكون الرد؟) قال الامام أبوبكر النابلسي: ما قلت هذا، (وهنا فرح الحاكم فقد ظن ان الامام تراجع وسيعلن وثيقة مراجعة وولاء وبيعة له ولكنه صدم صدمة مروعة) فقد قال الامام أبوبكر بصوت مرتفع قوى بل قلت: إذا كان معه عشرةُ أسهم، وجب أن يرميكم بتسعة، وأن يرمي العاشر...فيكم أيضاً؛ فإنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية.. (الله أكبر انها كلمة الحق والعهد الذي اخذه الله على العلماء لتبيينه للناس ولا تكتمونه) فاشتد غيظ الحاكم العبيدي وانفجر كمدا وهو يصيح اقتلوه ولكن شهَروا به اى يتم الطواف به مقيد في الشوارع يوم ثم اضربوه بالسياط في اليوم الثاني ثم اسلخوه في اليوم الثالث هكذا كان الحكم من الحاكم الكافر بدين الله وأمر يهوديا فسلخه زيادة في التنكيل فلم يهتز الامام في التشهير ولا الضرب بالسياط ولا عند سلخه ولم يقدم التماس ولا طلب عفو يا الله ما اعظم تثبيتك لعبادك المؤمنين قال ابن الأكفاني يصف ما حدث: (سُلخ من مفرِقِ رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله، ويصبر حتى بلغ الصدر، فرحمه السَّلَّاخ، فوكزه بالسكين موضع قلبه، فقضى عليه، وقيل: (لما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن) تخيل السكين تمضي في جسده وتقطع وتسلخ جلد وجهه وهو ثابت لا يصرخ ولا يجزع بل يردد القران كلام الله انه تجسيد واقعى لقول الحق {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[آل عمران: 101]

قال الذهبي في ترجمة لأبي بكر النابلسي: قال أبو ذر الحافظ: سَجَنَه بنو عُبيد، وصلبوه على السنة، سمعت الدار قطنَّي يذكره ويبكي، ويقول كان يقول، وهو يُسلخ: {كَانَ ذَلَكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً} لقد سجل التاريخ كفر وظلم وقسوة الشيعة وكيف رحمه اليهودي عند سلخ الامام ولم يرحمه الرافضة الأنجاس هو تطبيق واقعي لقيام العالم بالرسالة ونصرة الدين إنه عالم من علماء الحديث. فهو يعلم أنه يحمل علما أفضل من أي شيء في الدنيا الاسلام الحق!! لقد سجنه الفاطميون وصلبوه لثباته على السنة.

 

ومن مظاهر ثباته: إنه لما أُدخل مصر بعد سفر شهر في قفص مقيد قال له بعض المنافقين الذين بايعوا وقبضوا الريالات - الحمد لله على سلامتك! يشمت فيه فقال الامام أبوبكر: - الحمد لله على سلامة ديني وسلامة دنياك!!

كان رحمه الله يردد وهو يُسلخ الآية الكريمة: {كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} [الإسراء: 58]. 

لما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن. وذكر ابن الشعشاع المصري إنه رآه في النوم بعدما قُتل، وهو في أحسن هيئة. قال: فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: حباني مالكي بدوام عزٍ ووعدني بقـرب الانتصارِ وقربنـي وأدناني إليه وقال: انعم بعيشٍ في جواري تقبل الله شهيد الاسلام والسنة وكلمة الحق أبوبكر النابلسي لعل في قصته درس يوقظ العلماء المخدرون بدراهم السلاطين والحكام ودرس لنا جميعا وتعليم لأولاد المسلمين كيف يكون العلماء بدل الصور المشوهة لعلماء السلاطين