نعم المصلى (3): أول قبلة للمسلمين

أيمن الشعبان

طول مدة بقاء المسجد الأٌقصى القبلة الأولى للمسلمين، كافية لترسيخ مكانته في النفوس وتثبيتها في القلوب، وهذا يستدعي التعاون وبذل كافة الجهود لنصرته وتحريره من براثن الغاصبين المعتدين، لذلك قال عنه عليه الصلاة والسلام حفاظا على ديمومة هذه المكانة (ولنعم المصلى).

  • التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

 

فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة "المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها "نِعمَ المُصَلَّى" أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.

 

الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر.

 

س3/ ما هي أول قبلة للمسلمين؟

 

المسجد الأقصى أول قبلة للمسلمين، وهذا فيه العديد من الدلالات والمعاني الجليلة، والبعد العقدي والارتباط الإيماني، فالقبلة رابط لتوحيد الأمة، إذ لو تُرك كل إنسان يتجه حسبما يريد، لافترق الناس واختلفت وجهاتهم، ففي معنى القبلة الترابط والتآخي والنصرة والوحدة ورمز الوجود والقوة.

 

رغم المشقة والاضطهاد والضائقة التي لقيها من مشركي قريش؛ كان عليه الصلاة والسلام في مكة يصلي إلى بيت المقدس ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين قبل غروبها، كما قال سبحانه {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ[1]، فَالْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ: الصَّلَاةُ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَجْمَعَ الْمُتَأَوِّلُونَ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ هُنَا الصَّلَاةُ.[2]

 

استقبال بيت المقدس وجعله قبلة للمسلمين، ثابت في الكتاب والسنة الصحيحة، قال سبحانه {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا[3]، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ.[4]

 

قال ابن إسحاق: كانت قبلة رسول الله بمكة إلى الشام، وكانت صلاته بين الركن اليمانى والركن الأسود، ويجعل الكعبة بينه وبين الشام. [5]

 

ولما فرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء قبل الهجرة بعام ونصف، كانت في بادئ الأمر كل صلاة منها ركعتين، ثم زيدت في السنة الأولى من الهجرة فأصبحت صلاة الحضر أربع ركعات في الظهر وأربع في العصر وأربع في العشاء، وفي المغرب ثلاثة وبقيت الفجر ركعتين.

 

ومع بعد المسجد الأقصى عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه زمانا ومكانا، إلا أنه بقي قبلة لهم قرابة أربعة عشر عاما، ليعيش في نفوسهم ووجدانهم حُكما وقبلة وتعلقا وارتباطا.

 

فمتى ما عَظّمت الأمة واستشعرت حقيقة ومكانة قبلتها الأولى ومقدساتها، فإنها ستستعيد مجدها وعزها ورقيها وسؤددها، بعيدا عن اللون والقومية واللغة والجنس، لأن رابط الدين أقوى الروابط وأعمقها.

 

إن العلاقة الجغرافية الهندسية من حيث الاتجاه، تشير إلى أن نسبة انحراف قبلة المسجد الأقصى عن جهة مكة المكرمة 3% تقريبا، مما يمكن إهمالها بمعنى أن المحور الأساسي والطريقة الهندسية لأسوار المسجد الأقصى تتجه إلى مكة قبلة المسلمين، ما يؤكد العلاقة الجغرافية بين المسجدين المقدسين، ولم يكن من قبيل التوافق والمصادفة.

 

إن إمامة النبي عليه الصلاة والسلام جميع الأنبياء في المسجد الأقصى ليلة الإسراء وقبلتهم جميعا بيت المقدس؛ لدلالة قوية على أهمية تلك البقعة والأرض، وفيه إشارة إلى تولي هذه الأمة قيادة البشرية انطلاقا من ذلك المسجد، فلا ينبغي التفريط فيه تحت أي ظرف من الظروف.

 

طول مدة بقاء المسجد الأٌقصى القبلة الأولى للمسلمين، كافية لترسيخ مكانته في النفوس وتثبيتها في القلوب، وهذا يستدعي التعاون وبذل كافة الجهود لنصرته وتحريره من براثن الغاصبين المعتدين، لذلك قال عنه عليه الصلاة والسلام حفاظا على ديمومة هذه المكانة (ولنعم المصلى).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] (ق:39).

[2] تفسير ابن عاشور (26/326).

[3] (البقرة:143).

[4] أخرجه أحمد بسند صحيح، وصححه الألباني في الثمر المستطاب ص836.

[5] شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/59).