وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً
أبو الهيثم محمد درويش
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } [الفرقان 32 - 33]
- التصنيفات: التفسير -
من شبهات الكفار التي حاولوا أن يعرقلوا بها دعوة الحق , اعتراضهم على نزول القرآن بالتدريج على رسول الله صلى الله عليه و سلم .
فكان التفنيد الإلهي لهذه الشبهة و الرد المفحم بأن نزوله بالتدريج أثبت لفؤاد الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة معه و أكثر اطمئناناً لقلبه و أفضل في الرد على الأحداث التي تعرض له على مدار حياته و المواقف التي تحتاج لبيان و توضيح له و للأمة , و للرد على الشبهات و الأمثال التي يعترض بها الكفار و المنافقون على مدار حياة الرسول صلى الله عليه و سلم , فكلما وضعوا شبهة رد عليها القرآن أكمل رد و فسره أفضل تفسير بأكمل بيان .
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } [الفرقان 32 - 33]
قال السعدي في تفسيره :
هذا من جملة مقترحات الكفار الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا: { { لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } } أي: كما أنزلت الكتب قبله، وأي محذور من نزوله على هذا الوجه؟ بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن، ولهذا قال: { {كَذَلِكَ} } أنزلناه متفرقا { { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } } لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينة وثباتا وخصوصا عند ورود أسباب القلق فإن نزول القرآن عند حدوث السبب يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه.
{ {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } } أي: مهلناه ودرجناك فيه تدريجا. وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث جعل إنزال كتابه جاريا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية.
ولهذا قال: { {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } } يعارضون به الحق ويدفعون به رسالتك، { {إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} } أي: أنزلنا عليك قرآنا جامعا للحق في معانيه والوضوح والبيان التام في ألفاظه، فمعانيه كلها حق وصدق لا يشوبها باطل ولا شبهة بوجه من الوجوه، وألفاظه وحدوده للأشياء أوضح ألفاظا وأحسن تفسيرا مبين للمعاني بيانا كاملا.
وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي للمتكلم في العلم من محدث ومعلم، وواعظ أن يقتدي بربه في تدبيره حال رسوله، كذلك العالم يدبر أمر الخلق فكلما حدث موجب أو حصل موسم، أتى بما يناسب ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك.
وفيه رد على المتكلفين من الجهمية ونحوهم ممن يرى أن كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها ولها معان غير ما يفهم منها، فإذا -على قولهم- لا يكون القرآن أحسن تفسيرا من غيره، وإنما التفسير الأحسن -على زعمهم- تفسيرهم الذي حرفوا له المعاني تحريفا.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن