الـقـدس.. خـمـسـون عـاماً عـلـى الاحـتـلال (2)

هناك منظمات يهودية تعنى بشكل خاص بالتخطيط لتدمير المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل على أنقاضه على اعتبار أن هذه الخطوة تعد أهم متطلب لاستكمال التهويد في نظر المرجعيات الدينية.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية - قضايا إسلامية -

المؤسسات والحركات اليهودية المسؤولة عن تهويد القدس

دأب الكيان الصهيوني منذ احتلال القدس الشرقية أثناء حرب 1967م على تطبيق إستراتيجية تهدف إلى تحسين قدرته على تهويد المدينة والفضاء المحيط بها. وقامت هذه الإستراتيجية وما زالت على ركيزتين أساسيتين، وهما: إجراءات حكومية تتضمن مخططات بناء وتبني سياسات وسن قوانين للإسهام في تهويد المدينة، إلى جانب أنشطة تقوم بها مؤسسات ومنظمات دينية متطرفة تعكف على تنفيذ مشاريع وأنشطة لتجذير التهويد.

وهناك منظمات يهودية تعنى بشكل خاص بالتخطيط لتدمير المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل على أنقاضه على اعتبار أن هذه الخطوة تعد أهم متطلب لاستكمال التهويد في نظر المرجعيات الدينية.

وبرغم أنه يبدو لأول وهلة أن هذه المنظمات والمؤسسات تعمل بشكل مستقل عن الحكومة الصهيونية، إلا إن الواقع يدلل على أن هذين الطرفين يتحركان وفق خطة تضمن تكامل الجهود الهادفة للتهويد، حيث إن الحكومة تقدم كل العون اللازم من أجل إنجاح عمل هذه المؤسسات.

 

ونحن هنا بصدد التعرض لأهم المؤسسات والمنظمات التي تعمل في مجال التهويد في القدس:

بلدية الاحتلال في القدس:

تعد أهم المؤسسات التي تسهم بشكل كبير في تهويد القدس بحكم طبيعة المهام التي تقوم بها. فمنذ احتلال القدس عام 1967م قد لعب المجلس البلدي اليهودي في المدينة الدور الرئيس في عملية التهويد. وتتولى البلدية القيام بالأنشطة التهويدية في عموم القدس، سواء في الجانب الشرقي أو الغربي أو المحيط.

 

أنشطة بلدية الاحتلال التهويدية:

من خلال دائرة التنظيم والبناء التابعة لها، تقوم البلدية بوضع مخططات بناء الأحياء الاستيطانية في الجزء الشرقي والغربي من المدينة ومحيطها.

يعمل المجلس البلدي اليهودي على توسيع حدود البلدية باستمرار من خلال التمدد في جميع الأطراف من خلال مصادرة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية.

تتولى البلدية القيام بمشاريع تهدف إلى الربط بين القدس والمستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية، مثل مشروع E1، الذي يربط بين القدس ومستوطنة «معاليه أدوميم» أكبر المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، مع العلم أن هذا المشروع يسدل الستار على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية لأنه يضع حداً للتواصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.

تعكف البلدية على تطبيق سياسات تهدف إلى إجبار المقدسيين على مغادرة المدينة من خلال فرض الضرائب الباهظة والامتناع عن منح تراخيص بناء، وتدمير كل مبنى يتم بناؤه من دون ترخيص، وتقليص مستوى الخدمات للفلسطينيين في المدينة، إلى جانب فرض المنهاج «الإسرائيلي» على المدارس الفلسطينية في شرق المدينة. وقد نوهت وثيقة سرية أعدها قناصل الدول الأوربية في القدس مؤخراً إلى أن أزمة السكن التي يعاني منها الفلسطينيون في القدس والناجمة عن السياسات الصهيونية يمكن أن تفضي إلى انفجار الأوضاع الأمنية بشكل غير مسبوق.

 

مؤسسة «عطيرات كوهنيم»:

تعد هذه المؤسسة المتدينة، التي تشكلت مطلع سبعينات القرن الماضي الذراع التنفيذية الأوسع للأنشطة التهويدية، حيث هدفت إلى التهويد من خلال آليتين أساسيتين، وهما: ضمان السيطرة على أكبر قدر من مساحة الأرض والممتلكات الفلسطينية إلى جانب تحقيق تفوق ديمغرافي لليهود في البلدة القديمة من القدس من خلال ترغيبهم في الانتقال للعيش على الأرض والممتلكات التي يتم السيطرة عليها.

وترتبط «عطيرات كوهنيم» بعلاقات عمل وتنسيق مع وزراء ونواب من حزبي الليكود الحاكم وحزب «البيت اليهودي»، الذي يقوده وزير التعليم نفتالي بنات، حيث كشف النقاب مؤخراً عن أن وزير الاستيطان الصهيوني أوري أرئيل ينسق بشكل حثيث مع قادة «عطيرات كوهنيم» في تنفيذ الكثير من المشاريع.

وتحظى «عطيرات كوهنيم» بدعم كبير من الجماعات المسيحية الإنجليكانية الأمريكية، التي تقدم لها دعماً مالياً وسياسياً، حيث يتولى الوزير الأسبق الحاخام بني أيالون، الذي يعد أحد قادة «عطيرات كوهنيم» التنسيق مع الجماعات الأنجليكانية.

وتحصل «عطيرات كوهنيم» على دعم سخي من عدد من رجال الأعمال اليهود الأمريكيين، لاسيما الملياردير المتدين أورفينغ ميسكوفيتش، المقيم في ولاية «فرجينيا»، والذي جمع ثروة طائلة من المضاربات، حيث لا يتردد ميسكوفيتش في دفع أي مبلغ تتطلبه مشاريع التهويد في المدينة، التي تنفذها «عطيرات كوهنيم». ويتضح أن هناك تقاسم أدوار واضحاً وجلياً بين الحكومة الصهيونية و«عطيرات كوهنيم». فالحكومة تعنى بتدشين المشاريع الاستيطانية التي تضمن تهويد محيط القدس الشرقية، في حين تتولى «عطيرات كوهنيم» تهويد قلب المدينة.

وكشفت صحيفة هأرتس الصهيونية قبل سنوات أن ميسكوفيتش نجح في التحايل على السلطات الأمريكية، حيث إنه تمكن من إقناعها بأن مؤسسة «عطيرات كوهنيم» هي منظمة خيرية، وبالتالي فإن سلطات الضرائب الأمريكية تعفي الأموال التي يقدمها للمنظمة من الضرائب، حيث إن القانون الأمريكي يعفي الأموال المقدمة للمشاريع الخيرية من الضرائب.

 

الأنشطة التهويدية التي تقوم بها «عطيرات كوهنيم»:

1- تستغل «عطيرات كوهنيم» قانون «أملاك الغائبين» في السيطرة على منازل الفلسطينيين وعقاراتهم التي هجروها في أعقاب حربي ٤٨ و٦٧، حيث إن هذا القانون يسمح للكيان الصهيوني بمصادرة كل ممتلكات فلسطينية لا يعيش فيها أصحابها. وتقوم السلطات الصهيونية فور السيطرة على العقارات والمنازل الفلسطينية بتحويلها لتصرف «عطيرات كوهنيم»، التي تقوم بإعدادها وتجهيزها لاستقبال المزيد من العائلات اليهودية للاستيطان فيها.

2- تقوم «عطيرات كوهنيم» بتزوير عقود شراء وبيع للسيطرة على منازل الفلسطينيين وعقاراتهم. وتقوم هذه المؤسسة بتقديم هذه العقود للمحاكم على أساس أنها عقود صحيحة، فيتم إخلاء أصحاب المنازل والعقارات منها.

3- تعتمد على بعض العملاء من الفلسطينيين، الذين يقومون بشراء العقارات والمنازل من الفلسطينيين ثم يقومون ببيعها لهذه المؤسسة.

5- تسعى «عطيرات كوهنيم» لاستصدار قرارات من محاكم الاحتلال للسيطرة على منازل وعقارات فلسطينية بحجة أنها كانت مملوكة لليهود قبل عام 1948م.

 

مؤسسة «إليعاد»:

تتبع مؤسسة «إليعاد» التيار الديني الصهيوني ويتركز دورها في تهويد بلدة «سلوان» المتاخمة للقدس بحجة العمل على إحياء العاصمة التي دشنها النبي داود، والتي تدعي المصادر الدينية اليهودية أنها توجد في سلوان.

وقد استلهمت «إليعاد» الوسائل نفسها التي تطبقها «عطيرات كوهنيم»، لكنها تحظى بدعم أكثر صخباً من الحكومة الصهيونية، حيث إنه قد تم منح قادتها هذا العام ما يعرف بـ«جائزة إسرائيل»، التي تعد أكبر جائزة رسمية يقدمها الكيان اعترافاً بدورها في تهويد الفضاء المحيط بالقدس.

 

الأنشطة التهويدية لـ«إليعاد»:

تجنيد الأموال من أثرياء يهود في أرجاء العالم لتمويل الأنشطة الاستيطانية التهويدية في سلوان، حيث يعد الملياردير اليهودي الأسترالي يوسيف غوتنيك من أبرز الداعمين للمؤسسة.

اعتماد أساليب الخداع والاحتيال من خلال تعاون مؤسسات الحكومة في تقديم أدلة على أن عدداً كبيراً من العقارات والمنازل في البلدة تعود ليهود عاشوا مطلع القرن العشرين في البلدة وبالتالي استصدار قرارات من المحاكم بالاستيلاء عليها.

القيام بحملات دعائية في أرجاء الكيان الصهيوني وفي أوساط الجاليات اليهودية عن أهمية الاستيطان في البلدة.

 

حركة «أمناء جبل الهيكل»:

حركة دينية يقودها المظلي السابق جرشون سلمون تدعو لتهويد الحرم القدسي الشريف من خلال تدمير المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل، ويتبعها عدد كبير من الأتباع.

 

أنشطة «أمناء جبل الهيكل» التهويدية:

تنظيم عمليات اقتحام للحرم بهدف تدنيسه بشكل منتظم، لاسيما من خلال استغلال الأعياد اليهودية.

تحرص الحركة على تجنيد اليهود العلمانيين في صفوفها وعدم الاكتفاء بالمتدينين، وقد نجحت في استقطاب عدد كبير منهم.

تجند الحركة الأموال من خلال جمع التبرعات من اليهود في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا بزعم أنها ستوظفها في مخططاتها الهادفة لتمير الأقصى، من خلال الترويج دائماً أن الأماكن المقدسة للمسلمين توجد في مكة؛ وأنه لا يوجد لهم أي حق في القدس.

 

معهد الهيكل:

يعنى هذا المعهد وحاخاماته بـ«التأصيل الفقهي» المطلوب لإضفاء شرعية دينية على المحاولات التي يقوم بها اليهود للمس بالمسجد الأقصى.

 

أنشطة معهد الهيكل التهويدية:

مسؤول عن تأطير المرجعيات الدينية والحاخامات المتحمسين لإعادة بناء الهيكل على أنقاض الحرم القدسي الشريف.

لعب دوراً في إصدار الفتاوى التي تحث اليهود على الإسهام في تدنيس الحرم.

أقام متحفاً في القدس يزوره مئات الآلاف من اليهود سنوياً يتناول مراحل تطور الهيكل في السابق، إلى جانب عرض مجسمات للهيكل الثالث المزمع بناؤه على أنقاض الحرم.

يقوم المعهد بالتعاون مع وزارة التعليم بإعطاء محاضرات أمام الطلاب حول أهمية إعادة بناء الهيكل.

 

منظمة «حاي فكيام»:

أسس هذه المنظمة يهودا عتصيون، الذي كان أحد قادة التنظيم اليهودي الإرهابي السري المسؤول عن تنفيذ عدد من عمليات القتل ومحاولات الاغتيال التي استهدفت الفلسطينيين والشخصيات الاعتبارية الفلسطينية مطلع الثمانينات من القرن الماضي، علاوة على أن أعضاء التنظيم قطعوا شوطاً كبيراً في التخطيط لتدمير المسجد الأقصى. وقد تحول عتصيون إلى نجم في الكثير من البرامج الحوارية التي تقدمها قنوات التلفزة الصهيونية التي تتناول مستقبل القدس.

 

الأنشطة التهويدية لـ«حاي فكيام»:

- تعد «حاي فكيام» أول منظمة يهودية دعت إلى تقسيم الحرم القدسي الشريف بين المسلمين واليهود زمانياً ثم مكانياً.

- تسهم في إلقاء المحاضرات في أوساط الجنود حول أهمية بناء الهيكل.

- تلعب دوراً في التحريض على تدنيس الحرم.

- تقوم بتنظيم المسيرات في قلب البلدة القديمة، حيث يحرص عناصرها على استفزاز المقدسيين بشكل فج.

 

منظمة «الحركة من أجل إقامة الهيكل»:

منظمة تضم حاخامات من مستوطنات الضفة الغربية ومن الولايات المتحدة الأمريكية، وتعمل بشكل خاص على تعزيز الوعي اليهودي بضرورة العمل على إعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، معتبرةً ذلك أهم التكاليف الشرعية لكل يهودي حيثما كان.

 

الأنشطة التهويدية لمنظمة «الحركة من أجل إقامة الهيكل»:

زيادة وعي اليهود في الخارج بأهمية بناء الهيكل على أنقاض الحرم.

تشجيع يهود العالم على التبرع للأنشطة الاستيطانية التهويدية والأنشطة الهادفة إلى تهويد الحرم.

تعمل على زيادة الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي في استصدار القرارات التي تكرس تهويد القدس، حيث لعبت الحركة على مر العقود ضغوطاً من أجل استصدار القرار بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

 

تنظيم «القيادة اليهودية»:

بخلاف التنظيمات السابقة، فإن هذا التنظيم هو تنظيم سياسي حزبي، حيث يعتبر أحد المعسكرات المهمة في حزب الليكود الحاكم، ويرأس تنظيم «القيادة اليهودية» موشيه فايغلين النائب السابق لرئيس البرلمان الصهيوني.

 

الأنشطة التهويدية لتنظيم «القيادة اليهودية»:

يدير لوبي سياسي داخل البرلمان الحكومة للضغط من أجل تمرير مخططات الاستيطان الهادفة لتهويد المدينة.

لعب هذا التنظيم دوراً مهماً في دفع الساسة الصهاينة للمشاركة في اقتحام الحرم القدسي الشريف وتدنيسه.

أسهم في تشريع تجاوز الاتفاق الذي توصل إليه كل من رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وملك الأردن في أكتوبر والقاضي بالسماح لليهود بتدنيس الحرم بشرط عدم قيامهم بأداء الصلوات التلمودية فيه؛ حيث إن قادة وأعضاء هذا التنظيم يقومون بشكل استفزازي بأداء هذه الصلوات أمام كاميرات التلفزة.

 

الكاتب: د. صالح النعامي .