مذكرات مرابطة (12)

هنادي حلواني

سلسلة مقالات بقلم المناضلة الفلسطينية هنادي الحلواني، من مرابطات المسجد الأقصى، وقد أسمتها (مذكرات مرابطة).

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية - قضايا إسلامية -

حرائر_الأقصى:

كان قرار الإبعاد الثالث أصعب من سابقَيه، فقرار الإبعاد لثلاثة أشهرٍ عن المسجد الأقصى الذي تسلّمته بعد أن تم اعتقالي و التحقيق معي، ليس بالأمر الهيّن!

عدا عن أني شعرتُ أنّ قرار الإبعاد أصبح ورقةً رابحة بأيديهم، يبعدوننا متى شاؤوا.

وكان هناك نقطةٌ فارقة في هذا الإبعاد، فإبداع النساء في صد الاقتحامات ورباطهنّ المتواصل جعل من كلّ واحدةٍ منهنّ هدفاً للاحتلال، وبدأ باعتقال الطالبات والمعلمات الأكثر تأثيراً وإبعادهنّ عن الأقصى،

وقوبل الإبداعُ بالإبعاد، ولم يحرّك أحدٌ ساكناً!

والتهمة ثابتةٌ لكلّ المبعدات "التكبير"، وأنعم بها من تهمة!

فنحن قلنا ولا زلنا وسنظلّ نقول في كلّ مرةٍ أن التكبير جزءٌ من عقيدتنا، نكبر بالعيد، وبالصلاة، وبترديدنا خلف المؤذن للصلاة، نكبر حين نفرح، وحين نغضب وحين نحزن. ونذكر الله تعظيماً فنقول: الله أكبر.

كانت تهمة الجميع، فذلك المقتحم النجس يدخل الأقصى تحت حراسةٍ مشددةٍ مسلّحة، لأنه لص! يدخل مقدساتنا وينسبها لنفسه ويؤمنُ بخرافاتٍ كذبها عليه كاهنٌ مجنون وحاخام ممسوس فصدّق، ونحن سلاحنا أمام هذا اللص "الله أكبر".

أكبرُ من كذبك، ومن غطرستك، ومن قراراتك الجائرة بالاعتقال للنساء الحرائر وإبعادهنّ، الله أكبر من كل القوة التي جمعتموها للنيلِ من مقدساتنا، ولأنه مولانا فسننتصر!

عدد النساء المبعدات لم يكن قليلاً، ونحن لن نستسلم لقراراتهم، لن يفرحوا بنصرٍ مزيّف ولا ليومٍ واحد، فبدأت بجمع الأخوات المبعدات من الطالبات والمعلمات عند باب حطة وتابعنا عقد دروسنا هناك، وواصلنا التكبير بلا كلل، انتصرنا بإرادتنا، لم يثننا حرّ الصيف ولا برد الشتاء، حتى تحت المطر الغزير كنا نجتمع ونتابع على أعين الاحتلال دروسنا.

أوصلنا بذلك رسالات عديدة،،

رسالةً للاحتلال بأننا لن ننهزم، ولن نخضع إلا لإرادة الله فينا، ورسالةً للقادرين على وصول المسجد الأقصى والمتقاعسين عنه، أنّنا أُبعدنا ولا زلنا نتواجد على أقرب نقطةٍ تمكننا من الرباط والنيل من الصهاينة، ورسالةً لإخوتنا في البلدان المجاورة، أننا مبعدون كما هم عن الأقصى، ومحرومون منه تماماً مثلهم، ولكننا لم نعدم الوسيلة لنصرته، برباطنا على أبوابه، ثم بإيصال صوته للعالم.

كان لا بدّ من أن ننقل صوت الأقصى وصرخة حرائره للعالم من خلال المؤتمرات، وكانت لي تجربة سابقة في مؤتمر "نحو ربيع القدس" الذي شارك به الشيخ عكرمة صبري، والاخوة كمال الخطيب وحاتم عبد القادر، تحدثتُ فيه عن إبعادي الأول ومجرياته التي حدثتكم عنها بالمذكرات السابقة.

وحين صارت الإبعادات يوميّةً ولأعدادٍ كبيرة تحدثتُ بمؤتمرٍ أكبر بعنوان "صرخة حرائر الأقصى"، تحدثت فيه بلسان الحرائر التي تهان وتعتَقل وتُبعد قسراً وظلماً، ووجهنا هذه الصرخة للوصيّ الأول عن المقدسات العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين.

طالبناهُ أن يأخذ بزمام مسؤوليته وينظر لحال المقدسات التي أصبحت الحرائر تعامل فيها كمعاملة الرجال من إهانة واعتقال وتحقيق لساعات طويلة وإبعاد، بينما المقتحمون يدنسون الأقصى بلا أدنى خجل!

وقمنا بإرسال خطاب مكتوبٍ إليه مرفقاً بآلاف التوقيعات التي تقرّ بما جاء بهذا الخطاب، ليعلم من لا يعلم أن الأقصى حقاً في خطر!

يتبع...