الرسل و أقوامهم : الفعل و رد الفعل المكرر

أبو الهيثم محمد درويش

{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَٰذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (139)} [ الشعراء]

  • التصنيفات: التفسير -

هود ينذر قومه كما أنذر الرسل قبله أقوامهم و كما ينذر أتباع الرسل إلى يوم الدين أقوامهم , و ردود الأفعال متشابهة مع مواقف الرسل و أتباعهم المتشابهة أيضاً:

1- جميع الرسل يؤكدون أن مطلبهم الأساسي هو التوحيد و طاعة الله .

2- جميع الرسل يؤكدون أنهم لا يسألونهم أجراً على دعوتهم و لا يريدون منصباً .

3- جميع الرسل أوضحوا عوار الشرك و الشركاء.

4- جميع المرسل إليهم قابلوهم بالتكذيب و الإيذاء و التأكيد على الثبات على دين الآباء و العقيدة السائدة في المجتمع دون أدنى إرادة إلى التغيير ( و ما آمن إلا القليل ) .

5- في مشاهد الجميع و مهما طال إمهال الله للمستكبرين تكون النجاة من نصيب الفريق المؤمن و الهلاك من نصيب الفريق المستكبر المعاند و إن طال الزمان .

و إليك ما كان بين هود و قومه عاد:

{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَٰذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (139)} [ الشعراء]

قال السعدي في تفسيره :

" {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} "

كذَّبت قبيلة عاد رسولهم هودًا- عليه السلام- فكانوا بهذا مكذِّبين لجميع الرسل؛ لاتحاد دعوتهم في أصولها وغايتها.

" {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ } "

" {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} "

" {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} "

" {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} "

إذ قال لهم أخوهم هود: ألا تخشون الله فتخلصوا له العبادة؟ إني مرسَل إليكم لهدايتكم وإرشادكم , حفيظ على رسالة الله , أبلِّغها لكم كما أمرني ربي , فخافوا عقاب الله وأطيعوني فيما جئتكم به من عند الله وما أطلب منكم على إرشادكم إلى التوحيد أيَّ نوع من أنواع الأجر , ما أجري إلا على رب العالمين.

" {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} "

" { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } "

" {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } "

أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عاليًا تشرفون منه فتسخرون مِنَ المارة؟ وذلك عبث وإسراف لا يعود عليكم بفائدة في الدين أو الدنيا, وتتخذون قصورًا منيعة وحصونًا مشيَّدة , كأنكم تخلدون في الدنيا ولا تموتون , وإذا بطشتم بأحد من الخلق قتلًا أو ضربًا , فعلتم ذلك قاهرين ظالمين.

" {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } "

" {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} "

" { أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ } "

" {وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} "

فخافوا الله , وامتثلوا ما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم , واخشوا الله الذي أعطاكم من أنواع النعم ما لا خفاء فيه عليكم , أعطاكم الأنعام: من الإبل والبقر والغنم , وأعطاكم الأولاد، وأعطاكم البساتين المثمرة, وفجَّر لكم الماء من العيون الجارية.

" {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} "

قال هود- عليه السَّلام- محذرًا لهم: إني أخاف إن أصررتم على ما أنتم عليه من التكذيب والظلم وكُفْر النِّعم , أن ينزل الله بكم عذابًا في يوم تعظم شدته من هول عذابه.

" {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} "

قالوا له: يستوي عندنا تخويفك وتركه, فلن نؤمن لك.

" {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ } "

" {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } "

وقالوا: ما هذا الذي نحن عليه إلا دين الأولين وعاداتهم , وما نحن بمعذبين على ما نفعل مما حَذَّرْتنا منه من العذاب.

" {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} "

" {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} "

فاستمَرُّوا على تكذيبه , فأهلكهم الله بريح باردة شديدة. إن في ذلك الإهلاك لَعبرة لمن بعدهم, وما كان أكثر الذين سمعوا قصتهم مؤمنين بك. وإن ربك لهو العزيز الغالب على ما يريده من إهلاك المكذبين, الرحيم بالمؤمنين.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن