فُقاعات النظام العالمي الخُلَبيّة
إذا هناك لعبة عالمية خبيثة في الترويج لانتصارات نظام بشار ليس لها وجود، أو موجودة ولكنها لا تكاد تُرى.
فراس السقال
إعلام المستبد يُصفق لنصر مصطنع:
رأينا وسمعنا تواتر وتسارع الأخبار الإعلامية خلال هذا الأسبوع، بشأن تقدم لميليشيات السفاح بشار الأسد، وتراجع غير مسبوق للمعارضة السورية، وعلى أكثر من صعيد، ففي كل ساعة يَردنا خبر جديد بالتقدم العسكري للجيش بشار.
في حين نسمع ونقرأ أخباراً تردنا من الداخل السوري، بل ومن قلب الحدث أخباراً مصادقة لبعض القنوات الإخبارية (التي تعمل بمهنية وشفافية) عمليات كثيرة للجيش الحر، في إحباط عشرات التسللات لتقدم ميليشيات بشار وأعوانه على عدة جبهات ومحاور، ومقتل العديد من مرتزقة النظام، بل وأسر جنود أيضاً.
إذا هناك لعبة عالمية خبيثة في الترويج لانتصارات نظام بشار ليس لها وجود، أو موجودة ولكنها لا تكاد تُرى.
تراجع لمواقف أصدقاء الشعب السوري:
مما تم ترويجه في الإعلام: حيث تُصرّح أكثر من قناة إخبارية بتراجع وتيرة التصريحات المؤيدة للمعارضة السورية، وخاصة بعد طلب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من المعارضة تصور آخر لفكرة رحيل المجرم بشار الأسد.
الضيق الاقتصادي والضغط اليهودي يجعل عمان تراجع دفاترها القديمة:
كما يقولون: "إذا أفلس التاجر عاد لدفاتره القديمة" فها هي عمان نسيبة درعا وخالتها وحاضنتها تُصرّح بشكل مُعلن إنَّ إمكانية عودة العلاقات مع دمشق في حيز التفكير، وقد تحدثت السلطات الأردنية في دراسة فتح المعابر مع نظام القاتل. نقطة ثانية تم ترويجها في سبيل ضعضعة موقف المعارضة السورية.
تخبط أم خداع أم تلاعب ؟!
أما واشنطن (المتخبطة أو المتلاعبة) تُصرّح بأنها لم تتمسك في قرار رحيل بشار، مع أنها لوحت بل صرحت أكثر من مرة أن بشار مجرم حرب، ولا يمكن بقاؤه في السلطة، ويجب أن يرحل، ولا نستطيع السكوت على جرائمه المتتالية. وهكذا من هذه التصريحات ومن أعلى المستويات ثم وكأنها تفيق من سكرها فتقول:لم نتمسك برحيل بشار.
طبعاً لم ولن تتمسكوا من رحيل من يشغل العالم عن جرائمكم في شتى بقاع الأرض!
ولن تتمسكوا برحيل من يَهز مهد ربيبتكم إسرائيل (والله لا أدري من الربيب "إسرائيل أم أمريكا"!!) لتنام قريرة العين !
طبعاً ولن تتمسكوا برحيل من كان سبباً في دوران عجلة معامل الأسلحة لديكم!
ولن تتمسكوا برحيل من يضم أكبر مزبلة مرتزقة في العالم لقذارات الإرهاب لديكم!
ولن تتمسكوا برحيل من بسببه دخلتم بلاداً لم تحلموا بوطئها وبخيرات لم تحلموا باكتنازها!
ولن تتمسكوا برحيل من يمنع نمو وقيام الإسلام المعتدل الصحيح الذي لا تريدونه وتحاربونه!
بل على العكس تريدون أفكاراً خبيثة هادمة للقيم والأخلاق والمبادئ عدوة للإنسانية، فتلبسونها لبوس الإسلام لتنالوا من كل من يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
النصر الروسي المزعوم:
يقول المثل الشامي: تريد العنب أم تريد قتل الناطور !؟
أم الدب الروسي فيترجم المثل فعلياً: فيدخل البستان ويحتله، ويقتل الناطور الحقيقي، ويضع ناطوراً مخصياً خائناً، ويسرق العنب ويقتلع الأشجار، ثم يقهقع (صوت الدب) طرباً بانتصاره. حيث توالت الأخبار الروسية بأن إرادة الحكومات المستبدة قد انتصرت، وها هي موسكو تستعد لعزف ألحان النصر في دمشق. فعلى من انتصرت ؟!
وهذه الصرخة ما هي إلا سلسلة من مسلسل فقاعات النظام العالمي، لترويج النصر للأنظمة المستبدة.
مسؤلون لبنانيون يشتاقون لبوظة بكداش:
قال مجموعة من الوزراء اللبنانيين لرئيس الحكومة: سيدي نريد أن نشتري بوظة من الشام، فهل تسمح لنا ؟ فرد قائلاً: لا مانع بشرط أن تحضروا لي "بوري سادة" معكم.
فكيف يحتاجون للبرودة وهم لا يعرفون حرارة الدماء، ولا فوران الضمائر، ولا غليان الهمم، ولا سخونة المشاعر، فدماؤهم أبرد من مثلجات الشام، فلا أمل مرجو ممن لا يحمل رجولة المواقف.
ما أخبث السياسة إن كانت ممن يدّعون الرجولة!
كم تعالت هذه الأصوات اللبناينة المؤيدة لإرادة الشعوب عامة والشعب السوري خاصة؟! وكم تباكت على مجازر الأطفال التي ارتكبها نظام بشار الذي يؤيدنه؟!
والآن رئيس الوزراء اللبناني لا يستطيع منع وزرائه من الذهاب للقاتل بل ونفسه تراوده في اصطحابهم. فهذه الميوعة الظاهرة في مواقفه تُنبئ بأمر خارج عن إرادته بليونة في مواقفه اتجاه الأسد. ويترجمُ مواقِفَه المترنحة تأييدُهُ الجيشَ اللبناني بقصف جرود عرسال بالتعاون مع مجرمي حزب الله، بل وزيارته للمواقع العسكرية اللبنانية تنشيطاً لمعنويات ميليشيات حزب الله، وتغيير نظرته في ميليشيات حزب الله الإرهابية التي استباحت سوريا وقبلها لبنان.
تصورات سطحية سخيفة:
أنَّ البعض بعد هذه الأحداث السياسية المتوالية القذرة والفقاعات الإعلامية الوهمية يقول: إنَّ الثورة السورية قد انهزمت. وها هي جميع الدول العظمى والكبرى والعربية والدولية (ومنها من يظهر الصداقة للشعب السوري ولكنه يريد قاتلَ الشعب السوري) تحجُّ مؤيدة المجرم داعمة له.
وأقول لكم: لا تُحقّروا تفكيرَكم بهذه الفقاعات، فقد شهدنا فراعين وهامانات وقوارين كُثر فأين هم؟! ففرعون كان أكثر قوة وزعامة وقدرة ممن ترون اليوم من المستبدين الطغاة فما نفعه استبداده، ولا نصرته عظمته، فزالت سطوته وعلت سواعد أهل الحق. فصوت الحق سيظهر حتماً لا ريب فيه ولو تأخر، والنور سيشق غياهب الظلام مهام طالت العتمة.
فلا تغتروا بكثرة الهالكين في طريق الظالم، ولا يفزعكم قلة السالكين في سبيل الحق. فالحق سينتصر فلا تسحركم هذه الفلاشات، فسرعان ما تخبو ويعود الظلام ثانية فتعيشوا حياة العميان إلى الأبد.
الحقيقة المرة:
إنَّ الحقيقة المرة هي أن فُروع سياسات العالم الآن تنبثق من شجرة واحدة، وهذه الشجرة هي التي تمد تلك السياسات بالغذاء، تجبر الفروع على أخذ هذا الغذاء حتماً، وإلا فمآلها إلى اليبس والموت، ثم تكون حطباً لا تنفع إلى إذا أُحرقت.
والنظام العالمي يعمل جاهداً ومنذ زمن لوضع رؤوس تابعة له في كل أرجاء العالم تحمل اسمه، فمن كان طائعاً يحظى بالقرب والحفاوة منه كحال المجرم بشار الأسد، والسيسي والقذافي وزين العابدين والكثير من تلك الدمى.
ومن كان عاصياً لهم متمرداً عليهم متنوراً متبصراً خارجاً عن عصى الطاعة فمصيره إلى السجن كالرئيس محمد مرسي، أو المعاداة وخلق التحالفات ضده كالرئيس رجب طيب أردوغان.
وتكملة لهذه الحقيقة: أن الكلمة التي قلناها من عام 1973 أن النظام السوري لم يكن عدواً لإسرائيل البتة، فلن يأتي النظام العالمي الـمُتَصهين بكلب حراسة لبني إسرائيل أوفى من نظام الأسد. ولذلك إلى الآن تتمسك النظم العالمية (العمياء أو الخبيثة) بهذا الظالم على الرغم من ارتكابه جرائم حرب فظيعة، وانتهاكات واضحة ضد الإنسانية ما ارتكبها مستبد وطاغية قبله على مر العصور.
ضعف المعارضة السورية وأمراضها:
إن جمود المعارضة السياسية وضعفها يُترجَم كأنّها تُصادق ما ترسمه السياسات المؤيدة لإسرائيل، لا تخويناً لها بل ما تظهره من ضعف وتراجع وانقسام.
فالمعارضة السورية تعاني الكثير من الأمراض القاتلة منها:
عدم وضع استراتيجيات واضحة لأهداف الثورة، وضعف قدرة المعارضة على جمع شتات الشعب السوري ولو فكرياً، والتفات بعض أعضائها عن المناصب، وانتشار الفساد في كيانها، وتبعية أفرادها لدول معينة تعمل باسمها وتسير بإرادتها، وعدم وجود حاضنة شعبية، وبعدها عن أرض الوطن الأم، واستجابة البعض لفكرة إنشاء معارضة موسكوية، وضعف السياسة الخارجية، عدم وضع رؤية صحيحة واضحة للمستقبل السوري، التذبذب في المواقف، فتنة الانقسامات وهي من أكبر الأمراض.
ومع كل هذه الأمراض فلا نستطيع تعميم المرض على كافة المعارضة، فهناك ممن يحملون هَمَّ القضية بحق، ولا ننكر جهودهم، ولكن لم تتبلور هذه الجهود لتكون مشروع أمة تريد الخلاص.
حلول جوهرية:
أما الحلول الناجعة فهي: علاج تلك الأمراض وبشكل سريع، والتمسك بحبل الله المتين، ورأب التصدعات والانقسامات الداخلية، والترفع عن طلب المناصب والمكاسب، والارتباط الوثيق بين القيادات العسكرية والسياسية، والالتفاف حول رؤية شمولية موحدة صحيحة المسار واضحة الهدف، وكل ذلك يتحقق بعودة المعارضة السياسية لأرض الوطن، فأرض الوطن كفيلة بحماية جسم قام على مطالب شريفة نبيلة بعد حماية وعون من الله عز وجل.
فتلك الفقاعات الوهمية التي يبثها النظام العالمي لرواج أفكاره، ستزول عندما يكون شعبنا يداً واحدة قوية لا تليها قوة أو دولة ولا ننسى حكاية الثيران الثلاث وقول الثور الأسود: "أُكلت عندما أُكل الثور الأبيض".
وتلك الفقاعات تزول عندما نثق بأنفسنا ونثق بشعبنا ونثق بقدرتنا، فأعدائنا يسعون لزعزعة هذه الثقة ليصيبونا في مقتلنا.
وتلك الفقاعات تزول عندما نعلم حقائق ما يحاك لنا من مؤامرات، ومنها ضرب الروح المعنوية لنا بسلاح الترويج الإعلامي.
ولا ننسى كلمات شعبنا البطل: يا الله ما لنا غيرك يا الله. فعندما تمسكنا بهذا الشعار توالت انتصاراتنا وبأسلحة بسيطة بدائية، وحين تركناه وركنّا إلى دول تُملي علينا أفكارها ذهبت ريحنا، وتكاثرت الأكلةُ علينا.
بشائر الخلاص:
لابد للنصر من ضريبة، ولا بد للحرية من ثمن، ولا أثمن ولا أغلى ولا أطهر من أثمان دفعها شعبنا البطل ومازال يدفع دون كلل أو ملل، في سبيل نيل حريته ووصولاً لأهدافه، فشعبنا الحبيب قدّم الأرواح من الأطفال إلى الشيوخ والنساء، وقدم الأموال والأملاك، وقدم دموع الثكالى والأرامل والأيتام، وقدم أنين المعتقلين والمعتقلات، وقدم آهات المرضى والجرحى، وقدم التغريب والتهجير والنزوح واللجوء، وقدم الصبر في مخيمات الموت، فما قدمه شعبنا الأبي أسمى من أن يُكتب وأنبل من أن يُدوّن.
ومع ذلك أقول لكم أيها الأحرار: لا تيأسوا ولا تضعفوا ولا تتسلل لنفوسكم أي فكرة بالتراجع، فدماء شهدائنا تناديكم وتُقسم عليكم أن تظفروا بما طلبتم من الحرية، أو تنالوا الشهادة التي حلمتم بها، فشعبنا العظيم لا يعرف غير هذه المعاني السامية، ولا ينظر لأدنى من ذلك.
وفوق كل ذلك من التضحيات العظيمة والأثمان الباهظة، ما سمعت حراً أو حرة طفلاً أو شيخاً إلا وهو مُصرّ وبكل قوة وعنفوان، جازم بما يريد، عازم على ذلك بزئير مزلزل يقول: الشعب يريد إسقاط النظام.
فراس السقال