عن إبراهيم وآل إبراهيم.. (4)
مدحت القصراوي
- التصنيفات: قصص الأنبياء - ملفات الحج وعيد الأضحي -
الحضارة والدين عند إبراهيم وآل إبراهيم
يفرق الإسلام تماما بين جانب الإبداع المادي والحضاري فيفتح هذا الباب للناس بوسعه، ليولجوا فيه على سعة قدراتهم، لكنه يضع لهم ضوابط أخلاقية، وغاية نظيفة، وإطارا اجتماعيا وفوائد عملية يستهدفونها.
ويضع للناس أيضا جانبا تعبديا لله تعالى يستسلمون فيه لأمره ويخضعون فيه لحكمه ويلهجون فيه بذِكْره.
والإنسان يبحث عن هذا الجانب؛ فالمخترع الياباني يخرج من جيبه تمثالا يسجد له! والطائرة الروسية (يباركها!) قساوستهم لتقتل أطفالا ونساءا!! والأمريكي يبعث في جنوده وشعبه الحماس بأن يجعلوا حروبهم (صليبية) فيما يعتقدون بالصلب والفداء وموت الرب! وبعثه!
هكذا الإنسان؛ لأن فيه جانبا يتوق أن يتجه لقوة جبارة وعظيمة يخضع لها في جانب بينما هو يخترع ويعمل بيديه ويُعمل عقله في جانب آخر ليكون مطمئنا..
إنها جوعة دائمة في الإنسان من حيث هو إنسان.. والسبب أن الله تعالى فاطر الإنسان وخالقه جعل فيه جوعة التوجه اليه تعالى من وراء الغيب، ولهذا ما زالت تبحث روح الإنسان عن الغيب؛ فإن اهتدت بالوحي اتجهت الى الله الوجهة الصحيحة (ليعلم الله من يخافه بالغيب)، وإن تركَت الوحي زلّت وضلَت وأتت بالهزء والأعاجيب فسجد للصنم وعبد الوثن وركع للصليب.
إن لم تُلبَّ جوعة الإنسان للتعبد والتوجه الى الله بعبادة صحيحة ووحي منزل لبى الإنسان تلك الجوعة بالخرافات والأساطير والسقوط في هوي الشرك المرذول والبدع المخترَعة فكان مقبوحا مذموما.. وأُلقي في جهنم ملوما مدحورا صاغرا..
ولهذا فالإستسلام لله بالتعبد له في الزمان الذي أمر، والمكان الذي أمر، وعدد مرات الطواف، والسعي، ورمي الحصى وحلق الرؤوس لله وذبح الهدي، وترك المحظورات.. المبيت في منى ثم مزدلفة والوقوف على جبل الرحمة، ورفع اليدين والابتهال العميق، والدعاء والإلحاح، وسكب العبرات والنشيج لرب العالمين؛ هو جوعة فطرية وحاجة ملحّة وفقر إنساني لله لا يُسد إلا بعبادته تعالى عبادة صحيحة بوحي منزّل.. وهو مأخذ إبراهيم وآل إبراهيم.