قوم شعيب يتحدون رسولهم

أبو الهيثم محمد درويش

كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ(177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)

  • التصنيفات: التفسير -

قوم شعيب يتحدون رسولهم و يستكبرون على الرسالة و يصرون على المنكر , و ما كان منكرهم إلا جشع و طمع في الموازين , سبحان الله , و يكأن كل نبي أرسل لتهذيب سلوك معين ثم اجتمعت كل تلك الإصلاحات في رسالة محمد صلى الله عليه و سلم .

و نفس السنن تتكرر , إنذار فاستكبار فإمهال ثم أخذ عزيز مقتدر .

فاللهم النجاة و الوفاة على الإسلام و أنت راض غير غضبان .

{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ(177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) ۞ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)} [الشعراء]

قال السعدي في تفسيره :

" { كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} "

" {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ} "

" {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} "

" {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} "

" { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} "

كذَّب أصحاب الأرض ذات الشجر الملتف رسولهم شعيبًا في رسالته , فكانوا بهذا مكذِّبين لجميع الرسالات. إذ قال لهم شعيب: ألا تخافون عقاب الله على معاصيكم؟ إني مرسَل إليكم مِنَ الله لهدايتكم , حفيظ على ما أوحى الله به إليَّ من الرسالة, فخافوا عقاب الله, اتبعوا ما دعوتكم إليه مِن هداية الله؛ لترشدوا, وما أطلب منكم على دعائي لكم إلى الإيمان بالله أيَّ جزاء , ما جزائي إلا على رب العالمين.

" {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} "

" {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} "

" {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} "

قال لهم شعيب- وقد كانوا يُنْقِصون الكيل والميزان-: أتمُّوا الكيل للناس وافيًا لهم , ولا تكونوا ممن يُنْقِصون الناس حقوقهم, وَزِنوا بالميزان العدل المستقيم , ولا تنقصوا الناس شيئًا مِن حقوقهم في كيل أو وزن أو غير ذلك , ولا تكثروا في الأرض الفساد , بالشرك والقتل والنهب وتخويف الناس, وارتكاب المعاصي.

" {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ } "

واحذروا عقوبة الله الذي خلقكم وخلق الأمم المتقدمة عليكم.

" {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} "

" {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} "

" {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} "

قالوا: إنما أنت- يا شعيب- مِنَ الذين أصابهم السحر إصابة شديدة , فذهب بعقولهم , وما أنت إلا واحد مثلنا في البشرية , فكيف تختص دوننا بالرسالة؟ وإن أكبر ظننا أنك من الكاذبين فيما تدَّعيه من الرسالة. فإن كنت صادقًا في دعوى النبوة , فادع الله أن يسقط علينا قطع عذاب من السماء تستأصلنا.

" {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} "

قال لهم شعب: ربي أعلم بما تعملونه مِنَ الشرك والمعاصي , وبما تستوجبونه من العقاب.

" {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} "

فاستمَرُّوا على تكذيبه , فأصابهم الحر الشديد , وصاروا يبحثون عن ملاذ يستظلون به , فأظلتهم سحابة , وجدوا لها بردًا ونسيمًا , فلما اجتمعوا تحتها , التهبت عليهم نارًا فأحرقتهم , فكان هلاكهم جميعًا في يوم شديد الهول.

" {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} "

إن في ذلك العقاب الذي نزل بهم , لَدلالة واضحة على قدرة الله في مؤاخذة المكذبين , وعبرة لمن يعتبر , وما كان أكثرهم مؤمنين متعظين بذلك.

" { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} "

وإن ربك - أيها الرسول - لهو العزيز في نقمته ممن انتقم منه من أعدائه , الكريم بعباده الموحدين.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن