من الأسباب المهمة لحصول العزة للمسلمين
إن أول ما يرتقى المرء إلى معارج العز والسؤدد إنما هو بالعلم والإيمان ، ولكن اعلم أن العلم يقتضي الإيمان بإذن الله وبنور من الله يهدي من يشاء من عباده كما أن أن الإيمان لابد أن ينبني بالعلم إذن فهما يتلازمان
- التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية معاصرة - قضايا إسلامية -
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام لى أشرف المرسلين سيدنا محمد ولى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فاعلم – أيها المسلم - إن للأمة الإسلامية مقومات عظيمة لو نهضت بها كما يحبه الله ويرضاه لاستعادت مجدها وعزتها كما كانت في سابق تاريخها المجيد المشرق كالتالي:-
السبب الأول: تحقيق كلمة التوحيد:
لابد من تحقيق كلمة التوحيد كلها سواء كان ذلك شروطها أو مقتضياتها أو نواقضها، وكذلك لابد من تحقيق ما تشتملها من معاني الربوبية والإلوهية والأسماء والسفات، ويُرجع لدراسة هذه الخصال إلى مظانها من كتب العقيدة.
اما مقتضيات هذه الكلمة الظاهرة الجلية فاعلم أن منها الولاء والبراء وأن منها العمل بشريعة الرحمن ونبذ شرائع الشياطين كما منها تحقيق معاني الإيمان كلها علما وعملا ودعوة وصبرا وأيضاً منها رفع هذه الكلمة في المعمورة مدافعا عنها بالنفس والنفيسوما من شكٍ أن المسلمين إذا حققوا هذه الكلمة وما تشتملها من المعاني العظيمة فإنهم سيجنون من وراء ذلك- بلا شكِ ثمرات الاعتزاز بدين الله مع اهتزاز وهدم عروش الكفر التي بنوها على شفا جرف هار والتي ستنهار بهم بإذن الله لا محالة إلى جهنم وبئس المصير.
وأعلم أن أول ما يرتقى المرء إلى معارج العز والسؤدد إنما هو بالعلم والإيمان ، ولكن اعلم أن العلم يقتضي الإيمان بإذن الله وبنور من الله يهدي من يشاء من عباده كما أن أن الإيمان لابد أن ينبني بالعلم إذن فهما يتلازمان، ولذلك تلاحظ في قوله تعالى {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أن الإيمان المذكور هنا ليس إيمان بلا علم أو خالي من عمل أو خالي من دعوة بالحق أو بالصبر ، إذ ذاك لا يمكن أن ينجي صاحبه من الخسارة الدنيوية والأخروية كما ترى في هذه السورة الفريدة في إيجاز خصال الإسلام.
وبما أن العلم والإيمان يقتضيان عملا منورا يرضى عنه الله ورسوله فبلا شكٍ أيضاً أن هذا يجلب العزة والسؤدد بالدين العظيم المنزل من عند الله عزّ وجلَّ.
بمعنى ذلك لا يجوز لك الخضوع بإيمانك ولا بعبادتك ولا بالحق المنزل من عند الرحمن إلا بربك سبحانه الذي خلقك جل جلاله.
قال تعالى {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 82] والمعنى المكنون هنا هو إنكاري أي لا يكونون لهم عزا بل ذلا، والآية التي تليها جاء ما يدل على إهانتهم وأنهم لا يحصلون منهم عزا بل سيحصلون منهم استنكارا وإذلالا كما لا يزدادون منهم إلا أن يكفروا بعبادتهم ويكونوا عليهم ضداً.
وهكذا قال تعالى في سورة الأعراف {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152].
إذن الذلة والغضب للمشركين الذين عبدوا إلها من دون الله وكذلك يجزي الله المفترين، وهم الذين دائما يقولون على الله ما لا يعلمون عن جهل وابتداع في دين الله وهوى متبع ومنهج معوج مخالف لشرائع الله، أو يقولون على الله ما لا يعلمون عمدا بحيث يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا ويفضلون العقل على الوحي أو شرائع المخلوقين على شرائع الخالق وهو بلا شكٍ نوع من الافتراء على الله كذبا.
ومن هؤلاء الذين تتخضبوا بالمذلة المنافقون الذين قال الله في شأنهم {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:138- 139].
وأيضاً هذا سؤال إنكاري والمعنى: أي لا يحصلون عندهم عزة بل سيجدون عندهم مذلة وأيما مذلة ، وواقع المنافقين عند أسيادهم الكفار لا يخفى على أحد.
وهكذ قد أخطأ المنافقون المفهوم الصحيح للعزة ظانين اأن العزة للمواطنين القاطنين في المدينة فأخبر الله سبحانه لمن العزة الحقيقية فقال جل شأنه {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8 ].
وفي الحقيقة الاعتزاز بالمواطنة في قطر واحد معين مع ما فيه من قصر الهمم العظيمة وقصر تطلاعات الإسلام الكبيرة للآفاق الرحبة فيها ما فيها وإنها كذلك ليست هي العزة الحقيقية المنشودة والمطلوبة من كل المسلمين.
ثم أخبر الله سبحانه لمن يريد العزة.من أين يبتغيها في سورة فاطر، وأين هي أصلا موجودة حتى يظفر بها فقال جل شأنه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} ثم قال تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وهذا دليل على أنه لا ينال العزة إلا بالتوحيد مع الإيمان ومع العلم النافع واالعمل الصالح ، والله أعلم.
وهكذا قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
وهنا ذكر الله - كما ترى - أيضا الإيمان المشتمل للعلم النافع والعمل الصالح كما ختم الله في نفس الآية العبادة وعدم الشرك بالله أي التوحيد.
فكما تلاحظ في هذه الآية مفهوم مخالفتها يدل على أن فقد الإيمان سبب عظيم لفقد العزة والشرف أو الاستخلاف والتمكين في الأرض.
السبب الثاني للعزة: التمسك بالكامل للوحيين:
اعلم أن من أسباب العزة المهمة هو التمسك بالكامل للوحيين كما قال تعالى {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10].
ففي صحيح مسلم " روى مسلم (1218) من طريق حَاتِم بْن إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حديث حجة الوداع، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم بعرفة وقال: «... وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: «بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ (اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ)» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وكتاب الله يشمل السنة لدليل ما ثبت في الصحيحين، من رواية الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني، في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أحدهما: يا رسول الله، إن ابني كان عسيفا - يعني أجيرا - على هذا فزنى بامرأته، فافتديت [ابني [منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام. واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها». فغدا عليها فاعترفت، فرجمها.
فقد جاء في الحديث التغريب وليس في كتاب الله التغريب - كما ترى - فعُلم بذلك أن الكتاب يشمل السنة ، وقد فال الله تعالى في كتابه العزيز الحديث {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [ الحشر: 7] بمعنى ذلك كل ما جاء في السنة فهو كما جاء في كتاب الله عز وجل بدون تردد إذ هي مصدر الثاني للتشريع وثاني الوحيين.
أما ترك التمسك للوحيين بالكامل فهو سبب كبير لفقد العزة والمذلة والمهانة كما هو الواقع والمشاهد.
3462 حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح ح و حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا عبد الله بن يحيى البرلسي حدثنا حيوة بن شريح عن إسحق أبي عبد الرحمن قال سليمان عن أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلىوسلمن يقول إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم قال أبو داود الإخبار لجعفر وهذا لفظه.
السبب الثالث: الأخوة في الله والمحبة فيما بين الإخوان وحسن العلاقة والتعاون والتناصر من أسباب العزة والشرف أما فقد الأخوة في الله التي هي سبب لفقد الإيمان فاعلم أنها من أعظم المصائب التي سببت انحطاط المسلمين إلى. الحضيض، وكما هو واضح فقد الأخوة في الله فقد للعزة والشرف والقوة كما هو انفاكاك لأواصر المحبة والتعاون والتأزر بين المسلمين والدليل لى ذلك قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10 ].
فلا رحمة بين الإخوان إلا بتقوى من الله، وحيث لا تقوى فلا إصلاح بين الإخوان ثم فلا أخوة تتحقق ، وحيث لا أخوة محققة فلا إيمان أصلا لأن الأصل أن يكون المؤمنون إخوة متحابين ولذلك جاء الله بأداة الحصر.
ولنا دروس وعبر لما وقع للمسلمين في الأندلس، فقد حكَّم المسلمون بلاد أسبانيا وبرتقاليا وغيره ثمانية قرون. وهم معززون مكرمون وهم الأسياد الحاكمون. وحينما فشلوا ورجعوا قهقهريا إنما فشلوا لمَّا تركوا دينهم وكرهوا بعضهم بعضا، وتفرقوا شذر مذر وتمزقوا أيما تمزيق.
ولقد فقدوا الزهد من الدنيا و وصار شغلهم الشاغل النتشاغل بحطام الدنيا وبملذاتها، كما تركوا العمل للدين ولرفع لا إله إلا الله و تركوا بذل الغالي والنفس والنفيس في سبيلها أو التضحية في ذلك فأتاهم ما يوعدون من الهزائم التترى من قبل أعدائهم ، والله المستعان..
ودعني أقول لك بالصراحة: اعلم إنه حتى لو صار المسلمون كلهم دكاترة وأصحاب أموال فإن ذلك لا يجدي شيئا أبداً، وأعني بذلك إذا فقدوا العمل للدين ولرفع لا إله إلا الله أو إعلاء كلمة الله على الأرض ولم يتحابوا بعضهم بعضا ويتكاتفوا بعضهم بعضا ويكونوا يدا واحدا على من سواهم.
السبب الرابع: حب الآخرة وحب الموت في سبيل الله سبب عظيم للعزة والشرف.
أما عكس ذلك وهو حب الدنيا وكراهية الموت فقد سبَّبت ما سببت للمسلمين من الركوب على الذنوب بسبب التوسع في حطام الدنيا وملذاتها. ثم سبَّب ذلك نسيان العلم وانتشار الجهل في العلوم الدينية مع الانكباب والإقبال في العلوم الدنيوية بصورة رهيبة - للأسف - قسَّبب ذلك انتشار الفتن في أوساط الناس كلهم على جميع مستوياتهم دولاً وشعوباً وهيئات وأحزاب وأفراداً وجماات.، وطبية حال الفتنة أن تصد عن سبيل الله وعن الحق والدين كله حتى إنها تسبب كذلك الاقتتال والتناحر بين الإخوان بدون مسوغ اعاذنا الله منها.
ولذلك كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر على أتم الاستقامة وحب للآخرة والزهد من الدنيا والبعد من الفتن فلما توسع الناس في الدنيا وملذاتها قل العلم وطلبه ونُسي ما كان كثيرا منه محفوظا فكثرت الفتن والقتل واختلاط الأمور واشتباهها عند كثير من الناس والله المستان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي الظيم كما أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه.... وفي الحديث ".
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا بشر بن بكر حدثنا ابن جابر حدثني أبو عبد السلام عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت».
وإنما كانت الهزيمة في أحد بسبب ترك بعض المسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأجل الدنيا حتى نزلت {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [آل مران:152].
فإذا كان هذا وقع عند خير خلق الله فما ظنك بمن يعيشون مثل هذه القرون التي كالماسك لدينه كالماسك على جمرة، والله المستعان.
السبب الخامس: ففد الولاء والبراء عند المسلمين:
اعلم أن من الأسباب العظيمة التي سبَّبت في فقد العزة للأمة الإسلامية هي أنهم صاروا لا يعرفون عدوهم من حبيبهم أو حبيبهم من عدوهم حتى طلبوا العزة من أعدائهم بعد توليهم ومحبتهم كما قال تعالى {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:138- 139].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:118- 120] زالآيات في هذا المعنى كثير.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73].
السبب السادس: العمل بالسنة:
قال تعالى {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54].
فمفهوم المحالفة الآية: وإن تخالفوه تضلوا ، ولكن قد صرح الله هذا المفهوم في آخر السورة بقوله {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
وما أضل من المفتونين لمخالفتهم قول رسول الله صلى الله ليه وسلم الصحيح الصريح قال تعالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].
والذي يترك العمل بسنة معينة فلا محالة أنه سيركب على بدعٍ ومنكراتٍ عظيمةٍ أخرى التي تخالف ديننا الحنيف كما هذا هو معروف عن أهل الأهواء المخالفين عن السنة الصريحة الصحيحة.
ففي فتح الباري: (ويذكر عن ابن عمر إلخ) هو طرف من حديث أخرجه أحمد من طريق أبي منيب - بضم الميم وكسر النون ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة - الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة عن ابن عمر بلفظ [ص: 116] بعثت بين يدي الساعة مع السيف، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم وأخرج أبو داود منه قوله من تشبه بقوم فهو منهم حسب من هذا الوجه، وأبو منيب لا يعرف اسمه. وفي الإسناد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف في توثيقه، وله شاهد مرسل بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتمامه، وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح، وإلى حل الغنائم لهذه الأمة، وإلى أن رزق النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها لا في غيرها من المكاسب، ولهذا قال بعض العلماء إنها أفضل المكاسب، والمراد بالصغار وهو بفتح المهملة وبالمعجمة بذل الجزية، وفي قوله: تحت ظل رمحي " إشارة إلى أن ظله ممدود إلى أبد الآباد، والحكمة في الاقتصار على ذكر الرمح دون غيره من آلات الحرب كالسيف أن عادتهم جرت بجعل الرايات في أطراف الرمح، فلما كان ظل الرمح أسبغ كان نسبة الرزق إليه أليق.انتهى.
السبب السابع نشر العدالة والأمانة في ربوع الأرض:
أما إذلال الناس بالخيانة والظلم فهذا إنما يؤدي إلى زعزعة الأمن وعدم استقرار البلاد الإسلامية وأن لا تنعم الأمة بالسلامة.
ثم بلا شك أن هذا يعكس إلى أن تكون البلاد الإسلامية مستهدفة من قبل أعداء الله وأعداء الإسلام.
قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء: 58-59].
فو الله الذي لا إله إلا هو لو عِمل الناس كلهم بهاتين الآيتين لكفتهم في استقامة أمور معِاشهم بأحسن ما تكون وأطيبها خصوصا فيما يمس بالسياسة الشرعِية أعِني العِلاقة التي تكون بين الراعِي والرعِية.
كما تمس أيضا باقتصادهم وتنمية أموالهم لأن كل شركة ليست أساسها أمانة فلا محالة أنها ستتثعِثر في الطريق وأيضا تمس أيضا الاستقرار بالحالات الاجتماعية المتنوعة بأعمق وأعمق حتى لا تذر شاذة ولا فاذة في حالة من حالات الاجتماية إلا وتطالها لكون المجتمعات لا يمكن أن يستغنوا من العدالة طرفة عين. وفي الأثر" إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " إذن فكيف يمكن الاستغناء من الاستظلال تحت الظلال الوافرة للحكومات العادلة الإسلامية وهي تأخذ بيد الظلم وتطرءه على الحق أطرا كما تنصر المظلوم الضعيف حتى تأخذ له حقه من الظالم لينام قرير العين بالأمن.
وهكذا القوي لا يقلق ولا يخاف من مؤامرة أي أحد بل يطمئن بالسلامة والعافية لكونه لم يظلم ولم يفسد شيئا بل أحسن وأعان. والله أعلم.. يؤثر من فضيل أنه قال: لو كان لي دعوة واحدة مستجابة لجعلتها في الولاة أو كلمة نحوها.
ومن الجور الممقوت اختيار أمراء فسقة بل ربما يكونوا علمانيين لا دين لهم لا لشيء آخر وإنما لأجل كونهم من قرابة الشخص قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرد: 11 ].
والله أعلم.
الكاتب: أبو عبدالله عبد الفتاح بن آدم المقدشي.