هاوية الديمقراطية

ملفات متنوعة

إن المسألة التي سأعرضها هي من المسائل الهامة جداً في مسيرة الأمة
الإسلامية، وذات تأثير بالغ على حاضرها ومستقبلها، وإنها ذات مساس
عظيم بمفهوم العقيدة الصافية ومفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية ضمن
معطيات واقعنا المعاصر..

  • التصنيفات: مذاهب باطلة -


إن المسألة التي سأعرضها هي من المسائل الهامة جداً في مسيرة الأمة الإسلامية، وذات تأثير بالغ على حاضرها ومستقبلها، وإنها ذات مساس عظيم بمفهوم العقيدة الصافية ومفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية ضمن معطيات واقعنا المعاصر.

إن مسألتنا تتعلق باتِّخاذ معظم الإسلاميين الديمقراطية غايةً وسبيلاً للوصول إلى الحكم، ومن ثم المشاركة مع الآخرين من أصحاب الأفكار الهدَّامة والبدع الضالة المضلَّة؛ بغيةَ الاتفاق على صيغة يرتضيها الجميع تكون دستوراً تتحاكم إليه الأمة.

بسط مناط القضية المعروضة:
سأوضِّح مناط القضية المعروضة وَفْق العناوين التالية:

1 - المبدأ العقدي.
2 - المرجعية.
3 - الولاء.
4 - التشريع.
5 - الانتخابات.
6 - مشاركة الإسلاميين.


أولاً: المبدأ العقدي:
الإسلام: هو منهج قائم على التوحيد المطلق لله عز وجل، مُنزَّل من الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليصيغ الناسُ حياتهم في جميع جوانبها وَفْق تعليماته، وذلك باتِّباع الوحيَيْن؛ الكتاب والسنة، ثم الإجماع، وهذا هو دين الله. قال تعالى: { إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ } [آل عمران: 91]، وقال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْـخَاسِرِينَ } [آل عمران: 58].

وباتِّـــباع الإسـلام تتـحقَّق غــايـة خــلق الإنســان. قال تعالى: وَمَا {خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 65]. وإن هذا الاتِّباع لا يتبعَّض، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [البقرة: 802].

وإن التحـاكم لا يجـوز إلا إلى شرع الله تعالى. قال سبحانه: { وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب: 63]، وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا } [النساء: 56].

وعدَّ الشارع الإيمان والتحاكم إلى الطاغوت لا يجتمعان في مسلم؛ فمن ادّعى الإيمان وتحاكم إلى الطاغوت في الأمر نفسه فإن دعواه مجرد زعم، ولا حقيقة لها. قـال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا} [النساء: 60].

ثم وصم الذين يتحاكمون إلى غير ما أنزل الله بالكفر والظلم والفسق، قال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِـمُونَ} [المائدة: 54]، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 74].

وقد وردت آيات كثيرة بخصوص مرجعية الحكم للكتاب والسنة وأنه مقتضى التوحيد؛ لقوله تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } [الكهف: 62].

لكـني أكتفي بمـا ذكــرت للاخــتصار. فــإذا اتَّبــع المجـتـمع المـسلم ما جاءه اصطـبغ بصبـغة الله تعالى. قـال عز وجل: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 831]. فيصبح المجتمع مجتمعاً ربانياً، صالحاً مصلحاً، موحداً مجاهداً، هادياً مهديّاً.


الديمقراطية:
هي منهـج ابتـدعه البـشر ليصـيغوا حيـاتهم وَفْقه، مستقلِّين في ذلك تماماً عن اتِّباع الكتاب والسنة. إنها حكم الشعب للشعب وَفْق تشريعات الشعب، فهي نتاج حثالات عقول البشر.

وقد تبنَّى الدعوة إليها اليهود والنصارى وخاصةً أمريكا والغرب. والديمقراطية ليست مجرد أسلوب للحكم، بل هي أسلوب أيضاً لجميع مرافق الحياة، وذلك وَفْق ما يتفق عليه الناس فيما بينهم ويرتضونه سبيلاً لمعيشتهم.

وفي مجال الحكم؛ فإن الديمقراطية ليست (شورى)، بل هي (تصويت). والفرق بينهما أن الشورى في الإسلام منطلقها المصلحة العامة مؤطّرة بالكتاب والسنة، في المقابل فإن التصويت منطلقه مصالح الفئات المختلفة المتمثلة في المجلس النيابي مؤطّرة بحسب الرأي والهوى.

وإذا سميت الديمقراطية في مجال الحكم شورى فهذا مجرد مصطلح مجازي ويدور في فلك التشاور في اخـتيار ما يرونه مناسباً من منطلق التحاكم البشري إلى قوانين شرعها البشر لأنفسهم.

كما أن الديمقراطية تعني الحرية غير المنضبطة بشرع، فهي شاملة لحرية إظهار الإلحاد وكذا حرية الاختلاط والعُرْيِ وما شابه ذلك من مفاسد الأخلاق.


ثانياً: المرجعية:

المرجعية في الإسلام هي الكتاب والسنة والإجماع، وأما المرجعية في النظام الديمقراطي فهي الدستور، ومعلوم أن دساتير الأنظمة الديمقراطية في العالم الإسلامي ملفَّقة من نصوص منبثقة من دساتير الدول الغربية، وهذا الدستور هو بمنزلة (الياسق) الذي كان يحكم به التتار، وينطبق عليه الوصف الذي ذكره ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: { أَفَحُكْمَ الْـجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: 05]؛ قال: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم، المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وصفها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة من ملكهم جنكيز خان الذي وضع لها (الياسق) وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بَنِيهِ شرعاً متَّبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير"[1].

إن بعض دساتير الدول الإسلامية ذات الحكم الديمقراطي تنصُّ على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيس في التشريع، وليست المصدر الوحيد، فهي تبيح الأخذ بتشريعات الدول الغربية وغيرها؛ في الوقت نفسه الذي تحجب فيه التشريعات الإسلامية وتبعدها عن منصَّة الحاكمية، إنه الشرك في التشريع بعينيه.


ثالثاً: الولاء:
في الإسلام الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا ولاء لغيرهم. قال تعالى: {إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ } [المائدة: 15].

والطاعة المنبثقة من هذا الولاء تكون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللحاكم المحقق تلك الطاعة. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء: 95].

فطاعة الحاكم تَبَعٌ لطاعته لله ورسوله، وليست طاعة مستقلة، ويكون تنفيذ هذا الولاء من خلال مرجعية الكتاب والسنة، قال تعالى: { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ } [المائدة: 94]، وقال تعالى: { وَإن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً . وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً . إذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْـحَيَاةِ وَضِعْفَ الْـمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 37 - 57].

وأما في النظام الديمقراطي؛ فإن الولاء هو للدستور أولاً، وعلى جميع النواب في مجلس الأمة أن يقسموا بالله -كل على حدة- على الولاء والطاعة للدستور المحادِّ لله ولرسوله، المجانب لتشريعات الإسلام.

إن المفارقة المحزنة في هذا أن النائب الإسلامي يقسم بالله تعالى على احترام الدستور وطاعته، أي: يقسم بالله على معصية الله! إنه سبق إصرار لا تُقْبل فيه التأويلات، وبعد الولاء للدستور يكون الولاء للحاكم أي: للرئيس الذي يحتكم إلى هذا الدستور.


رابعاً: التشريع:
التــشريع في الإسلام لله ولرسوله. قال تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [الجــاثية: 81]، وقـال تعالى: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْـمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ} [الشورى: 31]. وليس لأحد حق في أن يتجرَّأ في إصدار تشريعات مخالفة لتشريع الله تعالى، أو أن يعطي نفسه هذا الحق. قال تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } [الشورى: 12].

لكن الأنـظمة الديمقراطية أعطت لنفسها هذا الحـق من خلال مجالسها النيابية حيث جعلتها سلطة تشريعية مطلقة، المرجعية فيها إلى رأي أعضاء مجلس الأمة بوصفهم ممثلين للشعب!


وبسبب ذلك حصلت المحاذير التالية:
1 - هذه المجالس تمتلك حق التحليل والتحريم بما تراه، افتئاتاً وافتراءً على الله تعالى، قال سبحانه: { قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } [يونس: 95]. وقال تعالى: { وَلا تَقُولُوا لِـمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النحل: 611 - 711].

2 - إن جميع التشريعات التي تصدر من المجالس النيابية تخضع لعملية التصويت، وحتى لو أرادت إصدار تشريع بحسب شرع الله؛ فإنه لا بد أن يصوِّت عليه أعضاء المجلس، أي: أن المجلس هو الحاكم على أمر الله؛ فإما ينفذه أو يردّه أو يعلِّقه، فمَنِ الإله؟! وهل يجوز لمسلم أن يصوِّت على تحكيم شرع الله؟!

3 - وبافتراض أن المجلس شرع قانوناً موافقاً لحكم الله تعالى فإن هذا الحكم يأتي مجتزأً من مجمل نسيج حكم الشريعة، ولذا؛ فإنه لا يعطي أُكله ولا تُقتطف ثمرته. وكنا قد ذكرنا أن الإسلام لا يُؤخذ بعضه ويُترك بعضه، حيث نعى الله تعالى على بني إسرائيل هذه الفعلة الشنيعة فقال سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 58].

4 - إن هذه المجالس النيابية في البلاد الإسلامية لم يتمكَّن أحد من الإسلاميين إلى الآن أن يمرِّر من خلالها تشريعاً إسلامياً واحداً؛ وذلك لأن أهل الباطل هم الأكثرية في هذه المجالس، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {وَإذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ } [النور: 84]. ولا يمكن أن يقبل أيُّ نظام حاكم أن يكون الإسلاميون في المجلس النيابي أكثرية، ولو حصل فإنه يُحَلُّ؛ كما سأشير إليه لاحقاً.


خامساً: الانتخابات:
هي من ضرورات الديمقراطية، وتتميز بما يلي:

1 - تلاشي فوارق الاختصاصات والكفاءات؛ فالصوت الانتخابي للأستاذ الجامعي كالصوت الانتخابي للشخص الأمِّي؛ سواء بسواء.

2 - الـفائـزون فـي الانتــخـابـات هـم الأغـنــياء فـقـط أو أصحاب النفوذ أو مَنْ في حكمهم، بغضِّ النظر عن مستواهم الثقافي؛ لأن هؤلاء هم فقط من يستطيعون أن ينفقوا على حملتهم الانتخابية؛ سواء كان ذلك بصفتهم الشخصــية أو مــن خلال من يدعمهم من قبيلة أو حـــزب أو جماعة يرون أنهم سيحصلون على مكاسب خاصة من خلال دعمهم لمرشحيهم، فلا عجب أن ترى أمِّياً عضواً في البرلمان، لا لشيء سوى كونه من الذين ذكرتهم.

3 - من خلال الانتخابات يصل إلى المجالس النيابية -وهي مجالس تشريعية ورقابية- أصحابُ العقائد الباطلة وأصحاب الأهواء، فيصبحون بين عشية وضحاها مشرِّعين بحسب عقائدهم ومراقبين للحكومة بحسب أهوائهم.

4 - تعتمد نتائج الانتخابات على القدرة الشخصية في المرشحين لتزكية أنفسهم من جهة، وعلى البرامج الطافحة بالوعود الكاذبة من جهة أخرى. وتلعب المفاتيح الانتخابية دوراً مهماً في تسويق هؤلاء المرشحين للناس كي ينتخبوهم.

5 - يعمد عدد غير قليل من المرشحين إلى رشوة الناخبين بالمال، ويعطي الناخب صوته للمرشح الذي يدفع أكثر، وقد تصل قيمة الصوت الانتخابي في الكويت إلى ألف دينار أو أكثر.

6 - إن المقارَّ الانتخابية هي مصيدة الناخبين، حيث يتنافس المرشحون في تزيين مقارِّهم وتقديم أحسن الخدمات على مستوى خمسة نجوم لرواد تلك المقارِّ، كما تستخدم وسائل التقنية الحديثة المنوعة في التأثير على عقول الناخبين ومشاعرهم، فتراهم أسرى للمرشح وكأنهم خضعوا إلى تأثير التنويم المغناطيسي.

7 - إن تنافس الناخبين في دعم المرشحين يقود دوماً وفي كل انتخابات تجري إلى التفرقة بين الناس بشكل واسع؛ ابتداء من الفرقة والوحشة التي يبدأ أُوارها من العائلة الواحدة، ثم لا يلبث أن ينتشر فيعمَّ الحيَّ والمنطقة والقبيلة، ثم ينتهي في عامة الشعب، مما يثمر العداوة والبغضاء إلى سنين مديدة، وذلك بسبب التنابز بالألقاب، وذكر المثالب للمرشحين، وهجاء بعضهم بعضاً؛ نثراً وشعراً، وعلى نطاق إعلامي واسع.

8 - بعض المرشحين ممن ليس من الأغنياء، ومن ثم لا يفوز في الانتخابات؛ يخرج من (المولد بلا حُمّص)؛ كما يقولون، فتترتَّب عليه ديون فاحشة بسبب ما استلفه لينفقه على حملته الانتخابية.

9 - إن الانتخابات البرلمانية لا تعبِّر حقيقة عن مراد الناس وآمالهم، حيث -في جميع الأحيان- تتدخل الحكومة خفْية في دعم مرشحين يعملون لصالحها إذا دخلوا إلى البرلمان، وغالباً ما يفوز هؤلاء المرشحون؛ لأن حجم الدعم الحكـومي كبيـر وبـاذخ؛ سواء كـان مـن الـناحية المعنـويـة أو المالية.

10 - تشارك المرأة في الانتخابات، حالها حال الرجال، فهي ناخبة ومرشحة، وتقوم بنشر صورها المزينة والملونة في كل مكان، وتفتتح مقرَّها الانتخابي، وتستقبل الرجال والنساء على السواء، كما أنها تشارك أيضاً في حضور المقارِّ الانتخابية للرجال، وهي في كامل زينتها كأنها تُزَفُّ لعريسها. وتُعدُّ الانتخابات موسماً للاختلاط الفاحش حيث لا رقيب ولا حسيب!


سادساً: مشاركة الإسلاميين:
شارك كثير من الإسلاميين -سواء كان ذلك بصفتهم الشخصية أو الحزبية- في المنظومة الديمقراطية، رامين من مشاركتهم تلك تحقيق المصالح التالية:

1 - تحكيم الشريعة الإسلامية.

2 - الإصلاح حسب الاستطاعة.

3 - عدم تمكين أعداء الله من الانفراد بالسلطة.


ولقد شارك هؤلاء الإسلاميون على مدى قرابة ستين عاماً في المجالس النيابية في كلٍّ من الكويت والبحرين ومصر وسورية والأردن ولبنان والجزائر وتونس والمغرب وتركيا وباكستان وأندونيسيا وغيرها، ولم يتمكنوا من تحقيق أيٍّ من المصالح المذكورة، ولم يتمكنوا من إنفاذ التشريعات الإسلامية من خلال المجالس النيابية التي شاركوا فيها، بل وقعوا في المحذورات التالية:

1 - الشرك في الحاكمية، وذلك من خلال:

أ - القَسَم على الدستور المضاد لشريعة الله تعالى.

ب - إخضاع شرع الله تعالى للتصويت.

ج - الاحتكام إلى الدستور في كل حيثيات مناقشات القوانين.

د - إصدار تشريعات جديدة تحت مظلة الدستور وليس مظلة الشرع.


2 - الدخول في تحالفات مع الأحزاب الليبرالية والقومية المحادَّة لله ورسوله والمؤمنين؛ وذلك للحصول على الأصوات الكافية لنجاح المرشحين الإسلاميين، وفي أحيانٍ كثيرة تنزل أسماء المرشحين الإسلاميين والليبراليين وأمثالهم في قوائم مشتركة، ويعمد الإسلاميون إلى إعطاء أصواتهم لتلك القوائم فيفوز الليبراليون والعَلْمانيون ويدخلون إلى المجلس النيابي التشريعي الرقابي بأصوات الإسلاميين!

3 - استسلامهم للوَهْم بأنهم سيحققون المصالح المذكورة آنفاً عندما يصبحون أغلبية، ولم يفطنوا للأسف إلى أن مفاتيح البرلمانات بيدِ الحاكم، فهو يقوم فوراً بحلِّ المجلس النيابي أو بالانقلاب عليه -كما حدث في الجزائر- عندما يصبح الإسلاميون أغلبية.

4 - التلبيس على المسلمين بشأن الأنظمة الحاكمة، حيث تضفي مشاركة الإسلاميين في أنظمتهم الديمقراطية المشروعيةَ الشرعية عليها، وذلك خلافاً لواقعها المحتكم إلى غير شرع الله تعالى.

5 - استهلاك الأوقات والأموال والجهود في غير محلِّها المطلوب توظيفها فيه، وهو الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة وَفْق المنهاج النبوي المعطر. ولقد رأينا تراجع الدعوة الإسلامية بشكل واضح في الدول التي انغمس الإسلاميون فيها في المعترك الديمقراطي وتركوا شؤون الدعوة تسير نحو الاضمحلال.

6 - انصراف بعض الإسلاميين إلى الدعوة إلى الديمقراطية والولاء والبراء عليها ومحاربة إخوانهم الإسلاميـين الذين أنقذهم الله تعالى من الوقوع في براثــن تلك الديـمقـراطــية والولــوغ مــن أوحــالها، وأطــلقوا عليهم الألفاظ المنـفرة، مثل لفـظ (التكفيريين)؛ تشهيراً بهم، وترويجاً للأنظـمة الديمقراطية، وتبريراً لسقوطهم في آثامـــها، وتحفيـــزاً للسلطات على قمع الإسلاميين المخالفين لهم، فأصــبحوا للأسف أعواناً للطاغوت من هذا الوجه.


تلك هي بعض المحاذير الخطيرة الناجمة عن مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية، ولو أنهم لم يختطوا هذا الطريق، بل اختطوا سبيل نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ لحقَّقوا المصالح التالية:

1 - صيانة جناب التوحيد.

2 - التحقق العملي لعقيدة الولاء والبراء.

3 - الاستحضار الفعلي لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلوبه في تغيير الواقع القائم إلى واقع إيماني.

4 - صـرف الأمـوال والأوقـات والجـهـود فـيـما يحـبه الله تعالى ويرضاه، بدل تشتيتها في مهاوي الديمقراطية.

5 - توفير محاضن تربوية رائدة لإعداد أجيال إسلامية متميزة وفاعلة.


وأخيراً: بقي أن أشير إلى أن مشاركة الإسلاميين في المجالس الديمقراطية لا تدخل في باب: المصالح المرسـلة، ولا سدِّ الذرائع، ولا الضرورة[2].

ويتبين لنا من كل ذلك أن مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية تضيِّع ثوابت الإسلام تحت شعارات مصالح متوهمة.

نسأل الله العلي القدير أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتِّباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

----------------------------------------
[1] تفسير ابن كثير: 2/67.
[2] يراجع تفصيل ذلك في كتاب: الإسلاميون وسراب الديمقراطية، الباب الثالث.
 


 

المصدر: سامي محمد الدلال - موقع المختار الإسلامي