بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ

أبو الهيثم محمد درويش

{ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}   [النمل 65 - 68]

  • التصنيفات: التفسير -

يقل الإيمان و العلم بالآخرة حتى يصل إلى التكذيب و الإعراض عن مجرد فكرة الإيمان ببعث و حساب و من ثم تقل أو تنعدم خشية من يعتقدون هذا نظراً لقلة أو انعدام خوف الآخرة من قلوبهم فأقدموا على معاصي الله واستحلوا الشهوات و تكاسلوا عن القيام بالعبادات فخسروا دنياهم وأخراهم.

كل هذا لأنهم لم يطرقوا الباب الصحيح و لو طرقوه لدخلوا

إنه باب التوحيد

الإيمان الخالص دون شائبة شرك

الذي يبدأ بمعرفة الله حق المعرفة و ينتهي بإخلاص كل عبادة ظاهرة و باطنة له سبحانه

و منها الإيمان بعلمه للغيب و التصديق بكل ما أخبر عنه في رسالاته و من أول ذلك التصديق بالبعث الذي لا يشك فيه إلا جاهل قد أعمى الله بصيرته .

زعم منكروا البعث أنهم على قيد الحياة و لم يروا من هذا الموعود شيئاً , و أغفل هؤلاء أنهم رأوا بأم أعينهم كل من سبقهم قد ترك الدار و رحل , فأين هم الآن ؟؟؟

{ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}   [النمل 65 - 68]

قال السعدي في تفسيره :

يخبر تعالى أنه المنفرد بعلم غيب السماوات والأرض كقوله تعالى:  {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}  وكقوله: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } إلى آخر السورة.

فهذه الغيوب ونحوها اختص الله بعلمها فلم يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وإذا كان هو المنفرد بعلم ذلك المحيط علمه بالسرائر والبواطن والخفايا فهو الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ثم أخبر تعالى عن ضعف علم المكذبين بالآخرة منتقلا من شيء إلى ما هو أبلغ منه فقال:  {وَمَا يَشْعُرُونَ }  أي: وما يدرون {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}  أي: متى البعث والنشور والقيام من القبور أي: فلذلك لم يستعدوا.

 {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ }  أي: بل ضعف، وقل ولم يكن يقينا، ولا علما واصلا إلى القلب وهذا أقل وأدنى درجة للعلم ضعفه ووهاؤه، بل ليس عندهم علم قوي ولا ضعيف وإنما { هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا}  أي: من الآخرة، والشك زال به العلم لأن العلم بجميع مراتبه لا يجامع الشك، {بَلْ هُمْ مِنْهَا } أي: من الآخرة {عَمُونَ} قد عميت عنها بصائرهم، ولم يكن في قلوبهم من وقوعها ولا احتمال بل أنكروها واستبعدوها، ولهذا قال:  { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ }  أي: هذا بعيد غير ممكن قاسوا قدرة كامل القدرة بقدرهم الضعيفة.

{لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا } أي: البعث {نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} أي: فلم يجئنا ولا رأينا منه شيئا.  { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي: قصصهم وأخبارهم التي تقطع بها الأوقات وليس لها أصل ولا صدق فيها.

فانتقل في الإخبار عن أحوال المكذبين بالإخبار أنهم لا يدرون متى وقت الآخرة ثم الإخبار بضعف علمهم فيها ثم الإخبار بأنه شك ثم الإخبار بأنه عمى ثم الإخبار بإنكارهم لذلك واستبعادهم وقوعه. أي: وبسبب هذه الأحوال ترحل خوف الآخرة من قلوبهم فأقدموا على معاصي الله وسهل عليهم تكذيب الحق والتصديق بالباطل واستحلوا الشهوات على القيام بالعبادات فخسروا دنياهم وأخراهم.

 ثم نبههم على صدق ما أخبرت به الرسل فقال:  {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } فلا تجدون مجرما قد استمر على إجرامه، إلا وعاقبته شر عاقبة وقد أحل الله به من الشر والعقوبة ما يليق بحاله.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن