التفسير السياسي للإسلام في مرآة كتابات الأستاذ أبي الأعلى المودودي والشهيد سيد قطب
محمد براء ياسين
- التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية معاصرة - النهي عن البدع والمنكرات -
1- غاية الكتاب وظروف كتابته:
في مطلع الأربعينات الميلادية[2] كتب الأستاذ أبو الأعلى المودودي مقالات في مجلته «ترجمان القرآن» ثم جمعها في كتاب سماه «المصطلحات الأربعة في القرآن»، والمصطلحات الأربعة التي يقصدها المودودي هي: الإله والرب والدين والعبادة. وقد خلص في كتابه هذا إلى أن (أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة..) وأن (كلا من الألوهية والسلطة تسلتزم الأخرى، وأنه لا فرق بينهما من حيث المعنى والروح).
وقد أخذ هذا الكتاب نصيبًا كبيرًا من الانتشار، وتُرجم إلى اللغة العربية، ونُشِر بدمشق في الخمسينات[3]، وانتشر هذا الكتاب وسائر كتب المودودي لدى جماعة الإخوان المسلمين[4]. وتأثّر به الأستاذ سيّد قطب[5].
ومن جهة أخرى؛ لقي هذا الكتاب وما طرَحَهُ مُؤلِّفُه فيه من تفسير لمعنى الإله والعبادة، انتقادات في محل صدوره، أي في باكستان، فكتب وحيد الدين خان – وقد كان عضوًا في جماعة المودودي ثم تركه- كتابًا في الردّ عليه وعلى مجمل فكر سماه «خطأ في التفسير» وطبع باللغة الأردية سنة 1963م، وجرت بينه وبين المودودي مراسلات في ذلك، كما لقي انتقادًا من بعض رموز جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فكتب المرشد العام الثاني لجماعة الإخوان حسن الهضيبي نقدًا له سنة 1977م في بعض صفحات كتابه «دُعاة لا قضاة».
وكان الأستاذ أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى متابعًا لأطروحات المودودي، ومهتمًّا بها، وقد أشار في بعض محاضراته إلى نقدِ بعض المضامين الواردة في هذا الكتاب، كمحاضرته التي ألقاها في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة سنة 1962م بعنوان «النبوة والأنبياء في ضوء القرآن»، والمحاضرة التي ألقاها في الجامعة أيضًا سنة 1977م بعنوان «بعض سمات الدعوة في هذا العصر».
ولم يتصدّ الندوي للنقد المباشر لطرح المودودي وكتابه إلا لما رأى الحاجة ملحةً لذلك، وبعد تأجيل له سنينَ طوالًا. يقول : (وقد أجلنا هذا العمل سنين طوالًا رغم حوافز ملحة كثيرة إلى تحقيقها، وأسئلة كانت تتردد من جهات مختلفة عن الجماعة وأسسها الفكرية..) . (ص207).
يصف الندوي الباعث الذي دعاه لتأليف كتابه، وهو التخوّف على فئة من الشباب المتأثرين بطرح المودودي، هذا الخوف الذي بلغ بالندوي حدّ (الفزع) بحسب تعبيره. يقول: (ولم يُقدِم المؤلف إلى هذا البحث إلا حين عرف وعاشر كثيرًا من الذين تخرجوا من المدرسة الفكرية التي تقوم على كتابات الأستاذ المودودي وحدها، وتعتمد على فهمه للدين، وتفسيره له، ورضعوا بلبانها، ونشؤوا في أحضانها، لا يدينون في ثقافتهم الدينية وفهمهم لحقيقة الدين لمدرسة دينية أخرى، أو لمكتبة إسلامية أخرى، وإذا كان لهما نصيب في عقليتهم وثقافتهم الدينية، فهو نصيب ضئيل سطحي، وأفزعته اتجاهات فكرية وفهوم وتفسيرات للدين بدت طلائعها في الحديث والكتابة والفكر والتأليف والعمل والتطبيق، وخاف أن تنشأ طبقة أو مجتمع فيه عدد كبير من الشباب الأذكياء المثقفين، والعاملين لمجد الإسلام المخلصين، من أصحاب الهمة العالية، والنظر البعيد، والإيثار وروح التضحية في خدمة الإسلام والمسلمين، على منهج يختلف عن المنهج الإسلامي الأول في الروح والدوافع، والنفسية والعقلية، والأهداف والغايات، والمثل والقيم، ويضعف ما جاهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إخلاص الدين لله والعمل للآخرة، وروح الإيمان والاحتساب المسيطرة على الحياة كلها، السارية في الأعمال والتصرّفات بأسرها، ويتحوّل هذا الكفاح إلى مجرد عملية تنظيم جماعي، أو محاولة الحصول على الحكم والسلطان للمسلمين، وقد يكون تحولا لا رجعة بعده إلى الأصل والمصدر.. ، فأقبلنا مضطرين - عَلِم الله - على التنبيه على هذا الخطر، ولو كان غامضًا أو بعيدًا، فالحبّ يبعث على الإشفاق والنصح يدفع إلى الإنذار). (ص209-210).
وفي أكثر من موضع من الكتاب يؤكد الندوي على أن هؤلاء الشباب الذين يُخشى عليهم هم من يقصرون مصادرهم في فهم الدين على كتابات المودودي[6].
فغاية الكتاب إذًا تلبية الحاجة الماسّة في دفع الأثر الذي يُتوقَّع أن يخلفه طرح المودودي في نفوس جيل من الشباب ممن يقصرون مصادرهم في فهم الدين على كتابات المودودي، هذا الأثر الذي بدأ يظهر بالفعل من خلال متابعة الندوي، وعدَّه الندوي خطيرًا ولا بُدّ من التصدّي له، بعد أن تأكّد من ضرورة ذلك التصدي، وفق رصده الذي استمر سنوات طويلة، ولذا؛ كتب كتابه الذي بين أيدينا والذي صدرت طبعته الأولى بالأردية سنة 1978م وسماه فيها «تفهيم الدين وتفسيره في العصر الحاضر»، ثم صدرت الطبعة العربيّة الأولى سنة 1979م بعنوان «التفسير السياسي للإسلام في مرآة كتابات الأستاذ أبي الأعلى المودودي والشهيد سيد قطب»، وكان ذلك في آخر حياة المودودي[7].
ولا ريب أن الغاية التي وضع من أجلها الكتاب غاية جليلة، ولم يزل أهل العلم يتصدّون لنقض ما يرونه انحرافًا عن جادّة الحق ومهيع الصواب من الآراء والأفهام. وقد تحدّث المؤلف في مقدمة كتابه عن أهمية النقد في حفظ الدين، وهو ما يسميه (الحسبة العلمية المخلصة النزيهية).
2- موضوع الكتاب:
في سبيل تحقيق تلك الغاية التي قصدها المؤلف من هذا الكتاب؛ جعل موضوعه النقدَ المباشر لما كتبه أبو الأعلى المودودي في كتابه «المصطلحات الأربعة في القرآن» وبعض كتاباته الأخرى، إضافةً إلى نقد كلام سيد قطب الذي تأثر فيه بالمودودي في كتابه «معالم في الطريق».
يقول الندوي في بيان المحلِّ الذي جمع همته لنقده: (هبّ المودودي يمارس عملًا يمكن أن نسمية الصياغة الجديدة للفكر الإسلامي، واعتبره أساسًا فكريًّا لنهضة المسلمين، ولجمع كلمتهم، وللجماعة الإسلامية، ونعني بذلك بصفة خاصة كتابه المستقل الذي أسماه: «المصطلحات الأربعة في القرآن»، الذي فسّر فيه تلك المصطلحات القرآنية الأربعة التي يدور عليها الإسلام، وتقوم عليه تعاليمه ودعوته، وإليها تستند إقامة الحكم الإسلامي، أو إقامة الدين= تفسيرًا خاصًّا يتميز بالطابع السياسي،ويدور حول حاكمية الإله، وسلطان الربّ، يحدد علاقة العبد بربّه في مفهوم خاصّ، وفي حدود معينة، وينحصر به غرض نزول القرآن والدعوة الإسلامية في تأسيس الحكم الإسلامي وإقامة الحكومة الإلهية فحسب.
وكان له موقف خاص هو نتيجة طبيعية منطقية نحو الوسائل والغايات والعبادة والذكر والأركان الأربعة العملية). (ص206-207).
ويقول الندوي في بيان تأثر سيد قطب بكتاب المودودي: (وقد أُعجِب الكاتب الإسلامي الكبير الأستاذ سيد قطب الشهيد، وهو صديق المؤلف العزيز، إعجابًا شديدًا بكتاب الأستاذ المودودي «المصطلحات الأربعة في القرآن» ووافقه كل الموافقة في الآراء والأفكار التي يتضمَّنُها، وقد جعل الحاكمية أخصّ خصائص الألوهية، وكتاباته تقلل من شناعة عبادة الأصنام والأوثان وعبادة غير الله في الجاهلية؛ لأنه يعتبرها صورة ساذجة بدائية للجاهلية الأولى). (ص255). ثم نقل نصوصًا من كتابيه «معالم في الطريق» و«في ظلال القرآن» (ص255-258)
كما نقل الندوي عبارات من كتب أخرى للمودودي غير كتاب «المصطلحات الأربعة في القرآن» تجلّي فكرته التي هي محلّ النقد. يقول: (اقرأ المقتطفات الآتية لكي تدرك بعض الشيء أي نوع من القلوب والأذهان سيصوغها هذا القالب من التفكير: (إن الإسلام يهدف أصلًا إلى تخريج جماعة من الصالحين تقوم ببناء المدنية الإنسانية على أسس من الخير والفلاح). (من أجل تأسيس هذه الحضارة والمدنية في الأرض بعث الله الأنبياء عليهم السلام تترى)، (فغاية مهمة الأنبياء عليهم السلام في الدنيا هي الحكومة الإلهية وتنفيذ نظام الحياة بجميع أجزائه الذي جاؤوا به من عند الله). ويقول فيما بعد هذه السطور: (من أجل ذلك حاول الأنبياء إحداث الانقلاب السياسي فاقتصرت جهود بعضهم على تهيئة الأرض كسيدنا إبراهيم عليه السلام، وقام بعضهم فعلا بحركة الانقلاب، ولكنّ عملهم قد توقف دون أن يتحقق تأسيس الحكومة الألهية كسيدنا المسيح عليه السلام، وبعضهم قد وصلوا بهذه الحركة إلى منزل النجاح، كسيدنا موسى، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم). (ص288-289).
فالكتاب إذًا كتابٌ نقديّ، في موضوع عقديّ جليل، وهو معنى الإله، ومعنى العبادات الإسلامية ومقصودها.
3- طريقة المؤلف في الكتاب وموارده:
الكتاب الذي بين أيدينا -كما تقدّم- كتاب نقديّ، أورد المؤلف فيه فقرات من كلام المودودي، وكلام سيد قطب، وبيّن أوجه نقدها بكلام متصلّ، ويضع عناوين لكل فكرة دون تقسيم الكتاب إلى فصول ومباحث، ودون أن يستعمل طريقة العدّ في النقد، فلا يقول: (الرد عليه من وجوه) مثلًا ثم يسردها.
ومن المهمّ الإشارة إلى أن المؤلف لا يُعنى فقط بنقد نصّ كلام المودودي، وإنما يعنى أيضًا بنقد ما أورثه كلامه من آثار في نفوس من خالطهم المؤلف من أتباعه، أو ما يمكن أن يورثه.
مثلًا يقول المؤلف: (اقرأ المقتطفات الآتية لكي تدرك بعض الشيء أي نوع من القلوب والأذهان سيصوغها هذا القالب من التفكير.. )، ويقول: (ومن ثم فإن الذين يقتصرون على دراسة كتابات الأستاذ المودودي، ولم يفهموا الإسلام، والدعوة الإسلامية، وتعاليم الإسلام، والتاريخ الإسلامي إلا من خلال كتاباته ومقالاته ومؤلفاته= قد بلغ بهم اليأس من تاريخ الإسلام وماضي المسلمين ومآثرهم العملية والفكرية فيما بعد القرون الثلاثة الأولى، حتى تضاءلت أمامهم الشخصيات الإسلامية العملاقة، وقلت قيمة الجهود التي بذلت في سبيل النهوض بالإسلام والمسلمين، وإدالة هذا الدين من الجاهلية في الماضي، وقيمة المآثر العلمية التي تحلى بها تاريخ الإسلام الفكري والعلمي وازدانت بها المكتبة العالمية، وآمن كثير منهم وصرح به بعضهم أن فكرة الإسلام المنسقة أو التصور الإسلامي الكامل لم يعرض إلا في هذا الزمن الأخير عن طريق دعوة الجماعة الإسلامية في شبه القارّة الهندية وبقلم مؤسسها في الثلاثينات من القرن العشرين). (ص251). ويقول: (ويبدو أن الأستاذ المودودي لا يعنيه إلا الدعوة السياسية لأحد، والخضوع لسلطانه، والإذعان لحاكميته، ورد حق التشريع إليه، وعلى هذا تتركز جهوده الكتابية ومحاولاته القلميَّة، ومن يقصر مطالعته على هذه المقالات والكتابات وحدها ويعيش فيها ويتنفس في جوّها، ويتغذى بها عقليًّا وفكريًّا، تتأكد في نفسه أولية الإشراك في الحكم وأهميته طبيعيًّا، وتتضاءل عنده شناعة الإشراك في العبادة). (ص270-271). ويقول في قضية التضعيف من شأن العبادات: (حتى ضعف فيما يرى هو – أو بتعبير أدق فيما تدل عليه كتاباته- شأن العبادات وأعمالها). فهنا يستدرك الندوي على نفسه؛ ويرى أن القول بأن هذا مدلول كلام المودودي، أدق من القول بأن هذا ما يراه هو في نفس الأمر.
وهنا ينبغي التفريق بين تحميل المودودي مسؤولية هذه الأفهام التي حصلت لدى أتباعه، وبين ضرورة توجيه النقد إليها، فالأمر الثاني لا يلزم منه الأول، ولم يكن الأمر الأول من وكد الندوي، بل يمكن ملاحظة أن الندوي لا يهتم بالمحاكمة وتحميل المسؤولية بقدر اهتمامه بالنصح والقيام بما أسماه بالحسبة العلمية، ولذا فإنه أرسل نسخة من كتابه هذا للمودودي في آخر حياته (مع رسالة شخصية رقيقة يعتذر فيها عن هذا النقد العلمي الذي كان رائده الإخلاص والإشفاق والنصيحة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه)، وإن كان يلومه على عدم مراعاة الأحوال في الخطاب: (فكم كان يَتحتَّم التحفظ وملاحظة الدقة لدى الحديث عن مثل هذا الموضوع الدقيق الحساس في مثل هذا الوضع المكهرب، فإن النائم يكفيه أدنى هزة للسقوط). (ص286).
وأما موارد الندوي في كتابه هذا؛ فهو ينقل أحيانًا من كتب العلماء لتدعيم الفكرة التي يقدّمُها، فينقل من كتب التفسير كتفسير ابن كثير والآلوسي، وينقل عن ابن حزم وابن تيمية وابن القيم وولي الله الدهلوي.
كما أنه ينقل عن مواضع من كتاب حسن الهضيبي «دعاة لا قضاة» التي جاء فيها نقدٌ لكلام المودودي.
4 - عرض إجمالي لمضامين الكتاب:
يمكننا أن نعرض مجمل النقد الذي وجهه الندوي لأطروحة المودودي وسيد قطب في خمسة نقاط:
النقطة الأولى: نقد فكرة أن الأمة غفلت عن معنى هذه المصطلحات الأربعة:
أول فكرة ناقشها المؤلف في كتابه هي المقدمة الخطيرة التي مهد بها المودودي لبحثه في مدلولات المصطلحات الأربعة: الإله والرب والدين والعبادة. جاء في هذه المقدمة : (من الحق الذي لا مراء فيه أنه قد خفي على الناس معظم تعاليم القرآن، بل قد غابت عنهم روحه السامية وفكرته المركزية لمجرد ما غشي هذه المصطلحات الأربعة الأساسية من حجب الجهل، وذلك من أكبر الأسباب التي قد تطرق لأجلها الوهن والضعف إلى عقائدهم وأعمالهم على رغم قبولهم دين الإسلام وكونهم في عداد المسلمين)[8].
فردّ المؤلف على هذا الكلام من أوجه متعددة فقال: ( وهذا الفهم وإن بدا أمرًا غير ذي خطر ولكنه عميق الجذور بعيد العواقب في التفكير الإسلامي، لأنه يشكك في صلاحية هذه الأمة ومركزها القيادي والدعوي، وفي فهم هذه الأمة لهذا الكتاب والعمل به، في تاريخها الطويل، ويقلل من قيمة مآثر المجددين والمصلحين والمجتهدين العلمية والعملية.
فإن الكتاب الذي لم يفهم حقّ الفهم في أطول مدة وأخصبها عملا وعلمًا وكفاحًا= يشك في إبانته ووضوحه وإفادته، ويشك في كل ما يقال عنه ويفسر به في هذا العصر وبعده، وذلك يفتح الباب للتوسع في تأويله على مصراعيه كما فعلت الباطنية في مختلف أشكالها، ويشجع المحاولات التي ترمي إلى تحويل الحقائق الدينية إلى لغز مستعصٍ على الفهم والإدراك). (ص222-223).
ثم أورد الآيات في وضوح القرآن وبيانه وكلام المفسرين في ذلك، وأورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لا تجتمع الأمة على ضلالة، وكلام العلماء في ذلك.
ثم ذكر حجة إلزامية ألزم بها المودودي، وهي أن المودودي في بعض كتبه اعتمد على فهم الأئمة عبر القرون لحديث: (الأئمة من قريش)، ولفهم الأمة للفظ: (خاتم النبيين) في وصف النبي صلى الله عليه وسلم، فحاصل حجة الندوي: أنه إن اعتمد فهم فهم الأمة والأئمة لهذين اللفظين فاعتماد فهمها لتلك المصطلحات الأربعة أولى. (ص231).
ثم ذكر الندوي اللوازم الباطلة التي قد يلتقطها بعض الشباب من هذا الكلام فيقول: ( إن هذا الأسلوب من التفكير يجعله منطقيًا وطبيعيًّا يصور العالم الإسلامي فيما بعد عهد الصحابة والتابعين تصويرًا يشكك الشباب المسلم المثقف الذكي الرقيق الشعور الذي لم تتسن له فرصة لدراسة تاريخ الإسلام العلمي والفكري والإصلاحي والتجديدي دراسة عميقة واسعة= في خلود الرسالة الإسلامية وأبدية تعاليم الإسلام، وصلاحية الإسلام الإنتاجية، وقدرته على صنع الرجال وتربية العباقرة والأبطال، وأن شجرة الإسلام لا تعرف الذوي والذبول، وأنها دائمة الحياة والشباب والاخضرار والإثمار، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. فتتزعزع ثقته بمصير الإسلام، ويقع إلى فريسة مُركَّب النقص، واليأس، ويخيل إليه أن تربة الإسلام لا تصلح للإنبات مهما هطلت عليها الأمطار..). (ص238-239).
ثم يناقش المُؤلِّف المودودي في فكرة أخرى متصلة بهذه الفكرة، أوردها المؤلف في كتاب آخر، وهي فكرة التجديد وظُهور المُجدِّدين.
النقطة الثانية: نقد الفكرة المحورية لكتاب المودودي وهي معنى العبادة والإله:
يناقش المؤلف فكرة الكتاب المحورية، وهي تعريف المودودي للإله والعبادة فيقول تحت عنوان (هل الصلة بين العبد والربّ هي صلة الحاكم والمحكوم فحسب؟) في كلام مُركَّزٍ صريح: (ونقف هنا وقفة قصيرة ونستعرض ما تدل عليه دراسة كتاب الأستاذ المودودي «المصطلحات الأربعة في القرآن» والشيء الكثير من كتاباته من أن الصلة بين الله والإنسان والعبد والربّ هي في الواقع صلة الحاكم بالمحكوم وصلة الرعية بالملك، وأن صفة السلطة العليا والحاكمية المطلقة هي الأصل من بين أسماء الله الحسنى وصفاته السامية الكثيرة، وكأن الدعوة إلى الإيمان بحاكمية الإله والإذعان لسلطته العليا وصوغ الحياة في قالب متطلباتها كان هدف النبوة الأساسي، ومقصد بعثة الأنبياء، وأساس دعوتهم، وغاية نزول الكتب والصحف السماوية كلها.
ومهما كان ذلك نتيجة لازمة للإيمان بالله والدخول في حظيرة الإسلام، ومهما كانت طبيعة الإسلام تقتضيه اقتضاء طبيعيًّا فإنه جزء صغير بالنسبة إلى صفات الله وذاته، وصلته بعباده، وصلة عباده بنفسه، وليس هو كل شيء كما يظن هؤلاء السادة.
والواقع أن صلة الخالق والمخلوق والعبد والمعبود هي أشمل وأوسع وأدق كثير وكثير من صلة الحاكم بالمحكوم، والآمر والمأمور، والسلطان والرعية، وقد لهج القرآن الكريم بذكر أسماء الله وصفاته في بسط وتفصيل وأسلوب شيق جميل، لا يدلان أبدًا على أن المطلوب من العبد هو الإيمان بمجرد حاكميته المطلقة، والإذعان لسلطته العليا، وأن لا يشرك الآخرين معه في سلطته..
إن هذه الأسماء والصفات و الأفعال الإلهية التي زخر القرآن الكريم بذكرها تتطلب في صراحة أن يحب العبد إلهه وربه بقلبه وقالبه، وأن يتفانى في طلب رضاه، وأن يتغنى بمجده ويسبح بحمده، وأن يلهج بذكره قيامًا وقعودًا وأن يكون ذلك هو شغله الشاغل وهمه الوحيد، وأن يظل خائفًا منه، فزعًا من بطشه وقهره، وجلا من غضبه وسطوته، ملتجئًا إليه في كل حال، مادًّا إليه يد السؤال، متضرّعًا إليه بإلحاح وإقبال، متطلعًا إلى جماله الذي هو مصدر الحسن والإحسان ومنتهى الفضل والكمال، تملكه عاطفة البذل في سبيله بكل ما عنده من نفس ونفيس وغال ورخيص.
والذين حصروا صفات الله وحقوقه في حق الحاكمية والسلطة العليا، ورأوه أصل الحقوق الإلهية، وأول المطالب الربانية= أخاف أن يكون قد صدق عليهم قول الربّ تبارك وتعالى : وما قدروا الله حق قدره). (ص262-264).
ثم ينقل تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية للعبادة ويقارن بينه وبين تعريف المودودي فيقول: (وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية وهو في مكانته من الفهم لروح الإسلام، والتضلع من علوم الكتاب والسنة، والبعد عن كل ما أحدث في القرون الأخيرة= لا يرى الطاعة والتذلل وحدهما يوفيان حقّ العبودية التي هي حق الإله والربّ، تلك الطاعة والتذلل اللذان يمارسهما الإنسان لمن يعتقد في سلطته العليا وحاكميته المطلقة، ويرضى بهما ذلك الحاكم الأعلى بدوره أيضًا، بل يشترط [للعبودية][9] بالإضافة إلى الخضوع والتذلل غايةَ الحب التي تتطلب بجانب الحاكمية والسلطة صفات وفضائل تجعل السلطان الأعلى والحاكم على الإطلاق يستحق أن يكون موضع غاية الحب في نظر العبد والعابد، يقول في رسالته الشهيرة العبودية: (لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له).
ولا يكتفي بهذا القدر بل يقول وهو يشرح الإله ويشير إلى اشتقاقه: (الإله هو الذي يألهه القلب بكمال المحبة والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك).
ما أعظم الفرق وما أعمقه بين تعريف الإله هذا، وبين التعريف الذي يجعل الحاكمية والسلطة العليا التي ترجمها الأستاذ المودودي نفسه بـ (sovereignty) ملاك الأمر في باب الألوهية؟! وإذن فمن الواضح أن الإله الرسمي لا يحتاج الإنسان بصدده إلى الحب ولا الإكثار من الذكر بل يكفيه مجرد الطاعة الكاملة والولاء والإخلاص(Loyalty) ). (ص266-268).
النقطة الثالثة: نقد تقديم خطورة الإشراك في التشريع على خطورة الإشراك في العبادة:
أورد المؤلف قول المودودي: (فالذي يعتقد أمر كائن ما من دون الله مما يجب إطاعته والإذعان له بغير سلطان من عند الله، فإنه يأتي من الشرك بمثل ما يأتي به الذي يدعو غير الله ويسأله، وكذلك الذي يدعي أنه مالك الملك، والمسيطر القاهر، والحاكم المطلق بالمعاني السياسية، فإن دعواه هذه كدعوى الألوهية ممن ينادي بالناس: (إني وليكم وكفيلكم وحاميكم وناصركم)، ويريد بكل ذلك المعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية)[10].
ثم أعقبه بقوله: (إن هذه العبارة تنمّ على أن الإشراك في الحكم والإشراك في الألوهية أو العبادة يتساويان ولا يتفاضلان، بل إنهما شيء واحد..
ومن يقصر مطالعته على هذه المقالات والكتابات وحدها ويعيش فيها ويتنفس في جوّها، ويتغذى بها عقليًّا وفكريًّا، تتأكد في نفسه أولية الإشراك في الحكم وأهميته طبيعيًّا، وتتضاءل عنده شناعة الإشراك في العبادة). (ص270).
وهذه الإشكالية ذكر المؤلف ورودها أيضًا في كتابات سيد قطب حيث يقول: (وكتاباته (سيد قطب) تقلل من شناعة عبادة الأصنام والأوثان وعبادة غير الله في الجاهلية؛ لأنه يعتبرها صورة ساذجة بدائية للجاهلية الأولى). (ص255).
وقرر المؤلف في الرد على هذه الفكرة أمرين:
الأول: أن هدف النبوة الأساس القضاء على شرك العبادة، يقول: (وكل من له صلة بالقرآن وهو الكتاب المهيمن على الكتب السالفة يعرف اضطرارًا وبداهة أن القضاء على هذه الوثنية والإنكار عليها ومحاربتها وإنقاذ الناس من براثنها كان هدف النبوة الأساسي، ومقصد بعثة الأنبياء، وأساس دعوتهم، ومنتهى عملهم، وغاية جهادهم...). (ص272). وأخذ يدلل على ذلك بأحداث من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبأحاديث من حديثه الشريف.
وبنى على هذا أن شرك التشريع تأتي خطورته بعد شرك العبادة، مع عدم التقليل من شأنه: (أما مظاهر الجاهلية الأخرى كالطاعة لغير الله والتحاكم إلى غير الله، وقبول التشريع غير الإلهي، وتسليم حكومة لا تقوم على النيابة عن الله وعلى أحكامه؛ فكل ذلك يتبع هذه الوثنية والشرك ويأتي بعده، ولا يجوز أن يقلل من شأن هذا الشرك الجلي المتقدم ذكره وأهميته، وأن يوضع في الهامش من منهاج دعوة أو جهاد، أو يساوى بينه وبين معاني الطاعة والحكم السياسية ويحكم عليها حكمًا واحدًا). (ص280).
ويقول في موضع آخر خارج هذا الكتاب: (وإن كل ما يقال من أهمية محاربة الشرك الجلي وعبادة غير الله سواء أكانوا أشخاصًا أو أرواحًا، أو ضرائح ومشاهد، والعناية بمحاربة النظم والتشريعات والحكومات فحسب= إحباط لجهود الأنبياء واتجاه بهذا الدين عن منهجه القديم السماوي إلى المنهج الجديد السياسي وهو تحريف لا محالة.
هذا من غير أن أقلل من قيمة التركيز على أن التشريع لله وحده، وله الحكم والأمر وحده وأن من يدعو إلى طاعة نفسه الطاعة المطلقة العمياء منافس للرب وطاغوت، وأنه يجب أن يدعى إلى التشريع الإلهي وإلى إقامة الحكم الإسلامي القائم على منهاج الكتاب والسنة ومنهاج الخلافة الراشدة وأن لا يدخر، سعي في ذلك لكن لا على حساب الدعوة إلى التوحيد والدين الخالص ومحاربة الوثنية والشرك، فإنها لا تزال في الدرجة الأولى وهي أكثر انتشارًا، وأعظم خطرًا في الدنيا والآخرة)[11].
الأمر الثاني: أن خطر شرك العبادة دائم ومستمر: (الزمان مهما تقدم والإسلام مهما قطع أشواطًا بعيدة في التقدم والانتشار والانطلاق فسيظل هذا الخطر قائمًا، وعلى العلماء وأصحاب الدعوة الإسلامية والنائبين على الأنبياء أن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم، وأن يعدوا لمقاومتهم عدتهم.. ) . (ص277). ويقول: (لا تزال اللات ومناة غضتين وفي طور شبابهما). (ص278). ويقول: (فلا تزال الوثنية والشرك تقوم على قدم وساق بأشكالها وأنواعها القديمة، وما يصنعه الجهلة من الناس من أعمال الشرك الجلي عند ضرائح الأولياء والصالحين فيه كفاية ومقنع، فلم يتركوا شيئًا من غوايات الجاهلية القديمة ..). (ص281-282).
ووصل إلى أن محاربة هذا الشرك (هو الركن الأساسي في الدعوات الدينية وحركات الإصلاح إلى يوم القيامة، وهو تراث النبوة الخالد، وشعار جميع الدعاة إلى الله وجميع المصلحين المجاهدين). (ص279).
ويقول في وصف لوازم قول المخالف في هذا: (ثم إن هذه النظرية؛ نظرية أن مظاهر الشرك الجلي المتقدم ذكره من خصائص الجاهلية الأولى الساذجة= إساءةٌ إلى دعوة الأنبياء وجهودهم، وشك في خلود القرآن، وأنه هو الكتاب الأخير الدائم..). (ص281-282).
النقطة الرابعة: نقد فكرة أن العبادات والأركان الأربعة مجرد وسائل:
يقرر الندوي أن هذه الفكرة يدل عليها كلام المودودي في كتابه «المصطلحات الأربعة في القرآن»، وينقل عنه كلامًا من كتب أخرى له في تقريرها، ومن ذلك قوله: (هذه هي الغاية التي من أجلها فرض الإسلام عبادات الصلاة والصوم والزكان والحجّ، والتعبير عنها بالعبادة لا يعني أنها هي العبادة ليس غير، بل معنى ذلك أنها تعد الإنسان لتلك العبادة، فكأنها مقررات تدريبة لازمة لها).
يقول الندوي: ( إن العبارة المذكورة أعلاه تدل دلالة واضحة على أن العبادات المعينة المشروعة (الصلوات الخمس في الواقع وسائل إلى غاية أخرى هي طاعة وتأسيس الحكومة الإلهية، وإعادة التنظيم إلى الحياة، على حين ينصّ القرآن الكريم على أن الجهاد والحكومة وسيلة، وإقامة الصلاة هي الغاية). (ص290-291).
وينقد الندوي هذه الفكرة من جهتين:
الأولى: من جهة مخالفتها للنصوص الكثيرة الدالة على أن هذه العبادات مقاصد مطلوبة، مع أن هذا (لا يمنع من ذكر أسرارها وحكمها وفوائدها في الحياة الاجتماعية). (ص291).
والثانية: من جهة أثرها النفسي السلبي على من يعتقدها، يقول: (ومن نتيجة هذا الأسلوب من التفكير أنه يجعل المرء لا ينبعث في نفسه الشعور بالصلة القلبية بالعبادات، ولا يتحرك لإنشاء الروح والكيفية الباطنية فيها، ولا تثور في قلبه عاطفة الحصول على صفة الخشوع والخضوع والإخبات والاستحضار ودوام الذكر والإخلاص والإيمان والاحتساب، ولا يرى الحاجة إلى هذه الكيفيات الباطنة والأخلاق الإيمانية والإحسانية، ولا يحسب حسابًا لقيمتها وغنائها، فضلا عن أن يفكر في الحصول عليها، والتفوق فيها، وإحراز قصب السبق في مجالها، وأن يبحث عن أئمة هذا الفن والأخصائيين في هذا الطب..). (ص296-297).
النقطة الخامسة: نقد وصف المودودي للتصوف بأنه سبب البطالة والاستسلام والفرار من معترك الحياة:
ينقد الندوي فكرة يكررها المودودي في كتب له وهي أن التصوف عبارة عن الكسل والجمود، وأن المتصوفة لا يضعون في اعتبارهم إقامة الدين.
وهنا لا يدافع الندوي عن التصوف البدعي، وإنما يدافع عن التصوّف بمعنى التزكية، وقد كان دفاعه من وجهين:
الأول: أن التزكية في نفسها تدعو إلى الجهاد وإقامة الدين، يقول: (الحقيقة أن هذه المجاهدات والرياضات وتزكية النفس والصلة بالله تنشئ في الإنسان حالة عجيبة من الشوق والوجد والحب والحنان، تتغلغل في أحشائه وتستقر في أعماقه، حتى تراه ينشد بلسان حاله ويقول: «إني لا أملك شيئا أفديك به إلا هذه الحياة التي أعرتني إياها، فهي منك وإليك ومن فيضك وفضلك» فنهاية المطاف في هذه الرحلة الروحية والسلوك الطويل هي حب الشهادة، والغاية الأخيرة من هذه المجاهدة والرياضة هي الجهاد). (ص305).
الثاني: بذكر نماذج تاريخية لمجاهدين من أهل التزكية، فقال: ( على رأس كل حركة للجهاد والتضحية شخصية روحية قوية). (ص307).
وذكر من هؤلاء: أحمد بن عرفان، وإسماعيل بن عبد الغني في الهند، وعبد القادر الجزائري، وشيوخ النقشبندية في داغستان، والسنوسي في ليببا، وحسن البنا في مصر.
6- تأثير الكتاب وردود الأفعال حوله:
كتب الندوي الكتاب في آخر حياة المودودي وأرسل إليه نسخة، وكان جواب المودودي الشكر والدعوة إلى مراجعة سائر كتاباته ومؤلفاته، وإبداء ما يتخوف منه على الفكرة الدينية الصحيحة، وقال: (إنني لا أستطيع أن أقول أني سأوافق عليها تمامًا، ولكني سأتأمل فيها، وإنني لا أعتبر نفسي فوق مستوى النقد واختلاف وجهات النظر)[12].
أما ردة فعل بعض أتباع المودودي فيقول فيها الندوي: (كانت مفاجأة حقًّا للمؤلف حين تلقى رسائل حانقة تنبىء عن استياء شديد، ونقد لاذع من عدد من المنتمين إلى الجماعة في الهند على إثر صدور الطبعة الأردية، لأن كان يتوقع منهم أن يكونوا أوسع صدرًا وأكثر احتمالًا من غيرهم من غلاة المنتسبين إلى جماعات أخرى، وأنهم يميزون بين الخلاف الشخصي الحاقد، والاختلاف المبدئي الهادف). (ص217).
وكتب أحد قيادات الجماعة الإسلامية وهو سيد أحمد القادري ردًّا على الندوي سماه «التفسير الحقيقي للإسلام».
وقد عرض الندوي كتابه على بعض أصدقائه بعد صدوره، منهم الدكتور يوسف القرضاوي، وطلب منه إبداء رأيه فيه، فذكر القرضاوي أن له ملاحظة على عنوان الكتاب، وأنه يعطي إيماء خاصًّا، وقد يستغل من بعض العلمانيين، وكان ذلك في مؤتمر حضره الندوي في قطر سنة 1980م ([13]).
ونجدُ في السنوات الأخيرة اهتمامًا بهذا الكتاب بعد مرور ما يقرب من أربعين عامًا على تأليفه [14].
يقول سلطان العميري في مقاله «محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة» الذي نشره سنة 2011م في نقد الغلو في قضية الحاكمية: (وقد اجتهد عدد من المفكرين المعاصرين في بيان الخلل المنهجي الذي وقع فيه أبو الأعلى المودودي وسيد قطب في تفسير مفهوم العبودية، وفي شرحهم لمحور دعوة الرسل، ومن أقوى من بين ذلك الخلل: أبو الحسن الندوي في كتابه «التفسير السياسي للإسلام»، ووحيد الدين خان في كتابه «خطأ في التفسير»)[15].
وقدّم إبراهيم السكران في كتابه «الماجريات» الذي صدر سنة 2015م تجربة أبي الحسن الندوي ضمن التجارب التي ذكرها لمناقشة الإشكالية التي سماها بإشكالية التخمة السياسية، وعرض كتابه الذي بين أيدينا عرضًا مُجملًا ، وانتقده في بعض المواطن، ثم قال في وصف أطروحة الندوي: (يمكن القول إنها تناقش أشد حالات التصعيد في التورم الماجرياتي السياسي، الذي يتعدّى الاهتمام العملي المفرط بالصخب السياسي إلى تأويل الإسلام نفسه بأن غرضه المشروع السياسي، وقد ناقش الندوي هذه الفرضية ببراعة، وأوضح مآلاتها الأربع الخطرة، التي تفضي إلى التزهيد في مقاومة شرك العبادة والألوهية باعتبارها شركيات بدائية، وتوهين الشعائر باعتبارها وسائل للمشروع السياسي، والجور على المطالب العلمية والدعوية والتربوية والإيمانية والثقافية لصالح التورم السياسي، وسوء الظن بفقه السلف بأنهم لم يفهموا غرض القرآن)[16].
[1] الطبعة المعتمدة في العزو هي نشرة عن الطبعة الثانية التي كانت قد طبعت سنة 1981م، من إصدار دار البشائر سنة 2014م بدراسة وتعليق عبد الحق التركماني، ومطبوع معها في نفس المجلد كتاب «التفسير السياسي للدين» لوحيد الدين خان.
[2] في تلك المدة أيضًا أسس المودودي جماعته المعروفة بالجماعة الإسلامية، وذلك في لاهور سنة 1941م، من خلال مؤتمر ضمّ المتأثرين بكتابته الإسلامية. انظر: «أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة» لعبد الله العقيل (ص44).
[3] وبآخرها ملحق فيه تخريج للأحاديث الواردة فيها بقلم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
[4] انظر: «أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة» لعبد الله العقيل (ص44،46).
[5] يعزو سيد في كتابه «في ظلال القرآن» إلى كتب المودودي في مواضع كثيرة، ويحتفي بهذا الكتاب ويدعو لمراجعته في أكثر من موضع. انظر «في ظلال القرآن» (927، 1156، 1163، 1255، 1354، 1902). وتأثر به في كتابه «معالم في الطريق» الذي قال عنه المودودي: (إن ما ورد في كتاب «معالم في الطريق» هو نفس ما أراه، بل كأنني الذي كتبته، فقد عبّر عن أفكاري بدقّة). كما نقله عنه عبد الله العقيل في «أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة» (ص48).
[6] انظر المواطن التالية من الكتاب الذي بين أيدينا (ص251، 270، 288).
[7] مستفاد من دراسة عبد الحق التركماني للكتاب (ص112).
[8] «المصطلحات الأربعة في القرآن»(ص9-10).
[9] في طبعة عبد الحق التركماني (العبودية) والتصويب من طبعة دار آفاق الغد (ص81).
[10] «المصطلحات الأربعة في القرآن»(ص31-32).
[11] مقال «بعض سمات الدعوة في هذا العصر» في «مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة» (العدد 36).
[12] كما ذكره الندوي في مقدمته للطبعة الثانية من الكتاب (ص211).
[13] «الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته» للقرضاوي (ص212).
[14] في سنة 2014م نشر عبد الحق التركماني الكتاب عن الطبعة الثانية، ومعه كتاب وحيد الدين خان «التفسير السياسي للدين»، وقدم لهما بدراسة حول الكتابين، وحول فكرة التفسير السياسي، وعلق على مواضع من الكتاب، بما لا يخلو من تحامل على من يسميهم الحركيين، وطبعته دار البشائر الإسلامية. وقبل هذا عمل سعد الحصين سنة 2013م تهذيبًا للكتاب، بعد تنبيه عبد الحق التركماني له على تميز الندوي في هذا الباب، وحذف من آخره دفاع الندوي عن بعض الصوفية، وذكر كلامًا فيه تحامل على التصوف والصوفية، ونشرته دار اللؤلؤة بلبنان.
[15] «تدعيم الفكر الإسلامي» للعميري (ص118).
[16] «الماجريات»(ص179).