نعم المصلى (14) بيت المقدس فضائل جمة
أيمن الشعبان
لبيت المقدس العديد من الفضائل، لو أردنا تتبعها وتقصيها لطال بنا المقام، فهي زهرة المدائن وأم بلاد الشام، ويكفيها تكريما وتشريفا ومكانة، أن الله سبحانه وتعالى جعلها أرضا مباركة وطيبة ومقدسة في غير ما آية.
- التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة " المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.
الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر.
س14/ ماذا تعرف عن فضائل بيت المقدس؟
لبيت المقدس العديد من الفضائل، لو أردنا تتبعها وتقصيها لطال بنا المقام، فهي زهرة المدائن وأم بلاد الشام، ويكفيها تكريما وتشريفا ومكانة، أن الله سبحانه وتعالى جعلها أرضا مباركة وطيبة ومقدسة في غير ما آية.
قال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.[1]
فلو لم يكن لبيت المقدس من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية؛ لأنه إذا بورك حوله فالبركة فيه مضاعفة.[2]
عندما نتحدث عن بيت المقدس فإننا نتحدث عن المسجد الأقصى الذي هو أفضل بقعة فيها، وأيضا نتكلم عن فلسطين التي هي قلب بلاد الشام تلك الأرض المقدسة المباركة التي لها فضائل أيضا مكانية وسكانية.
ذكرنا فيما مضى من حلقات عدد من الفضائل المهمة لتلك البقعة المقدسة والمسجد المبارك، وسيأتي معنا تباعا في كل حلقة شيء من ذلك، لكن نركز هنا على بعض الفضائل التي لم تذكر فإن تلك البقعة تميزت عن غيرها من بقاع الأرض بفضيلتي المكان والسكان معا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إني رأيت عمودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فنظرتُ فَإِذَا هُوَ نورٌ ساطعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا إِنَّ الإِيمَانَ -إِذَا وَقَعَتِ الفتن- بالشام».[3]
ورؤيا الأنبياء حق، وَعَمُودُ الْكِتَابِ وَالْإِسْلَامِ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَهُمْ حَمَلَتُهُ الْقَائِمُونَ بِهِ[4]، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن عمود الإسلام الذي هو الإيمان يكون عند وقوع الفتن بالشام، بمعنى: أن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام برآء من ذلك ثابتين على الإيمان، وإن وقعت في غير الدين كان أهل الشام عاملين بموجب الإيمان ومقتضاه، وأي مدح أتم من ذلك لأهل الشام؟! والمراد بعمود الإسلام ما يعتمد أهل الإسلام عليه، ويلتجئون إليه، والعيان شاهد لذلك، فإنا رأينا أهل الشام على الاستقامة التامة، والتمسك بالكتاب والسنة عند ظهور الأهواء واختلاف الآراء.[5]
وقال عليه الصلاة والسلام: «يا طوبَى للشَّامِ يا طوبَى للشَّامِ يا طوبَى للشَّامِ، قالوا يا رسولَ وبم ذلك قال: تلك ملائكةُ اللهِ باسطوا أجنحتِها على الشَّامِ».[6]
طوبى: تأنيث أطيب، أي: راحة وطيب عيش حاصل لها ولأهلها[7]، وقال المناوي: أي تحفها وتحولها بإنزال البركة، ودفع المهالك والمؤذيات[8].
ولأهميتها ومكانتها كان الصحابة - بما فيهم النساء - رضوان الله عليهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ما يتعلق ببيت المقدس، لدرجة تطلب ميمونة بنت سعد مولاة النبي عليه الصلاة والسلام الفتيا فيها، إذ تقول: يا رسولَ اللَّهِ أفتِنا في بيتِ المقدسِ؟
قالَ: «أرضُ المحشَرِ والمنشَرِ».[9]
وأرض المحشر والمنشر: أي البقعة التي يجمع الناس فيها إلى الحساب وينشرون من قبورهم ثم يساقون إليها، وخصت بذلك لأنها الأرض التي قال الله فيها {باركنا فيها للعالمين} وأكثر الأنبياء بعثوا منها فانتشرت في العالمين شرائعهم فناسب كونها أرض المحشر والمنشر.[10]
قال تعالى {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }[11]، يعني: إلى مكان مرتفع من الأرض على ما حوله، ولذلك قيل للرجل، يكون في رفعة من قومه، وعزّ وشرف وعدد: هو في ربوة من قومه، عن قتادة، قال: هو بيت المقدس.[12]
وقال تعالى {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}[13].
قال شيخ الإسلام: إِقْسَامٌ مِنْهُ بِالْأَمْكِنَةِ الشَّرِيفَةِ الْمُعَظَّمَةِ الثَّلَاثَةِ، الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا نُورُهُ وَهُدَاهُ، وَأَنْزَلَ فِيهَا الثَّلَاثَةَ: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ، كَمَا ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ فِي التَّوْرَاةِ بِقَوْلِهِ: " جَاءَ اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَا وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ ".
وَلَمَّا كَانَ مَا فِي التَّوْرَاةِ خَبَرًا عَنْهَا، أَخْبَرَ بِهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا الزَّمَانِيِّ، فَقَدَّمَ الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَقَ.[14]
ومن حديث عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيصيرُ الأمرُ إلى أن تَكونوا جُنودًا مجنَّدةً جُندٌ بالشَّامِ، وجندٌ باليمنِ وجُندٌ بالعراقِ قالَ ابنُ حوالةَ: خِر لي يا رسولَ اللَّهِ إن أدرَكْتُ ذلِكَ، فقالَ: عليكَ بالشَّامِ، فإنَّها خيرةُ اللَّهِ من أرضِهِ، يَجتبي إليها خيرتَهُ من عبادِهِ، فأمَّا إن أبيتُمْ، فعليكُم بيمنِكُم، واسقوا من غُدُرِكُم، فإنَّ اللَّهَ توَكَّلَ لي بالشَّامِ وأَهْلِهِ».[15]
والحديث من أعلام النبوة، وجمع فضيلتي المكان والسكان بقوله «فإن الله توكل لي بالشام وأهله».
وفضائل المسجد الأقصى وبيت المقدس جمة ومتنوعة، أكثر من أن تحصى بمثل هذه الكلمات، ولكن يكفي أنه:
الشقيق الثالث لأعظم مسجدين في الأرض المسجد الحرام والمسجد النبوي، وبورك فيه وبمن حوله البركة الدينية والدنيوية، وهو أول قبلة للمسلمين، وثاني مسجد وضع في الأرض، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وأحد أربعة مساجد لا يدخلها الدجال، وهو رباط المجاهدين ومحل الطائفة المنصورة إلى يوم الدين، وهناك يحسم الصراع بين الحق والباطل آخر الزمان.
وما فيه موضع شبر إلا صلى عليه نبي أو قام فيه ملك أو تعبد متعبد، فهي أرض الأنبياء والأصفياء والأتقياء، أرض المعجزات والكرامات والبشارات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (الإسراء:1).
[2] إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى (1/95).
[3] صححه الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ص12.
[4] مجموع الفتاوى (27/42).
[5] الأرض المقدسة في ضوء الكتاب والسنة (1/11).
[6] صححه الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ص9.
[7] تحفة الأحوذي (10/315).
[8] التيسير شرح الجامع الصغير (2/117).
[9] صححه الوادعي في الصحيح المسند 1662.
[10] فيض القدير (4/171).
[11] (المؤمنون:50).
[12] تفسير الطبري (19/38).
[13] (التين:1-3).
[14] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (5/207).
[15] صحيح سنن أبي داود برقم 2244.