الثورة المصرية.. وشكر واجب
راغب السرجاني
لقد كانت الثورة المصرية ملحمة بكل المقاييس، تضافرت فيها جهود كثيرة،
واجتمعت على إنجاحها عوامل شتى، لكن أنهي مقالي بما بدأته به، أن هذا
كله ما كان يجدي نفعًا، ولا يحدث أثرًا لولا فضل الله، الذي أراد لهذه
الأمة الخير، فكلل جهودها بالنجاح..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.. {
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
لم أكن أتخيل أن هناك هذا اللون من السعادة الجماعية التي رأيتها عند
سماع المصريين وغيرهم من أحرار العالم نبأ رحيل الطاغية مبارك.. لقد
رأيت في ميدان التحرير وفي شوارع مصر عيون الناس وأفئدتهم وأصواتهم
كلها تنطق بسعادة عجيبة لم أعهدها مطلقًا.. بل رأيت على شاشات
التلفزيون نفس مظاهر السعادة في معظم البلاد العربية، وفي كثير من
بلدان العالم الغربي..
لقد كان أمرًا مفرحًا حقًّا..
وإذا كانت هذه الفرحة قد دخلت قلوبنا جميعًا، فإننا يجب أن نقف وقفة
ونقدِّم الشكر الواجب لكل من أسهم في إدخال هذه الفرحة في
قلوبنا..
أولاً: الشكر والحمد والثناء والتبجيل لله رب العالمين:
اللهم يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك.. لك
الحمد حتى ترضى، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد أبدًا أبدًا..
لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء
بعد.. أنزلت علينا نصرك، ودافعت عنا بجندك، وأكرمتنا بلطفك..
أنت الكريم.. أنت العظيم.. أنت الجليل..
بيضت وجوهنا، وأثلجت صدورنا، وسكَّنت قلوبنا.. ونوَّرت
بصائرنا..
الأمر كله لك، والفضل كله لك، والحمد كله لك..
ما فعلنا شيئًا إلا بإذنك وتقديرك، وما حققنا نجاحًا إلا ببركتك
وتوفيقك، وما ثبتنا حين مكر بنا الطغاة إلا بفضلك وتثبيتك..
أنت إلهنا وخالقنا ورازقنا وناصرنا.. نشكرك ونطمع في المزيد منك،
فأنت القائل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ
} [إبراهيم: 7]..
فعلِّمنا يا ربنا كيف نشكرك، وكيف نلجأ إليك، وكيف نتوكل عليك؛ فنحن
بك أقوى من الدنيا جميعًا، ونحن بدونك لا شيء..
ثم بعد شكر الله، نتلمس في قول رسولنا: «
مَنْ لاَ يَشْكُرِ
النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ اللَّهَ
»[1]، ما يُلزمنا بتقديم الشكر -بعد الله- لكل من أسهم
في فرحتنا هذه.
ثانيًا: الشكر لشعب مصر الأصيل:
ثورة مصر 2011 ثورة الشعب، كثيرًا ما ظن الناس أنك قد صرت على هامش
التاريخ، أو مت موتًا لا بعث له، لكنك أثبت أن هذه الظنون خاطئة، وأن
هذه التوقعات بعيدة كل البعد عن الحقيقة..
فالشكر لكل فرد من أفرادك أسهم في هذه الثورة الحضارية بكل
المقاييس..
الشكر للشباب الذين أشعلوا هذه الشرارة المباركة، والذين شاركوا في
اللجان الشعبية الكثيفة التي قامت بدور الشرطة الغائبة..
والشكر للآباء والأمهات الذين قبلوا، بل شجعوا أولادهم وبناتهم على
المشاركة الفعالة في هذا العمل الخطير..
والشكر للنساء والرجال الذين تعاونوا في ميدان التحرير على إخراج
الصورة في أبدع شكل ممكن، فحرصوا على التكامل الرائع، حتى رأينا
المستشفيات الميدانية، ولجان النظام، ولجان النظافة، ولجان الإذاعة،
ولجان الضيوف، ولجان تأمين المكان، ولجان مقاومة البلطجية والمخبرين
ورجال أمن الدولة..
والشكر لكل أفراد الشعب الذين تحملوا المشكلة الاقتصادية التي مرت
بها مصر خلال تعطل الأعمال فيها..
والشكر لكل من رفع يده للسماء يدعو الله أن يثبت أهل الحق، ويزلزل
أهل الباطل، وأن ييسر لهذه الأمة أمر خير ورشد..
حقًّا.. الشكر كل الشكر.. لكم يا شعب مصر العظيم.
ثالثًا: الشكر للقوى الوطنية الفعالة:
مع كون هذه الثورة شعبية بمعنى الكلمة، أي أنه شارك فيها كل أفراد
الشعب رجالاً ونساء وأطفالاً، ومن كل الأطياف والتيارات، إلا أن هناك
شكرًا خاصًّا لا بد أن يُوجَّه إلى مجموعة من القوى الوطنية، التي
أسهمت بشكل فعَّال في إنجاح هذه الثورة..
وينبغي أن نوجِّه الشكر أولاً لمن أشعل شرارة الثورة، وهي المجموعات
الشبابية التي تكوَّنت على شبكة الإنترنت، وكانت لها فعاليات مؤثرة في
أثناء الشهور السابقة للثورة، ومنها مجموعة "كلنا خالد سعيد"؛ وخالد
سعيد هو الشاب السكندريّ الذي مات تحت تعذيب رجلين من شرطة
الإسكندرية. وحركة 6 إبريل التي تأسست في 6 إبريل 2008م، وكان الهدف
من إنشائها التضامن مع العمال من أجل الحصول على حقوقهم. وكذلك مجموعة
شباب الإخوان المسلمين، وهي مجموعة مكونة على الإنترنت، تتحرك بمعزل
عن حركة الإخوان المسلمين الأم، إضافة إلى الحملة الشعبية لدعم
البرادعي..
هذه المجموعات دعت إلى مظاهرة 25 يناير، وكانت البداية التي تطورت
إلى الثورة المباركة..
نعم كانت أعداد هؤلاء الشباب قليلة بالقياس إلى أعداد المشاركين في
الثورة بعد ذلك، لكنهم بدءوا الرحلة التي انتهت باقتلاع كثير من رموز
الفساد في مصر، وما زالت تقتلع، ومن ثَم وجب تقديم الشكر لهم
أولاً.
ثم يأتي في مقدمة الحركات الداعمة للثورة، والمؤثرة فيها جماعة
الإخوان المسلمين، وهي جماعة غنية عن التعريف، وأعضاؤها نشطون في معظم
دول العالم، وهي أكبر تجمع إسلامي منظم في مصر، ولها مشاركات فاعلة
مؤثرة قوية للغاية في المساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والدينية، وقد تحركت من بداية الثورة مع جموع الشباب في يوم 25 يناير
2011م، ثم دخلت بكل ثقلها في يوم الجمعة 28 يناير 2011م، والمعروفة
بجمعة الغضب.
ومن المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين من الجماعات المتميزة في
قدرتها على الحشد، وكان لها الفضل الأكبر في تكثيف المشاركة في
الثورة، وهم الذين تحملوا عبء يوم الأربعاء الدامي 2 فبراير 2011م،
والذي هجمت فيه جموع بلطجية الحزب الوطني على المتظاهرين سلميًّا،
وقال كثير من المشاركين في الثورة: إنه لولا ثبات الإخوان في هذا
اليوم، لكانت النتيجة كارثية بكل المقاييس..
فالشكر كل الشكر لهم على وقفتهم الجريئة، والحق أن الحديث عنهم يحتاج
إلى مقال منفصل؛ لئلا نبخسهم حقًّا من حقوقهم.
ولا ننسى أن نوجه الشكر إلى حركة "كفاية"، وهي حركة تأسست في سنة
2004م، تهدف إلى منع تمديد الحكم للرئيس حسني مبارك، ومنع توريثه
لابنه جمال مبارك، وعلى الرغم من الانقسامات التي حدثت في صفوف
"كفاية" إلا أن رموزها شاركوا في الثورة، وكان لهم تواجد ملموس في
ميدان التحرير.
كما أحب أن أشير إلى أن هناك تجمعات أخرى وأحزابًا تستحق الشكر
والثناء، ولم أحرص على الحصر في هذه العجالة، ولكن وقفت على أبرز
المشاركين فقط.
رابعًا: الشكر للأبطال الشهداء:
شهداء ثورة 25 يناير، ليست هناك ثورة حقيقية بلا شهداء، وكم سعدت
برؤية شباب مصريين يُقبِلون على الموت بهذه الشجاعة! وقد أيقنت عندها
أن الدور الملقى على عاتق مصر كبير للغاية. وأيقنت أيضًا أن هذه الروح
الشجاعة ستكون بإذن الله سببًا في تحرير مصر من الفساد والظلم، وتحرير
العالم الإسلامي من كافة المحتلين في فلسطين والعراق وأفغانستان
والشيشان وغيرها، وليس ذلك على الله بعزيز.
لقد خرج هؤلاء الأطهار يدافعون عن حقوق مسلوبة، ويقفون في وجه طاغوت
متكبر، وقد علمنا أن «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ
»[2]، فكيف بمن قُتل دون مال الأمة
جميعًا؟ وعلمنا أن الذي يقول كلمة الحق عند سلطانٍ جائر مجاهدٌ[3]..
فكيف بمن يُقتل في سبيل ذلك؟ إنه مع سيِّد الشهداء حمزة، كما أخبر
رسولنا[4].
فهنيئًا لكم أيها الشهداء, وهنيئًا لآبائكم وأمهاتكم وإخوانكم
وأخواتكم، فأنتم ستشفعون لهم جميعًا بإذن الله تعالى, وأسأل الله أن
يرضيكم في قبوركم ويوم بعثكم، كما أرضيتم مصر كلها بجهادكم.
خامسًا: الشكر للعلماء الذين أيدوا الثورة وباركوها:
كانت أسعد لحظات حياتي تلك الساعات اليومية التي أقضيها في ميدان
التحرير.. لقد كنت أشعر أن الناس هناك مختلفون عن الناس في أي بقعة
أخرى من مصر, وكنت أشعر أن ما تعلمته في الكتب على مدار السنين لا
يبلغ معشار ما تعلمته في ميدان التحرير, ولقد كانت فرحتي غامرة عندما
أرى الشباب يحيطون بي، يسألونني جميعًا بشغف وقلق: يا دكتور، ألسنا
على الحق؟ فأطمئنهم وأثني عليهم وأبشِّرهم, وكانت أسئلتهم القلقة هذه
تسعدني؛ لأنني أدركت أنهم يبحثون عن رضا الله, ومن كانت هذه حاله
فالخير سيكون على يديه بإذن الله.
ومع ذلك فقد كنت أنا شخصيًّا أحتاج إلى تأييد وتثبيت من الله, وهذا
يكون على أيدي العلماء المخلصين، فكنتُ أسعد كثيرًا بسماع آراء من أثق
في دينهم وعلمهم يؤيِّدون حركتنا, ويشدون على أيدينا..
ويأتي في مقدمة هؤلاء - بلا جدال - العلامة الدكتور يوسف القرضاوي،
الذي كان واضحًا تمام الوضوح من اليوم الأول للثورة, والذي كانت
كلماته تزرع اليقين في قلوب الثوار جميعًا.
أما في ميدان التحرير فكنت أسعد كل يوم برؤية رموز دعوية بارزة تقف
مع الشباب في كل موضع.. تخطب وتهتف وتعلِّم وترشد.. وفي مقدمتهم أخي
وحبيبي وصديقي الدكتور صفوت حجازي, وكذلك المستشار القدير محمد سليم
العوا, والشيخ الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل, والشيخ الجليل أحمد
هليل، وأستاذنا الدكتور جمال عبد الهادي, وحبيبي ورفيقي الدكتور
العالم صلاح سلطان, والشيخ المجاهد الكبير حافظ سلامة, والشيخ الجليل
الدكتور محمد عبد المقصود, وكذلك الشيخ العالم نشأت أحمد، وغيرهم من
رموز العلم والدعوة, وأعتذر بشدة لو سقط اسم من العلماء الكرام لم يتم
ذكره.
إن اتفاق هذه الكوكبة من العلماء والدعاة كان أمرًا رائعًا حقًّا,
وأعاد إلى أذهاننا صورة العالم العامل الناصح المجاهد، وكان هذا من
أكبر صور الدعم للثورة.
وإذا تحدثنا عن العلماء، فإنني أود أن أشير هنا إلى نقطتين
مهمتين:
الأولى: هي أنني أحترم العلماء الذين كانت لهم وجهة نظر شرعية مغايرة
لأمر الثورة, وبالتالي كانوا واضحين في إنكار مسألة الخروج في تظاهرة
أو مسيرة تندِّد بسياسات الحاكم، أو تدعو إلى تنحيته.. أحترم رأيهم -
وإن كنت أخالفهم - وقد أوضحت رأيي في مقال "إنها ليست فتنة 1/2",
وسأكمل قريبًا - إن شاء الله - توضيح رؤيتي في مقالي الثاني "إنها
ليست فتنة 2/2". ومع ذلك، فإنني كما ذكرت أحترم موقفهم الواضح، كما
أحترم تغييرهم لمواقفهم عند تبدِّي الحقيقة لهم, فبعضهم عاد وأعلن
صراحة أنه مع الثورة, ويعتبرها كلمة حق عند سلطان جائر.
فهذه كانت النقطة الأولى, وهي احترام العلماء المخالفين ما داموا
واضحين..
أما النقطة الثانية فهي عدم موافقتي ولا اطمئناني إلى العلماء
والدعاة الذين حاولوا - كما يقولون - أن يمسكوا العصا من منتصفها!
فكلمة مع الثورة وكلمة ضدها, وتأييد للشباب ثم دعوتهم للتعقل وعدم
الخروج في الثورة, وإعلان بشكلٍ ما في قناة, وإعلان بشكل آخر في قناة
أخرى!!
هذا التردُّد, وهذه الرؤية الضبابية وضعت الشباب في حيرة من أمرهم,
ولم يشعروا بالصدق في علمائهم ودعاتهم, بل شعروا أن العالم أو الداعية
لا يقول رأيه متجردًا, إنما ينظر إلى مصلحته هو في المقام الأول..
فإحدى عينيه على الشباب الذين هم وقود دعوته، والذين هم طلبته
وتلامذته, وعينه الأخرى على النظام الذي لا يريد أن يعاديه، فيخسر
كثيرًا لو نجح النظام في قهر الثورة.
إنني لا أدعو العلماء أن يكونوا بلا أخطاء, فهذا مستحيل؛ لأن كل
إنسان يُخطئ إلا المعصومين من الأنبياء والمرسلين, ولكن أدعوهم أن
يكونوا واضحين في رؤيتهم, حاسمين لمواقفهم, متحملين لمسئولية كلمتهم,
وهذا هو الذي يجعل لكلماتهم ومواقفهم مصداقية عند السامعين
والأتباع.
سادسًا: الشكر للقوات المسلحة المصرية:
هناك علاقة عاطفية قوية بين الشعب المصري وجيشه! فالجيش في عين الشعب
هو الحامي للوطن, المدافع عنه, المتجرد لنجدته.. وهم الرجال الذين
يعانون في الصحراء، وعلى الحدود من أجل راحة المواطنين في
بيوتهم..
والشكر كل الشكر للجيش المصري الذي حافظ على هذه العلاقة الحميمة
بينه وبين الشعب في هذه الأزمة الطاحنة.. لقد بدا الجيش كالمنقذ لجموع
الثوار من قوات البلطجية والحزب الوطني والشرطة وأمن الدولة, ووقف
بدباباته ومصفحاته على المحاور المختلفة؛ ليبث الأمان في قلوب
المصريين..
الشكر له على عدم تهوره بإطلاق رصاصة واحدة على مصري, والشكر له
للقبض على المجرمين الذين أطلقتهم الشرطة المصرية, والشكر له على
الابتسامة اللطيفة والرقة في التعامل مع الثوار, والشكر له على الأدب
الجم في الكلمات والأفعال, وهذا في كل طبقات الجيش من أكبر قياداته
إلى أصغر جنوده.
نعم، أشكر الجيش المصري كثيرًا, وإن كان هذا لا يمنعني من التعليق
على عدم رضائي على سكوت الجيش على مجزرة يوم الأربعاء 2 فبراير 2011م,
حيث التزم الحياد - كما صرح بذلك قادته - حتى لا يُتهم بالانحياز إلى
أحد الفريقين!
وكان الأولى أن ينحاز إلى المظلوم على حساب الظالم, وأن يدافع عن
المصري الأعزل الذي يواجه بلطجيًّا خارجًا على القانون..
أنا أتفهم أن الجيش هو مؤسسة داخل المنظومة السياسية الحاكمة للبلد,
ولكن رؤية الظلم المتفاقم في يوم الأربعاء، كان من المفترض أن تجعله
يقف في وجه الخيول والجمال والخناجر وقنابل المولوتوف.. لكن عمومًا
كانت هذه مرة واحدة, وبعدها صار الجيش حاميًا حقيقيًّا لكل المصريين
المشاركين في الثورة.
كما أنني أشكر الجيش على سلاسة قيادته للبلاد بعد تنحي الرئيس حسني
مبارك, وعلى هدوئه في بياناته, وتقديره لحالة الشعب المنزعج من أنظمة
الفساد, وعلى سرعة تعطيل الدستور, وحل مجلسي الشعب والشورى, وعلى منعه
لرموز الحزب الوطني من السفر إلى حين التحقيق معها, وعلى منع السيد
صفوت الشريف والدكتور فتحي سرور من دخول مجلس الشعب؛ لئلا تؤخذ أوراق
قد تدين بعض الأطراف.
حفظ الله جيش مصر, وسدد رميته, وجعله مدافعًا عن الحق والعدل
والكرامة.
سابعًا: الشكر لشعب تونس العظيم:
أكاد أجزم أن الله قد جعل شعب تونس العظيم سببًا مباشرًا في نجاح
الثورة المصرية، فما حدث في تونس من ثورات متلاحقة قبل أحداث مصر
بأسابيع، ونجاح الثورة التونسية في دفع الرئيس التونسي زين العابدين
بن علي للتنحي والهروب، جعل الأمر ممكنًا عند الشباب المصري بالجماعات
والتنظيمات المعارضة، خاصة أن المعارضة في تونس كانت أضعف بكثير من
المعارضة في مصر؛ نتيجة الحرب الشعواء المباشرة التي شنَّها زين
العابدين على المعارضين في الـ 19 سنة الأخيرة (بداية من
1992م).
ومن هنا وجب تقديم الشكر للشعب التونسي المناضل الذي سار الشعب
المصري في ركابه، وعرف المصريون أن التغيير ممكن، وأن التوحُّد على
هدف واحد يجعل تحقيقه أمرًا قريبًا بإذن الله، وهذا ما جعل الأمل لا
يموت في قلوب الثائرين حتى عند اللحظات المظلمة التي كانوا يتعرضون
فيها للضغط الشديد من النظام الفاسد.
ويكفي للدلالة على اعتراف الشعب المصري بجميل الشعب التونسي، رؤية
الأعلام التونسية تعانق الأعلام المصرية في ميدان التحرير، في ظاهرة
حب عميق تستحق كثيرًا من الإعجاب.
ثامنًا: الشكر لكل الشعوب العربية والإسلامية وكذلك الشعوب العالمية
الحرة:
كان من أروع المشاهد التي شاهدتها على شاشات الفضائيات مسيرات
التأييد للثورة، والتي رأيناها في معظم العواصم العربية والإسلامية
والأوربية والأمريكية، وكان اللافت للنظر أن المشاركين في هذه
المسيرات لم يكونوا مصريين فقط، إنما كانوا من كل الجنسيات العربية
والإسلامية، بل شارك فيها أوربيون وأمريكيون غير مسلمين؛ مما يدل على
روعة التجانس الإنساني في قضايا العدل والحق. ومن ثَم وجب تقديم الشكر
لكل هؤلاء الأحرار، ولقد رأيناهم يوزعون الحلوى والمشروبات عند نجاح
الثورة المصرية في مشهد أبكاني كثيرًا، وجعلني أدرك أن الأمل في حياة
كريمة على كوكب الأرض لا يمكن أن يموت.
تاسعًا: الشكر للقنوات الفضائية الإيجابية:
أسهمت بعض القنوات الفضائية بشكل مباشر في نجاح الثورة المصرية،
ويأتي في مقدمتهم بلا جدال قناة الجزيرة، التي بذلت جهدًا خارقًا في
نقل الصورة من داخل ميدان التحرير وغيره من الأماكن المشتعلة بالثورة،
إضافة إلى التحليلات الكثيرة المفيدة والحوارات الناجحة.. بل إنها
صارت في وقت انقطاع الإنترنت والاتصالات في مصر وسيلة التواصل بين
المتظاهرين هنا وهناك، وكان تعاونها لافتًا لكل نظر.
ونوجه الشكر أيضًا لقنوات البي بي سي، وقناة الحرة، وقناة الحوار،
وغيرها من القنوات التي تعاملت مع الأمر بصدق وشفافية، وهذا لم يكن
مفيدًا للثورة فحسب، إنما كان كاشفًا لفساد الإعلام المصري الكاذب
الذي تعامل مع الأمر بتقنيات القرن التاسع عشر، فخرج هزليًّا سخيفًا
ضالاًّ مضلاًّ.
ولعل ما حدث أثناء هذه الثورة من نتائج إيجابية نتيجة الإعلام القوي،
يلفت أنظار المسلمين إلى أهمية هذا السلاح الفعّال، ودوره في إصلاح
الشعوب.
عاشرًا: الشكر لرموز كثيرة خاطرت بمركزها من أجل إنجاح الثورة:
لا ينبغي أن يغيب عنا أن هناك العديد من المصريين الذين يعيشون حياة
مستقرة في ظل النظام القديم، ومع ذلك فقد قاموا يؤيدون الثورة
ويدافعون عنها؛ مما يعرضهم لخسارة كبيرة في حال فشل الثورة، لكن
اتّباع الحق كان واضحًا في سلوكهم؛ مما يجعلنا نوجه لهم الشكر الجزيل
على هذا الأمر، وهم رموز كثيرة يصعب حصرها في هذا المقال، منها رموز
سياسية، ومنها رموز اقتصادية، ومنها رموز رياضية وفنية، ومنها رموز
إعلامية، ومنها رموز دينية.. فجزاهم الله خيرًا كثيرًا، وأسأله أن
يجعل عملهم خالصًا لله..
تلك عشرة كاملة!
لقد كانت الثورة المصرية ملحمة بكل المقاييس، تضافرت فيها جهود
كثيرة، واجتمعت على إنجاحها عوامل شتى، لكن أنهي مقالي بما بدأته به،
أن هذا كله ما كان يجدي نفعًا، ولا يحدث أثرًا لولا فضل الله، الذي
أراد لهذه الأمة الخير، فكلل جهودها بالنجاح..
فلله الحمد في الأولى والآخرة..
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
} [المنافقون: 8].
ونسال الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
الخميس، 17 شباط / فبراير 2011 م
--------------
[1] رواه الترمذي (1954)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[2] رواه البخاري (2348)، ومسلم (141).
[3] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
أفضل الجهاد كلمة عدل عند
سلطان جائر». رواه أبو داود
(4344)، والنسائي (4209)، وابن ماجه (4011)، وصححه الألباني.
[4] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
سيد الشهداء حمزة بن عبد
المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله
». رواه السيوطي في الجامع الصغير
(5988)، وقال الألباني: حسن. انظر حديث رقم (3675) في صحيح
الجامع.