وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ

أبو الهيثم محمد درويش

{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }  [العنكبوت 26-27]

  • التصنيفات: التفسير -

بعدما بذل إبراهيم عليه السلام غاية وسعه في دعوة قومه و بعدما أصروا على عنادهم رغم رؤية آية النجاة من النار تلك الآية الباهرة و رغم اعترافهم بأن آلهتهم لا تنطق و لا تستطيع الدفاع عن نفسها و لا تملك الضر أو النفع لنفسها فضلاً عن غيرها , و مع معرفته بأن الأمر استقر بهم على ما هم فيه من عناد كان قرار الهجرة إلى أرض الشام الأرض المباركة , بعد كل المصاولات و المجادلات و احتمال الأذى انتهت مهمة إبراهيم في قومه و كان أمر الهجرة و الفرار بدينه من أرض السوء و أهلها و هو تمام البراءة من الشرك و المشركين .

فتتالت عليه النعم و بدايات النصر التي بدأت بإيمان لوط ثم تزوجه بأجمل نساء عالمها سارة و إيمانها به ثم كانت المنة العظمى بأن رزقه نسل كله أنبياء , بل لم تنزل رسالة بعده إلا على أحد ذريته إكراماً له و إجلالاً حتى ختموا بالنبي محمد صلى اللّه عليه وسلم وعليهم أجمعين.

وهذا من أعظم المناقب والمفاخر، أن تكون مواد الهداية والرحمة والسعادة والفلاح في ذريَّته، وعلى أيديهم اهتدى المهتدون، وآمن المؤمنون.

قال تعالى :

 {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }  [العنكبوت 26-27]

قال السعدي في تفسيره :

أي: لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه، وهم مستمرون على عنادهم، إلا أنه آمن له بدعوته لوط، الذي نبأه اللّه، وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره.

{ {وَقَالَ } } إبراهيم حين رأى أن دعوة قومه لا تفيدهم شيئا: { {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} } أي: هاجر أرض السوء، ومهاجر إلى الأرض المباركة، وهي الشام، { إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ } أي: الذي له القوة، وهو يقدر على هدايتكم، ولكنه حَكِيمٌ ما اقتضت حكمته ذلك، ولما اعتزلهم وفارقهم، وهم بحالهم، لم يذكر اللّه عنهم أنه أهلكهم بعذاب، بل ذكر اعتزاله إياهم، وهجرته من بين أظهرهم.

فأما ما يذكر في الإسرائيليات، أن اللّه تعالى فتح على قومه باب البعوض، فشرب دماءهم، وأكل لحومهم، وأتلفهم عن آخرهم، فهذا يتوقف الجزم به على الدليل الشرعي، ولم يوجد، فلو كان اللّه استأصلهم بالعذاب لذكره كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة، ولكن لعل من أسرار ذلك، أن الخليل عليه السلام من أرحم الخلق وأفضلهم وأحلمهم وأجلهم، فلم يدع على قومه كما دعا غيره، ولم يكن اللّه ليجري بسببه عذابا عاما.

ومما يدل على ذلك، أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط، وجادلهم، ودافع عنهم، وهم ليسوا قومه، واللّه أعلم بالحال.

{ {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } } أي: بعد ما هاجر إلى الشام { { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} } فلم يأت بعده نبي إلا من ذريته، ولا نزل كتاب إلا على ذريته، حتى ختموا بالنبي محمد صلى اللّه عليه وسلم وعليهم أجمعين.

وهذا [من] أعظم المناقب والمفاخر، أن تكون مواد الهداية والرحمة والسعادة والفلاح في ذريَّته، وعلى أيديهم اهتدى المهتدون، وآمن المؤمنون، وصلح الصالحون. { {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} } من الزوجة الجميلة فائقة الجمال، والرزق الواسع، والأولاد، الذين بهم قرت عينه، ومعرفة اللّه ومحبته، والإنابة إليه.

{ {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} } بل هو ومحمد صلى اللّه عليهما وسلم أفضل الصالحين على الإطلاق، وأعلاهم منزلة، فجمع اللّه له بين سعادة الدنيا والآخرة.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن