صفة علي رضي الله عنه و ترجمته
أحمد الجابري
منذ اللحظات الأولى التي أعلن عليٌّ إسلامه فيها، وهو يعلم أن منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدانيها منزلة أحد من البشر، وأنه لا ينبغي لأحد من المسلمين أن يتردد في أن يفدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه. وكذلك علم أن عليه واجبا تجاه دينه ينبغي أن يؤديه، وقد أثبتت الأيام صدق ما رسخ في نفسه في هذا الوقت.
- التصنيفات: التصنيف العام - سير الصحابة -
اسمُهُ ونَسَبُه:
هو علي بن أبي طالب ([1]) بن عبدالمطلب ([2]) بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
فهو ابن عم رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، ويلتقي معه في جده الأول عبد المطلب بن هاشم، ووالده أبو طالب شقيق عبدالله والد النبي صلَّى الله عليه وسلم.
وأُمُّه هي: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، رضي الله عنها، أول هاشمية ولدت هاشميا، وقد أسلمت وهاجرت، وهي التي سمَّت عليا: أَسَدَاً عند مولده، وسمته بذلك لاسم أبيها أسد بن هاشم، ويدل على ذلك ارتجازه يوم خيبر، حيث قال:
أنا الذي سمَّتني أُمِّي حَيْدَرَه ([3]) كَلَيْثِ غابات كَرِيهِ المَنْظَرَه ([4])
وكان أبو طالب غائبًا فلما عاد، كره هذا الاسم، وسمَّاه عليًا ([5]).
كُنْيتُه:
له كنيتان مشهورتان: الأولى: أبو الحسن، نسبة لابنه الأكبر: الحسن بن علي، وهو ابنه من فاطمة رضي الله عنها.
والثانية: أبو تراب، وتسميته بها من قِبَل النبي صلَّى الله عليه وسلم، ولها قصة:
يقول سهل بن سعد: «ما كان لعليٍّ اسم أحب إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دُعِيَ بها»، فقيل لسهل: أخبرنا عن قصته، لم سُمِّيَ أبا تراب؟ قال: «جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليا في البيت، فقال: «أين ابن عمك؟» فقالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني فخرج، فلم يَقِلْ ([6]) عندي، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لإنسان «انظر، أين هو؟» فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول «قم أبا التراب، قم أبا التراب»([7]).
ويُقال له أيضا: أبو السِّبْطَيْن (الحسن والحسين) ([8]).
مَوْلِدُه:
وقع خلاف بين الروايات في تحديد وقت مولده، ففي بعضها: أنه وُلِد قبل البعثة بخمس عشرة أو ست عشرة سنة ([9])، وفي أخرى: أنه قبل البعثة بثماني سنين ([10])، وفي ثالثة: أنه قبل البعثة بعشر سنين، وهذا الأخير هو ما ذكره ابن إسحاق ([11])، ورجَّحه الحافظ ابن حجر ([12]).
وأمَّا عن مكان مولده؛ فيقول الحاكم: «إن الأخبار تواترت بأن عليًا وُلِد في جوف الكعبة» ([13]).
صِفَتُه:
كان عليٌّ - رضي الله عنه -: شيخًا سمينًا، عظيم البطن، أصلعاً، كثير الشعر، آدم ([14]) شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، أقرب إلى القصر من الطول، عظيم اللحية جدًّا، قد ملأت ما بين منكبيه، أبيض الرأس واللحية، لم يصفه أحد بالخضاب إلا سوادة بن حنظلة؛ فإنه قال: «رأيت علياً أصفر اللحية»، ويشبه أن يكون قد خضب مرة ثم ترك ([15]).
إِسْلامُه:
يقول مجاهد بن جبر: «كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله له، وأراده به من الخير، أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم للعباس عمه، وكان من أيسر بني هاشم،: «يا عباس: إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه، فلنخفف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ أنت رجلا، فنكلهما عنه». فقال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما.
فأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عليا، فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا، فاتبعه علي رضي الله عنه، وآمن به وصدَّقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه» ([16]).
ولهذه المكانة لعلي في بيت النبوة: كان أول من أسلم من الصبيان، واختُلف في أول من أسلم من الرجال عامة: هل هو أبو بكر الصديق أم علي؟ فقال ابن عبدالبر: «الصحيح في أمر أبي بكر أنه أول من أظهر إسلامه، كذلك قال مجاهد وغيره، قالوا: ومنعه قومه. وقال ابن شهاب، وعبدالله بن محمد بن عقيل، وقتادة، وأبو إسحاق: أول من أسلم من الرجال علي. واتفقوا على أن خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدَّقه فيما جاء به، ثم علي بعدها».
ثم أسند ابن عبدالبر إلى محمد بن كعب القرظي أنه سُئِل عن أول من أسلم: عليٌّ أو أبو بكر رضي الله عنهما؟ فقال: «سبحان الله! عليٌّ أولهما إسلاما، وإنما شُبِّه على الناس لأن عليَّا أخفى إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، ولا شك أن عليَّا عندنا أولهما إسلاما» ([17]).
وأيا كان الراجح في هذه المسألة، فهي تدل على فضيلة ظاهرة لعلي رضي الله عنه، في سبقه للإسلام.
أزواجه وأولاده:
تزوج من فاطمة بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وهي أولى زوجاته، ولم يتزوج عليها حتى ماتت، رضي الله عنها، ووُلِد له منها: الحسن، والحسين، وزينب الكبرى، وأم كلثوم الكبرى ([18]).
وتزوج من خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة، ووُلِد له منها: محمد الأكبر، وهومحمد بن الحنفية.
وتزوج من ليلى بنت مسعود بن خالد من بنى تميم، ووُلِد له منها: عبيد الله، وأبو بكر.
وتزوج من أم البنين بنت حزام بن خالد بن جعفر بن ربيعة، ووُلِد له منها: العباس الأكبر، وعثمان، وجعفر الأكبر، وعبدالله.
وتزوج من أسماء بنت عميس الخثعمية، ووُلِد له منها: يحيى وعون.
وتزوج من الصهباء أم حبيب بنت ربيعة بن بجير، ووُلِد له منها: عمر الأكبر، ورقية.
وتزوج من أمامة بنت العاص بن الربيع، ووُلِد له منها: محمد الأوسط.
وتزوج من أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي، ووُلِد له منها: أم الحسن، ورملة الكبرى.
وتزوج من محياة بنت امرئ القيس، ووُلِد له منها: ابنة هلكت وهي جارية.
ووُلِد له من أمهات الأولاد: محمد الأصغر، وأم هانئ، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الصغرى، وأم كلثوم الصغرى، وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جعفر، جمانة ونفيسة.
قال ابن سعد: «فجميع ولد علي بن أبي طالب لصلبه أربعة عشر ذكرا، وتسع عشرة امرأة، وكان النسل من ولده لخمسة: الحسن، والحسين، ومحمد وابن الحنفية، والعباس ابن الكلابية، وعمر ابن التغلبية. ولم يصح لنا من ولد علي رضي الله عنه غير هؤلاء» ([19]).
جِهادُه ونَشْرُه للدين:
منذ اللحظات الأولى التي أعلن عليٌّ إسلامه فيها، وهو يعلم أن منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدانيها منزلة أحد من البشر، وأنه لا ينبغي لأحد من المسلمين أن يتردد في أن يفدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه. وكذلك علم أن عليه واجبا تجاه دينه ينبغي أن يؤديه، وقد أثبتت الأيام صدق ما رسخ في نفسه في هذا الوقت.
ففي حادث الهجرة: عندما تمالأ كفار قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا حول بيته لتنفيذ جريمتهم؛ أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يترك أحدا مكانه في فراشه، وهي مهمة خطرة بلا شك، قد يدفع من يقوم بها حياتَه ثمنا لها، فانتدب النبي صلى الله عليه وسلم عليَّا لها، وقال له: «نَمْ على فراشي، وتَسَجَّ ([20]) ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنَمْ فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» ([21]).
قال ابن عباس: «شَرَى عليٌّ نفسه، فلبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نام في مكانه» ([22]).
ولم يتوقف جهاده في سبيل الله، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حادث الهجرة، بل ترك وطنه وأهله ولحق عليٌّ بنبيه بعد هجرته، وظلَّ يتنقل معه من غزوة لأخرى، ومن مشهد لآخر، فمن بَدْرٍ لأُحُد، ثم الأحزاب، فبيعة الرضوان وصلح الحديبية، ثم خيبر، ثم فتح مكة، وحنين، والطائف، مرورا بالسرايا والمهمات الخاصة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتدبه لها.
يقول النووي: «وأجمع أهل التواريخ على شهوده بدرًا وسائر المشاهد غير تبوك. قالوا: وأعطاه النبى صلَّى الله عليه وسلَّم اللواء في مواطن كثيرة. وقال سعيد بن المسيب: أصابت عليًا يوم أُحُد ستةُ عشر ضربة. وثبت في الصحيحين أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعطاه الراية يوم خيبر، وأخبر أن الفتح يكون على يديه ([23])، وأحواله في الشجاعة وآثاره في الحروب مشهورة» ([24]).
فلم يتخلَّف علي عن غزوة من الغزوات، إلا ما كان منه في غزوة تبوك، حينما استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، فقال له علي: «أتخلفني في الصبيان والنساء؟» فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون، من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟» ([25]).
ولم تقتصر خدمة عليٍّ لدين الله، ونشره له؛ على ميدان القتال والسيف فحسب، بل نَشَرَه كذلك بلسانه، فحمل إلى الأمة حديثا كثيرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وستة وثمانين حديثًا، اتفق البخاري ومسلم منها على عشرين، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة عشر ([26])، هذا بخلاف فتاويه وتعليمه للناس.
يقول النووي: «وأما علمه، فكان من العلوم بالمحل العالي» ([27]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) قال ابن عبدالبر في الاستيعاب (3/ 1089): واسم أَبِي طالب: عبد مناف، وقيل: اسمه كنيته. والأول أصح.ا.هـ
([2]) قال ابن عبدالبر في الاستيعاب (3/ 1089): وكان يُقال لعبدالمطلب: شيبة الحمد.ا.هـ
([3]) حيدره: من أسماء الأسد.
([4]) هذا البيت ثابت الإسناد عن علي رضي الله عنه، وقد جاء ضمن حديث أخرجه مسلم (كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها، رقم 1807) عن سلمة بن الأكوع.
([5]) الرياض النضرة (3/ 107).
([6]) من القيلولة، وهي النوم في نصف النهار.
([7]) متفق عليه: أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، باب نوم الرجال في المسجد، رقم 441، وكتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب، رقم 3703، وكتاب الأدب، باب التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى، رقم 6204، وكتاب الاستئذان، باب القائلة في المسجد، رقم 6280) ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب، رقم 2409) واللفظ لمسلم.
([8]) أسد الغابة (4/ 87)، تهذيب الأسماء واللغات (1/ 344)، تاريخ الخلفاء (ص: 130).
([9]) المعجم الكبير للطبراني (1/ رقم 163).
([10]) المصدر السابق (1/ رقم 162)، الاستيعاب (3/ 1092).
([11]) السيرة النبوية لابن إسحاق (ص: 137).
([12]) فتح الباري (7/ 174).
([13]) المستدرك (3/ 550) هكذا ساقه بلا إسناد، وقال الفاكهي في أخبار مكة (3/ 198): وأول من وُلِد في الكعبة من بني هاشم من المهاجرين: علي بن أبي طالب رضي الله عنه.ا.هـ
([14]) أي: أسمر اللون.
([15]) تاريخ الطبري (5/ 153)، الاستيعاب (3/ 1111)، صفة الصفوة (1/ 116)، تاريخ الخلفاء (ص: 130).
([16]) سيرة ابن هشام (1/ 246) وإسناده صحيح إلى مجاهد.
([17]) الاستيعاب (3/ 1092)، ورجَّح الحاكم في المستدرك (3/ 147) أن أبا بكر الصديق t كان أول الرجال البالغين إسلاما، وعلي بن أبي طالب تقدم إسلامه قبل البلوغ.
([18]) قال الطبري في التاريخ (5/ 153): ويُذكر أنه كان لها منه ابن آخر يسمى محسنا، توفي صغيرا.ا.هـ
([19]) طبقات ابن سعد (3/ 19- 20)، وانظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (5/ 69).
([20]) تسجَّى بالثوب: غطَّى به جسده ووجهه.
([21]) هذه القصة مما تتابع على نقلها أهل السير، ولم أقف لها على إسناد صحيح للآن!
انظر: سيرة ابن هشام (1/ 482- 483)، طبقات ابن سعد (1/ 228)، دلائل النبوة لللبيهقي (2/ 465- 470)، البداية والنهاية (4/ 441).
([22]) في سنده لابن عباس ضعف، وسيأتي تخريجه بإذن الله ضمن حديث طويل لابن عباس في مُسنَده برقم (4652).
([23]) حديث الراية وفتح خيبر: يأتي تخريجه والكلام عليه بإذن الله في مُسند سعد بن أبي وقاص، برقم (4575).
([24]) تهذيب الأسماء واللغات (1/ 345).
([25]) يأتي تخريجه والكلام عليه بإذن الله في مُسند سعد بن أبي وقاص، برقم (4575).
([26]) تهذيب الأسماء واللغات (1/ 345).
([27]) المصدر السابق.