الجدال بغير بصيرة
أبو الهيثم محمد درويش
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [العنكبوت 46]
نهى ربنا سبحانه عن الجدال بغير بصيرة , سواء كانت البصيرة بحال المدعوين أو البصيرة بما يدعو إليه , مع توخي الأدب في الجدال إذا لزم الأمر جدالاً و الوقوف على قواعد ثابتة يؤيدها النقل والعقل .
و التماس مواضع الاتفاق قبل مواضع الاختلاف مع الخصم حتى لا يكون المؤمن صاداً عن سبيل الله منفراً عن الحق .
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [العنكبوت 46]
قال السعدي في تفسيره:
ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله، لأن المقصود منها ضائع.
{ { وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} } أي: ولتكن مجادلتكم لأهل الكتاب مبنية على الإيمان بما أنزل إليكم وأنزل إليهم، وعلى الإيمان برسولكم ورسولهم، وعلى أن الإله واحد، ولا تكن مناظرتكم إياهم على وجه يحصل به القدح في شيء من الكتب الإلهية، أو بأحد من الرسل، كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم، يقدح بجميع ما معهم، من حق وباطل، فهذا ظلم، وخروج عن الواجب وآداب النظر، فإن الواجب، أن يرد ما مع الخصم من الباطل، ويقبل ما معه من الحق، ولا يرد الحق لأجل قوله، ولو كان كافرا. وأيضا، فإن بناء مناظرة أهل الكتاب، على هذا الطريق، فيه إلزام لهم بالإقرار بالقرآن، وبالرسول الذي جاء به، فإنه إذا تكلم في الأصول الدينية التي اتفقت عليها الأنبياء والكتب، وتقررت عند المتناظرين، وثبتت حقائقها عندهما، وكانت الكتب السابقة والمرسلون مع القرآن ومحمد صلى اللّه عليه وسلم قد بينتها ودلت عليها وأخبرت بها، فإنه يلزم التصديق بالكتب كلها، والرسل كلهم، وهذا من خصائص الإسلام.
فأما أن يقال: نؤمن بما دل عليه الكتاب الفلاني، دون الكتاب الفلاني وهو الحق الذي صدق ما قبله، فهذا ظلم وجور، وهو يرجع إلى قوله بالتكذيب، لأنه إذا كذب القرآن الدال عليها، المصدق لما بين يديه من التوراة، فإنه مكذب لما زعم أنه به مؤمن.
وأيضا، فإن كل طريق تثبت به نبوة أي: نبي كان، فإن مثلها وأعظم منها، دالة على نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وكل شبهة يقدح بها في نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن مثلها أو أعظم منها، يمكن توجيهها إلى نبوة غيره، فإذا ثبت بطلانها في غيره، فثبوت بطلانها في حقه صلى اللّه عليه وسلم أظهر وأظهر.
وقوله: { { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} } أي: منقادون مستسلمون لأمره. ومن آمن به، واتخذه إلها، وآمن بجميع كتبه ورسله، وانقاد للّه واتبع رسله، فهو السعيد، ومن انحرف عن هذا الطريق، فهو الشقي.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن