(14) إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا
محمد علي يوسف
المنافق ليس محبا للفاحشة وحسب إنه محب لشيوعها بين الناس، وتلك من أهم الأمارات والعلامات قضيته ليست مجرد شهوة كمثل المؤمن العاصي الذي ضعف أمام غريزة وغلبه هوى وهو يقر بذلك الضعف ويتمنى أن ينتصر عليه يوما الأمر مع المنافق مختلف تماما إنه ليس فاسدا وحسب إنه مفسد.
- التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية معاصرة -
والمنافق ليس محبا للفاحشة وحسب إنه محب لشيوعها بين الناس، وتلك من أهم الأمارات والعلامات قضيته ليست مجرد شهوة كمثل المؤمن العاصي الذي ضعف أمام غريزة وغلبه هوى وهو يقر بذلك الضعف ويتمنى أن ينتصر عليه يوما الأمر مع المنافق مختلف تماما إنه ليس فاسدا وحسب إنه مفسد.
هو في هذا الباب إيجابي جدا رسالته الإفساد وقضيته إشاعة الباطل وخطاياه متعدية وليست قاصرة عليه وحسب { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} هكذا جزم القرآن بحقيقتهم، ومن تمام الإفساد أن تكون الفواحش سهلة المنال يسيرة الوقوع عادية الأثر... لكن لماذا؟
لماذا يهتم المنافق بشيوع الفاحشة بهذا الشكل؟! الإجابة ببساطة ستعيدك مرة أخرى لأصل الداء ومكمن المرض ستعيدك إلى عقيدة المنافق التي سبق أن تحدثنا عنها عقيدة المصلحة إن مصلحة المنافق هي إلهه الوحيد هي المحرك الذي يقوده يمنة أو يسرة، وحين تشيع الفاحشة فلن يكون وحده سيكون الأمر أهون وسيصير الوصول إلى الشهوات واللذات أيسر وستكون الخبائث أقرب وهاهنا مصلحته، وقد يكون لدى بعض المنافقين بقايا ضمير لم تمت بعد فمثل هذا يحب أن تشيع الفاحشة كي يرضى عن نفسه ويسكن بقايا ذلك الضمير يحب أن تشيع الفاحشة لكي يقول لنفسه ها قد عمت البلوى وكل الناس مثلي ولست بدعا من الفساق، وربما كان يحبها لأسباب تآمرية أخرى مع شياطينه الذين يخلو بهم المهم أن غايته كقدوته وهدفه مثل هدف إمامه حين غوى وعصى فقال { لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.
إنه رد فعل نفسي في أصله يميل فيه الساقط لئلا يكون وحيدًا في تلك الدركات التي يعلم بينه وبين نفسه أنها دركات فلماذا يهوي فيها وحده؟
لسان حاله فليسقطوا معي جميعًا وليهووا كما هويت ولا أحد أحسن من أحد؛ لذلك فهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
ولأن ذنبهم لم يعد قاصرًا وصاروا متعدين مفسدين لغيرهم ولأن من علامات الإيمان محبة الخير للغير كما يحبه المرء لنفسه بينما هؤلاء المفسدون يحبون الشر للناس ويدلونهم عليه فإن ذلك دل على نقصان إيمانهم وانعدام ضميرهم فاستحقوا لأجل ذلك العذاب في الدنيا والآخرة {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
لأجل هذا كان التغليظ الشديد على قاذف المحصنات لأجل ذلك كان زجره وردعه لدرجة أن يكون حده قريبا من حد الزناة أنفسهم بل وتسقط شهادته ويسمى فاسقًا ويلعن في الدنيا والآخرة وله عذاب عظيم {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
إن المتأمل في عقوبة القاذف دون أن ينظر إلى مآلات فعله على المجتمع ربما يراه فقط كذب أو تفحش في الكلام لذا قد يستعظم تلك العقوبة لكن إذا أرجع البصر كرة أخرى إلى مجتمع يتهاون مع القاذفين فتتفشى فيه الفاحشة وتصير هينة على الألسنة والصدور لغير رأيه لا محالة ... فلانة عاهرة... فلان ساقط... علانة زنت مع علان... وترتانة ترافق ترتان.
تخيل مجتمعًا تنتشر فيه أمثال تلك العبارات التي لا يجد الناس حرجًا من تردادها دون عقوبة تردعهم وترهيب أخروي يزجرهم تخيل هوان الفاحشة على الناس في مجتمع مثل هذا الذي يصير فيه القذف والرمي بالعهر نوعًا من الهزل والمزاح.
تخيل كم الأذى والفضائح السهلة لأي أسرة تقع في مشكلة مع أخرى أو بين المختلفين أو حتى الأعداء فتصير الأعراض كلئا مباحًا يفعل به قليلو الورع ما شاءوا وينال منه الفجار ليلًا ونهارًا.
تخيل ذلك وتذكر ما حدث في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم حين تولى عبد الله بن أبي بن سلول كبره وقذف عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه بكلمة قد تبدو يسيرة هينة لكنها أقامت المدينة شهرا وكان الإفك المبين الذي تلقاه البعض بألسنتهم ورددوا مع من ردد وكادت أن تستعر الفتنة، والأصل كان منافقا واحدا وقذفة واحدة لكنها عند الله عظيمة؛ لذا كان لا بد من ردع هؤلاء بشكل حاسم بحد قوي زاجر وبترهيب أخروي حازم قاصم {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}.
لكن كل هذا الترهيب لم يمنع وجود هؤلاء المفسدين ولم يقلل حبهم لتلك الآفة لم يقلل حبهم لشيوع الفاحشة ببساطة لأنهم كما بينت الحقيقة القرآنية التي يصرون على نفيها وادعاء ضدها حقيقة أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون