ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
أبو الهيثم محمد درويش
{ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [ الروم 33 – 35] .
- التصنيفات: التفسير -
عند الشدة و الاضطرار يلجأ البشر إلى الله مجبرين , الكل ينظر إلى السماء و ينتظر مددها حتى الكافر , الكل يرجو من يزيل الشدة و يفرج الكربة و الكل يعلم أنها بيد من في السماء وحده .
فإذا زالت الشدة و أعقبها يسر و رحمة بدأت تزول الخشية شيئاً فشيئاً , و عاد الكافر لكفره و المشرك لشركه و غرته دنياه و غره طول الأمل , و هو لا يدري أن قيامته قد تقوم بعد أنفاس معدودات و ساعتها سيلقى الله بما قدمت يداه .
أي غرور هذا الذي يجر صاحبه على اتباع الهوى و التمتع بالمحرمات و البعد عن أوامر الرحمن , أسلطان نزل من السماء فدعاهم لهذا الغرور و طمأنهم على ما هم عليه من شرك أو فجور ؟؟؟
{ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [ الروم 33 – 35] .
قال السعدي في تفسيره :
لما أمر تعالى بالإنابة إليه -وكان المأمور بها هي الإنابة الاختيارية، التي تكون في حَالَي العسر واليسر والسعة والضيق- ذكر الإنابة الاضطرارية التي لا تكون مع الإنسان إلا عند ضيقه وكربه، فإذا زال عنه الضيق نبذها وراء ظهره وهذه غير نافعة فقال:
{ {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ } } مرض أو خوف من هلاك ونحوه. { {دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} } ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال لعلمهم أنه لا يكشف الضر إلا اللّه.
{ {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً } } شفاهم من مرضهم وآمنهم من خوفهم، { {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ } } ينقضون تلك الإنابة التي صدرت منهم ويشركون به من لا دفع عنهم ولا أفقر ولا أغنى، وكل هذا كفر بما آتاهم اللّه ومَنَّ به عليهم حيث أنجاهم، وأنقذهم من الشدة وأزال عنهم المشقة، فهلا قابلوا هذه النعمة الجليلة بالشكر والدوام على الإخلاص له في جميع الأحوال؟
{ {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا } } أي: حجة ظاهرة { { فَهُوَ } } أي: ذلك السلطان، { {يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } } ويقول لهم: اثبتوا على شرككم واستمروا على شككم فإن ما أنتم عليه هو الحق وما دعتكم الرسل إليه باطل.
فهل ذلك السلطان موجود عندهم حتى يوجب لهم شدة التمسك بالشرك؟ أم البراهين العقلية والسمعية والكتب السماوية والرسل الكرام وسادات الأنام، قد نهوا أشد النهي عن ذلك وحذروا من سلوك طرقه الموصلة إليه وحكموا بفساد عقل ودين من ارتكبه؟.
فشرك هؤلاء بغير حجة ولا برهان وإنما هو أهواء النفوس، ونزغات الشيطان.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن