فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ

أبو الهيثم محمد درويش

{ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}  [الروم 38 - 39]

  • التصنيفات: التفسير -

أمر تعالى بإخراج الزكوات لإشاعة التعاون و التضامن بين طبقات المجتمع و جعلها حق على الغني للفقير المحتاج أو من يجعله وضعه و ترحاله في حاجة و شدة كأبناء السبيل المسافرين المحتاجين للعون و الزاد .

إخراج المال فيه الخير و السعادة لمن تخلى عن البخل و نزع عن قلبه محبة الدنيا و آثر وجه الله و العمل الصالح , و لأن الجزاء من جنس العمل فأولئك هم المفلحون الناجحون في اختبار الحياة الناجون من عذاب الله .

أما من ضن و كنز المال و انشغل بطلب المزيد و لو من حرام , فأولئك لا أجر لهم في تعاطيهم و تعاملاتهم بل الوزر من نصيبهم بما اقترفوا من ربا و احتيال و طمع في أموال الناس و حاجتهم .

ففارق كبير من بين يسد حاجة أخيه بالعطاء و بين من يستغل الحاجة بالمراباة طمعاً في مزيد من الكسب و لو من حرام .

أهل الزكاة و الصدقة يضاعف لهم الله تعالى أموالهم و أجورهم بأفضل مما كان يرجو أهل الربا , ثم لهم الأجر الوفير في الآخرة كما نالوا البركة في الدنيا .

 { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}  [الروم 38 - 39]

قال السعدي في تفسيره :

أي: فأعط القريب منك -على حسب قربه وحاجته- حقه الذي أوجبه الشارع أو حض عليه من النفقة الواجبة والصدقة والهدية والبر والسلام والإكرام والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوته. وكذلك آت المسكين الذي أسكنه الفقر والحاجة ما تزيل به حاجته وتدفع به ضرورته من إطعامه وسقيه وكسوته.

{ {وَابْنَ السَّبِيلِ} } الغريب المنقطع به في غير بلده الذي في مظنة شدة الحاجة، لأنه لا مال معه ولا كسب قد دبر نفسه به في سفره، بخلاف الذي في بلده، فإنه وإن لم يكن له مال ولكن لا بد -في الغالب- أن يكون في حرفة أو صناعة ونحوها تسد حاجته، ولهذا جعل اللّه في الزكاة حصة للمسكين وابن السبيل. { { ذَلِكَ} } أي: إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل { {خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ} } بذلك العمل { {وَجْه اللَّهِ} } أي: خير غزير وثواب كثير لأنه من أفضل الأعمال الصالحة والنفع المتعدي الذي وافق محله المقرون به الإخلاص.

فإن لم يرد به وجه اللّه لم يكن خيرا لِلْمُعْطِي وإن كان خيرا ونفعا لِلْمُعْطي كما قال تعالى: { { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} } مفهومها أن هذه المثبتات خير لنفعها المتعدي ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما.

وقوله: { {وَأُولَئِكَ} } الذين عملوا هذه الأعمال وغيرها لوجه اللّه { {هُمُ الْمُفْلِحُونَ } } الفائزون بثواب اللّه الناجون من عقابه.

ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه [من النفقات] ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال: { { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُو فِي أَمْوَالِ النَّاسِ } } أي: ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي: يزيد في أموالكم بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها، فهذا العمل لا يربو أجره عند اللّه لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص. ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس فهذا كله لا يربو عند اللّه.

{ {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ } } أي: مال يطهركم من الأخلاق الرذيلة ويطهر أموالكم من البخل بها ويزيد في دفع حاجة الْمُعْطَى. { تُرِيدُونَ } بذلك { {وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } } أي: المضاعف لهم الأجر الذين تربو نفقاتهم عند اللّه ويربيها اللّه لهم حتى تكون شيئا كثيرا.

ودل قوله: { {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} } أن الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق أو مع دَيْنٍ عليه لم يقضه ويقدم عليه الصدقة أن ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد ويرد تصرفه شرعا كما قال تعالى في الذي يمدح: { {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} } فليس مجرد إيتاء المال خيرا حتى يكون بهذه الصفة وهو: أن يكون على وجه يتزكى به المؤتي.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن