من معالم التربية النبوية (3)

خالد سعد النجار

صلاة العبد صلاة من يظن أن لا يصلي غيرها، ويستحضر فيها قرب الله منه، وأنه بين يديه كأنه يراه، أجدر أن يولد في القلب الخشوع، كما ثبت في الحديث الحسن عنه -صلى الله عليه وسلم-: «اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها»

  • التصنيفات: التصنيف العام - فقه الصلاة -

بسم الله الرحمن الرحيم

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  « صل صلاة مودع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، وايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا، وإياك وما يعتذر منه»   

أ‌. مراعاة الآداب الظاهرة للصلاة 

• وضع اليد اليمنى على اليسرى: وهذا من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  حيث يقول: «إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة» (33) 

وسئل الإمام أحمد عن المراد بوضع اليدين إحداهما على الأخرى حال القيام؟ فقال: هو ذل بين يدي العزيز (34)

وقال ابن حجر في الفتح: "قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث، وأقرب إلى الخشوع" (35) 

• النظر موضع السجود: لما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى طأطأ رأسه، ورمى ببصره نحو الأرض. (36) 

ولما دخل -صلى الله عليه وسلم- الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها. (37) 

• عدم الانشغال بتسوية الحصى: روى البخاري عن معيقيب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: «إن كنت فاعلا فواحدة» (38) 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لابد فاعلا فواحدة» (39) 

وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد في ماء وطين وبقي أثر ذلك في جبهته (40)

ولم يكن ينشغل في كل رفع من السجود بإزالة ما علق، فالاستغراق في الصلاة والخشوع فيها ينسي ذلك ويشغل عنه، وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن في الصلاة شغلا» (41) 

وعن أبي الدرداء قال: "ما أحب أن لي حمر النعم، وأني مسحت مكان جبيني من الحصى". 

وقال عياض: كره السلف مسح الجبهة في الصلاة قبل الانصراف [يعني الانصراف من الصلاة] (42) 

• عدم التشويش بالقراءة على الآخرين: كما أمر بذلك الحبيب -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» أو قال: «في الصلاة» (43) 

• ترك الالتفات في الصلاة: لحديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه» (44) 

وقد سئل -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة؟ فقال:  «اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» (45) 

• عدم رفع البصر إلى السماء: ففي الحديث الصحيح قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء أن يلتمع بصره» (46) 

• أن لا يبصق أمامه في الصلاة، وأن يجاهد التثاؤب: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله تبارك وتعالى ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها» (47) 

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع» (48) 

• الطمأنينة في الصلاة: ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يطمئن في صلاته حتى يرجع كل عظم إلى موضعه (49) 

وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:  «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها» (50) 

الأمور الباطنة الواجب اتباعها لتحقيق الخشوع في الصلاة 

1- أن تصلي صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك 

كما ورد في هذا الحديث الشريف الذي نحن بصدده.. قال المناوي «صل صلاة مودع» أي مودع لهواه مودع لعمره وسائر إلى مولاه «كأنك تراه» أي عياناً (51)

فصلاة العبد صلاة من يظن أن لا يصلي غيرها، ويستحضر فيها قرب الله منه، وأنه بين يديه كأنه يراه، أجدر أن يولد في القلب الخشوع، كما ثبت في الحديث الحسن عنه -صلى الله عليه وسلم-: «اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها» (52) 

2- تدبر آيات القرآن وغيرها من أذكار الصلاة 

ومما يعين على التدبر: أن يقطع قراءته آية آية، والوقوف عند رؤوس الآيات، وأن يُحسن صوته بالقرآن، ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها (53)

ومما يعين على التدبر –أيضا-: ترديد الآيات، ومعاودة النظر في المعنى، والتفاعل معها. وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح (54)

وقال حذيفة -رضي الله عنه-: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة يقرأ مسترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ. (55) 

3- أن يعلم أن الله تعالى يجيبه في صلاته 

ففي الحديث القدسي: «قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم. قال الله: أثنى علي عبدي. فإذا قال: مالك يوم الدين. قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل» (56)

فينبغي على العبد إجلال هذه المخاطبة، ووضعها الموضع اللائق بها، حيث يقول -صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم إذا قام يصلي، فإنما يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه» (57) 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 33) رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم 11485 قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد   (3/155)

(34)  الخشوع في الصلاة، ابن رجب ص 21    

(35) فتح الباري 2/224  

(36) (37) رواه البيهقي والحاكم وصححه قال الألباني في صفة الصلاة ص 69 وهو كما قال (والإرواء 354 )

(38) فتح الباري 3/79    

(39) رواه أبو داود رقم 946 صحيح الجامع  برقم 7452      

(40) البخاري حديث رقم 1914  

(41) رواه البخاري، فتح الباري 3/72    

(42) الفتح 3/79    

(43) رواه أبو داود 2/83 وصحيح الجامع برقم 752      

(44) رواه أبو داود  برقم 909    

(45) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة  

(46) رواه أحمد 5/294 وهو في صحيح الجامع برقم756      

(47) رواه البخاري، الفتح رقم 1416/512 كتاب الصلاة  

(48) رواه مسلم 7283 كتاب الزهد والرقائق باب9    

(49) صحح إسناده الألباني في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ص 134  

(50) رواه أحمد وهو في صحيح الجامع برقم 986

(51) فيض القدير للمناوي ص453    

(52) السلسلة الصحيحة للألباني 1421 ونقل عن السيوطي تحسين الحافظ ابن حجر لهذا الحديث    

(53) رواه مسلم برقم 733    

(54) رواه ابن خزيمة (1/271) وأحمد (5/149) وفي صفة الصلاة للألباني ص 102

(55) رواه مسلم برقم 772    

(56) رواه مسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم 395

(57)رواه الحاكم في مستدركه، صحيح الجامع برقم 1538    

(58) الوابل الصيب / ابن القيم ص 36