يا حسرتك يا مبارك

ملفات متنوعة

تحمل إلينا الأنباء الواردة من مصادر داخل مستشفى شرم الشيخ أن الرئيس
المصري المخلوع حسني مبارك قام في حركة هستيرية بضرب يديه فوق رأسه
عدة مرات وهو يقول: "أنا اللي جبت ده كله لنفسي"، ثم يصمت ويقول:
"خونة كلهم باعوني واعترفوا علي".

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -



تحمل إلينا الأنباء الواردة من مصادر داخل مستشفى شرم الشيخ أن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك قام في حركة هستيرية بضرب يديه فوق رأسه عدة مرات وهو يقول: "أنا اللي جبت ده كله لنفسي"، ثم يصمت ويقول: "خونة كلهم باعوني واعترفوا علي".

وبحسب المصادر، فإن مبارك اعترف أنه أخطأ في حياته مرتين الأولى عندما قرر التنحي عن الرئاسة وتسليمها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والثانية عندما لم يسمع كلام زوجته سوزان بالهروب إلى السعودية أو الإمارات وقرر البقاء في مصر.

وكان مصدر طبي بالمستشفى قال: إن مبارك قرر الإضراب عن الطعام لقرب ترحيله إلى مستشفى طرة، كما أنه طلب من النائب العام تمكينه من زيارة قبر حفيده محمد علاء مرددا قوله: "كلنا إلى زوال".

وطلب مبارك من النيابة بقائه بمستشفى شرم الشيخ وعدم "بهدلته" في أيامه الأخيرة وأنه "بيتمنى الموت قبل ترحيله إلى سجن طرة" وأنه "على استعداد للتنازل عن كل أملاكه كتابة مقابل إخلاء سبيله ونجليه".


أما زوجته سوزان فقد طلبت وساطة بعض رؤساء العرب لدى الحكومة المصرية للإفراج عنه وعدم محاكمته.

تصوروا!! لم يعترف حسنى مبارك بأنه أخطأ في حياته إلا مرتين؛ الأولى عندما قرر التنحي عن الرئاسة والثانية عندما لم يسمع كلام زوجته سوزان بالهروب خارج البلاد!

أما ما فعله في البلاد والعباد من أهوال ومصائب طوال سنوات حكمه السوداء التي استمرت ثلاثين عاما فلم يعترف أنه ارتكب خلالها أي خطأ.

لا يهم أن يعترف.. المهم أن الله سبحانه وتعالى قد سلّط عليه نفسه.


إن ما يشعر به هو الحسرة، وتعني في قاموس اللغة: شدة التلهف والحزن والتأسف والندامة العظيمة.. وقد تؤدي به إلى الجنون.

وهذه صورة من صور الانتقام الإلهي، ولكنها ليست الصورة الوحيدة؛ فربما تكون العقوبة غير مرئية للآخرين؛ كأن يسلب النوم، أو يصاب بالضيق، والقلق، والاكتئاب، والخوف، والرعب، وهذا اللون من العقوبة غير المرئية قد لا يكون ظاهرا للدعاة والمظلومين، ولكن الله تعالى يؤكد هذا الأمر في الآية الكريمة بقوله: { فَإمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ . أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } [الزخرف: 41].
ويقول تعالى: {وَإمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوفَّيَنَّكَ فَإلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 46].

ومن هذه الآيات يتأكد لنا بأن انتقام الله من الظالمين سنة ماضية لا تتبدل، وأن صور الانتقام تتعدد؛ فقد تكون مرئية أمام الناس جميعا، وقد تكون غير مرئية، وقد تكون في حياة الدعاة والمظلومين، أو قد تكون بعد مماتهم، وقد تكون يوم القيامة.. فلا يقلق الدعاة في هذا الأمر، وليتركوا قضية الانتقام لربهم القادر على كل شيء، ولينشغلوا في أمر هذه الدعوة، ونشرها بين الناس.


لقد آتاه الله ملكا عظيما.. ملك مصر، ولكنه لم يتق الله، ولم يتق دعوة المظلوم، لا هو ولا أسرته ولا جنوده، فجرى لهم ما جرى للبراكمة.

والبرامكة: أسرة عاشت في عهد العباسيين، كانوا يطلون قصورهم بماء الذهب، لكن أعرضوا عن الله فما عدلوا وما خافوا الله، بل جمعوا كأس الخمر والفتيات والغانيات في قصورهم.
فحذّرهم أحد العلماء وقال لهم: انتبهوا إن النعم لا تفيد إلا بالشكر.
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم..
وحافظ عليها بتقوى الإله فإن الإله سريع النقم

لكن ما فعلوا، وفي لحظة من اللحظات غضب الله عليهم فأهلكهم بأقرب الناس إليهم: هارون الرشيد، فاجتاحهم بالسيف فقتل شبابهم ضحى وأخذ شيوخهم وهم يتباكون إلى السجن فحبسهم.

فكان يحيى بن خالد البرمكي أحدهم يبكي في السجن سبع سنوات، قال له أحد الناس وقد زاره في السجن: ما هذا البلاء يا يحيى؟ قال: عصينا الله فأصابتنا دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها.
سبحان الله! دعوة المظلوم، دعوة الصالحين في ظلام الليل.


نزع الله الملك من حسنى مبارك من حيث لم يحتسب، وأذلّه الله، والنزع: هو القلع بشدة ممن يتشبث ويتمسك بكرسي الحكم، قال تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 26].

يقول الإمام عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ) في تفسير هذه الآية: "يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها، فقال: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر.

ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر وعدم التنازع، قال الله تعالى: { وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [النور: 55] الآية، فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور، وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } [الأنفال: 62، 63] الآية، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45، 46]، فأخبر أن ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء، وأنت إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم، ثم قال تعالى: { وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بطاعتك { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } بمعصيتك { إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك".


ومن دعاء الصالحين والمظلومين الذين أصاب مبارك وجنوده:
يا رب اللهُمَّ عليك بمن ظلمني، اللهُمَّ اسقم جسده، وانقص أجله، وخيّب أمله، وأزل ظلمه، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكّه من حزنه، وصيِّر كيده في ضلال، وأمره إلى زوال، ونعمته إلى انتقال، وجدّه في سفال، وسلطانه في اضمحلال، وعافيته إلى شر مآل، وأمِتْه بغيظه إذا أمتّه، وأبقه لحزنه إن أبقيته، وقني شرّه وهمزه ولمزه، وسطوته وعداوته، فإنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً.
قولوا آمين..


02/05/2011 م

كاتب المقال مساعد وزير الداخلية سابقا.
 

المصدر: لواء د. عادل عفيفي - موقع جريدة المصريين