(20) المنافق جسد خاوٍ وإن عظم بنيانه

محمد علي يوسف

المنافقون كيانات عديمة القدر أينما توجهها أو تستعملها لا تأت بخير.. كيانات فقدت دورها وأهميتها كما.. فقدت المشاعر الطبيعية.

  • التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية -

{خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}:  [المنافقون: 4] ذلك هو التشبيه الأجمع الذي اختاره ربنا سبحانه وتعالى ليلخص حال المنافقين وموقعهم من سائر المؤمنين..

 

إن كلمة خشب بمفردها ولأول وهلة تلقي في النفس انطباعات تلقائية.. القسوة.. الخشونة.. الغلظة.. التيبس.. كل هذه الانطباعات توقعها في النفس تلك الكلمة.

 

ذلك لأن الخشب هو ببساطة ما استطال وغلظ من العيدان والأغصان.. حينئذ يقال له خشب.. إنه إذن مجرد جماد يابس.

 

لم يقل الله هذا السياق شجرا مثلا أو حتى غصن أو غيرها من الألفاظ التي قد توحي ببعض الحيوية بل وقع الاختيار على الخشب اليابس المُنْبَت عن أصله الفاقد لكل معاني النضارة والحيوية فلا جذر ممتد يُروى ويسقى ويمده بأسباب الحياة ولا مدد سماوي يرطبه ويهون من قسوته.

 

والخشب مهما ضخم واستطال حجمه فإنه يظل خاليا من الحياة مفتقرا إلى الإدراك فاقدا للتأثر بما حوله من المتغيرات والأحداث..

 

وكذلك المنافق:  

 

جسد خاوٍ وإن عظم بنيانه.. قاسي القلب متبلد المشاعر قاصر الإدراك فظ الطباع.. كتلك الألواح الخشبية التي تبدو غلظتها وضخامتها من بعيد.

 

لكنها مع تلك الضخامة ومع ما قد يكون ظاهرا من الفخامة التي تبدو للعيان وتثير إعجابهم كما أسلفنا فإن ذلك كله لا يجعل لها أي قيمة أو نفع..

 

الأصل أن الخشب يستعمل في أمر نافع وإن غيره من الأشياء ليستند إليه ويستقوي به ويتخذه دعما..

 

أن يكون الخشب داعما لجدار أو مقيما لسقف أو عمودا لخيمة أو بناء أو أن يستعمل كقطعة أثاث نافعة فإن هذا هو الطبيعي والمتوقع..

 

لكن من الخشب ما هو رديء نخر ضعيف البنية لا يمكن الاعتماد عليه ولا الاستقواء به أو حتى الانتفاع به..

 

مثل هذا يلقى بإهمال وعدم اكتراث مستندا إلى جدار أو إلى حائط.. إنه لا يقوم بذاته فضلا على أن يقيم غيره..

 

وكذلك المنافقين: {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}.

 

كيانات عديمة القدر أينما توجهها أو تستعملها لا تأت بخير.. كيانات فقدت دورها وأهميتها كما.. فقدت المشاعر الطبيعية.

 

مُسَنَّدَةٌ:

 

حتى بناء الكلمة جاء للمجهول ليفهم منه أن هناك من أسندهم.. هناك من يوجههم ويحركهم ويتحكم في مواقعهم.

 

دوما هم بحاجة إلى من يستندون إليه ويكتسبون منه قيامهم ومكانتهم.. قد يستندون لجدار الكذب والتدليس ولحن القول..

 

وقد تسندهم الخيانة والغدر والتآمر الذي لا يجيدون شيئا مثله.. وقد يساندهم أولياؤهم وشياطينهم من الإنس الذين كلما خلوا إليها قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون.

 

المهم أن يبحثوا لهم عن سند مهما كان بطلانه أو عداوته للمؤمنين.. وقد قيل إن الاستناد إلى جدار أو نحوه يطابق وصف مجلسهم عند رسول الله.

 

إن علوهم واستكبارهم كان يحول بينهم وبين الاجتماع والالتفاف حول رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين المحبين الحريصين على القرب منه والدنو من مجلسه..

 

إنهم يرون أنهم أرقى وأعظم شأنا من ثني الركب والتواضع لمعلم الناس الخير والهادي إلى صراط مستقيم..

 

لذا فهم يجلسون متكئين مستريحين بعيدا عن مجلسه مجتمعين على لمزهم واستهزائهم بالمؤمنين إلى جدرهم مسندين..

 

لكنهم مع كبرهم وعجرفتهم تلك ورغم حرصهم على الاستناد لما يقويهم ويشد بأسهم خائفون إنهم يعلمون أن جدرهم التي عليها يعتمدون ضعيفة وأن بنيانهم على شفا جرف هار يوشك أن ينهار بهم وهم يدركون أن سندهم قد يزول في أي لحظة ويكون مصيرهم السقوط المروع لذا فهم يخافون..

 

وكلما سمعوا شيئا حسبوه ضدهم وظنوا أنها القاضية التي ستنهي كذبتهم الكبيرة وادعاءهم الخاوي.. لذلك جاءت الجملة الأخيرة لتلخص ذلك الرعب المستعر في قلوبهم المريضة.

 

{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ[المنافقون: 4].

 

كل كلمة تقال.. كل سورة تنزل.. كل خصلة تكشفهم.. كل معنى يبين حقيقتهم.

 

أي شيء من ذلك قد يكون هو الفاضح لهم الذي سيكشف تلك الحقيقة الجامعة التي ختمت بها الآية.. حقيقة عداوتهم..

{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ[المنافقون: 4]