(21) أشحة على الخير
محمد علي يوسف
بخل المنافقون الذي يرجع أصله إلى حرصهم المعروف على دنياهم وعاجل أمرهم التي ذكرنا مرارا أنها عقيدتهم الأصلية التي يتحركون فقط بناءً على قواعدها..
- التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية -
والمنافق شخص شحيح:
مخلوق شديد البخل قابض يده ممسك عن أي بذل متقاعس عن أي خير..
ولقد تكرر في كتاب الله ذكر شح المنافقين وتقررت من خلال ذلك التكرار حقيقة بخلهم وإمساكهم عن أي خير ونفع للناس..
{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}[الحديد: 24].
{فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِه} [التوبة: 76].
{وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54].
{وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التوبة: 67].
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 19].
{أشحة عَلَى الْخَيْرِ} [الأحزاب: 19].
وغيرها من الآيات التي ترسخ لهذه الحقيقة النفاقية..
حقيقة البخل:
هذا البخل الذي يرجع أصله إلى حرصهم المعروف على دنياهم وعاجل أمرهم التي ذكرنا مرارا أنها عقيدتهم الأصلية التي يتحركون فقط بناءً على قواعدها..
عقيدة المصلحة الشخصية:
هذه المصلحة قد تتعارض ظاهرا مع نقصان المال الذي يترتب على الإنفاق والبذل وبالتالي يكون الشح هو الخيار الأول للمنافق للحفاظ على مصالحه الآنية..
لكن ثمة مقصد آخر لهذا الشح.. مقصد عام يعد من أهم الأهداف التي يسعى إليها المنافقون.. مقصد التفريق وفض جمع المسلمين..
حتى ينفضوا:
كانت هذه هي العلة التي أوضح المنافقون أن امتناعهم عن الإنفاق على من عند رسول الله كان لأجلها.. {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: 7].
هكذا قالوها بكل صراحة وبينوا حقيقة مسعاهم.. أن ينفض الناس من حول النبي صلى الله عليه وسلم.. أن ينفض الخلق من حول من يجمعهم.. من حول دينهم وشرعتهم.. من حول مبادئهم وأخلاقهم.
أن يتفرق الشمل وينفرط العقد ويتشقق البنيان بأي ثمن..
حتى لو كان هذا الثمن أن يقترف المنافقون حسنة هم لها كارهون فإنهم سيدفعونه عن طيب خاطر فقط لكي يتم التفريق وشق صف المؤمنين..
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة 107]
مسجد!:
بيت من بيوت الله..
مكان لطاعة لا يأتونها إلا وهم كسالى..
محل لذكر لا يفعلونه إلا قليلا إن فعلوه أصلا..
لا بأس... سيتغاضى المنفقون عن كل ذلك وسيتغافلون بإرادتهم لأجل تحقيق الهدف الذي يسعون إليه..
التفريق:
لقد بين الخالق جل وعلا ذلك المسعى وأوضح أن المقصد الرئيسي لهم هو بث الفرقة بين المؤمنين والدس والوقيعة وإشعال نار الفتنه واستغلال الخلافات وتوسيع شقته وذلك بالدس والوقيعة فيما بينهم..
يظهر ذلك في قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُم الْفِتْنَة} [التوبة: 47].
قال القرطبي: "الخبال: الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف.
قال الرازي:"والخبال: الشر والفساد من كل شيء، ومنه سمي العَتَه بالخَبَل، والمعنى ما زادكم إلا شراً.
وقيل الخبال: الاضطراب في الرأي. وذلك بتزيين أمرٍ لقومٍ وتقبيحهِ لقومٍ آخرين، ليختلفوا وتفترق كلمتهم"..
هذا هو الهدف.. الاختلاف.. الفرقة.. التباعد.. حتى ينفضوا..
لذلك ليس غريبا أن تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من النفاق كان يأتي مقترنا بمقصد المنافقين وغايتهم..
الشقاق:
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن كان من دعائه: "وأعوذ بك من الشقاق والنفاق" وكأن الشقاق والنفاق هما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة..
وكأن كل ما أدى لهذا الشقاق ورسخ لذلك التفريق والانفضاض = أسعد المنافقين وحقق شيئا من مبتغاهم ومرادهم..
وعلى العكس؛ كل ما قوَّى تقارب المسلمين وجمع على الحق كلمتهم ووحد صفهم كأنهم بنيان مرصوص أغاظ المنافقين وكبتهم وأفشل كيدهم..
وحينئذ لا يشكل بخلهم فارقا ولا تؤثر دعواتهم المانعة من الإنفاق والتكافل بين المؤمنين وذلك حين تترسخ القاعدة التي ختمت بها الآية التي فضحت ذلك المقصد وبينت غاية شحهم وهدف بخلهم..
حين تترسخ قاعدة..
{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 7]
دائما لا يفقهون.