حب الصحابة (5)
خالد سعد النجار
ما ظنك بقوم اختارهم الله تعالى لصحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولمواجهة خطابه في تنزيله، فما أحد من المؤمنين إلى يوم القيامة إلا وللصحابة في عنقه منن لا تحصى، وأياد لا تستقصى، لأنهم هم الذين حملوا إلينا عنه -صلى الله عليه وسلم- الحكم والأحكام، وبينوا الحلال والحرام، وفهموا الخاص والعام، وفتحوا الأقاليم والبلاد، وقهروا أهل الشرك والعناد".
- التصنيفات: قصص الصحابة - سير الصحابة -
بسم الله الرحمن الرحيم
رياح الليبرالية الغربية العاتية أتت على كثير من ثوابتنا بفعل موجة التغريب التي تنبثق من واقع أن «المغلوب دائما مولع بتقليد الغالب»، فضلا عن الحملة الغربية الضروس على أمتنا الإسلامية لمحو هويتها وضمان تبعيتها.. لقد تفشت النسبية في كثير من معتقداتنا وباتت ثوابتنا هلام لا شكل له ولا معلم، ونال الطعن والنقد مقدساتنا من قرآن وسنة وعقيدة وشريعة.. حتى صار بعضهم يتحدث عن أفذاذ الصحابة –وكلهم أفذاذ- كما يتحدث عن شراذم الناس، مما يتنافى مع وجاهتهم ومكانتهم، ويتنافى مع ما كان عليه السلف المبارك من حبهم للصحابة وتوقيرهم بتوقير الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لهم، حتى أنهم ألحقوا باب «حب الصحابة» في الحديث عن العقائد، إعلاما منهم أن حبهم دين يدين به المؤمنون لله رب العالمين، مما حتم علينا نحن الخلف أن نكرر الذكر ونجدد العهد على حبهم وتبجيلهم.
أقوال أهل العلم:
- عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «أمروا بالاستغفار لأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فسبوهم».
- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «لا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فإن الله عز وجل قد أمر بالاستغفار لهم، وهو يعلم أنهم سيقتتلون».
- قال الإمام أحمد في الصحابة: حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة.
- عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: ما لهم ولمعاوية؟ أسأل الله العافية. وقال لي: يا أبا الحسن، إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوء فاتهمه على الإسلام.
- قال أبو زرعة الرازي: سمعت قبيصة بن عقبة يقول: "حب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم سنة".
- قال أيوب السختياني: "من أحب أبا بكر الصديق فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد برئ من النفاق".
- قال الشاعر:
حب الصحابة والقرابة سنة.. ألقى بها ربي إذا أحياني *** احذر عقاب الله وارج ثوابه.. حتى تكون كمن له قلبان
ومما توسل به شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من الأعمال الصالحة: محبة الصحابة، وآل البيت فقال في لاميته:
يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي *** رزق الهدى من للهداية يسأل
اسمع كلام محقق في قوله *** لا ينثني عنه ولا يتبدل
حب الصحابة كلهم لي مذهب *** ومودة القربى بها أتوسل
ولكلهم قدر وفضل ساطع *** لكنما الصديق منهم أفضل
قال الإمام الذهبي: "ما نقرّر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنه أجمعين، وما زال يمر بنا في الدواوين والكتب والأجراء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه، وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفو القلوب وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم وكتمان ذلك متعين على العامة وآحاد العلماء، وقد يُرخّصُ في مطالعة ذلك خلوةُ للعالم المنصف العري عن الهوى بشرط أن يستغفر لهم كما علمنا الله تعالى".. إلى أن يقول..: "فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفّرة لما وقع منهم وجهاد محَّاء، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، ونقطع بأن بعضهم أفضل من بعض. فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك فلا تعرّج عليه ولا كرامة، فأكثره باطل وكذب وافتراء، ودأب الروافض رواية الأباطيل أو ردّ ما في الصحاح والمسانيد ومتى إفاقة من ربه سكران" ثم قال: "والعاقل خصم نفسه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
مما سبق من كلام الحافظ الذهبي يتبين:
1- عدم بث ونشر ما شجر بين الصحابة من قتال.
2- وجوب كتمان ما شجر بينهم على العامة وآحاد العلماء.
3- قد يرخص للعالم المنصف العري عن الهوى مطالعة ما شجر في الكتب والإنصاف في ذلك والاستغفار للصحابة كما علمنا الله.
4- عدم الاعتماد على ما ورد في كتب أهل البدع والروافض، وعدم الوثوق بها.
5- لا يجوز للعامي ولا أنصاف المتعلمين مطالعة كتب الروافض وأهل البدع.
6- أكثر ما ورد فيما شجر بين الصحابة لا يصح من قبل إسناده فهو إما ضعيف أو كذب أو منقطع لا يوثق بمن نقله ورواه.
7- ينبغي إعدام تلك الروايات الباطلة؛ لأنها من العلم الذي لا ينفع والذي يحرم نشره وبثه.
ويقول رفاعة الطهطاوي –رحمه الله-: "وما ظنك بقوم اختارهم الله تعالى لصحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولمواجهة خطابه في تنزيله، فما أحد من المؤمنين إلى يوم القيامة إلا وللصحابة في عنقه منن لا تحصى، وأياد لا تستقصى، لأنهم هم الذين حملوا إلينا عنه -صلى الله عليه وسلم- الحكم والأحكام، وبينوا الحلال والحرام، وفهموا الخاص والعام، وفتحوا الأقاليم والبلاد، وقهروا أهل الشرك والعناد".