ما الصادم؟!

سارة خليفة

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد من الآية:11]، هذا هو القانون الإلهي! فعصر المعجزات قد انتهى.. ولن يتغير شيء من هذا الحال الذي نعيشه دون أن نغير ما نحن منه!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -

في وقت فتحت فيها الدنيا أبوابها وكنوزها على المسلمين بعد انتصاراتهم المتتابعة على بلاد فارس.. أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاروق هذه الأمة.. أجرأ قرار ممكن! قرر وقف حركة الفتوح! نعم كما قرأت! وذلك لخوفه رضي الله عنه أن تدخل الدنيا قلوب المسلمين، فيتنازعوا فيما بينهم، تهون قلوبهم، فتنصرف تلك القلوب عن الدين وعن حمل هم هذا الدين ورسالته للعالمين..

وها نحن نرى بأعيننا ما حل بالأمة حين دخلت الدنيا ليس في القلوب فقط.. ولكن في كل ركن من أركان تلك الأمة بين كل حجر فيها.. امتزج حبها في كل لمحات حياة الأمة.. حتى هانت على أعداءها كما نرى كل يوم..

وليس ذلك فقط، ولكن نرى أيضًا كل مخططات أعداء هذا الدين التي قرأنا أجزاء منها في المعارك الفكرية والأدبية لفرسان الهوية [1] يبينوا ويحذروا ويدافعوا ولكن دفنت تلك المعارك بين طيات صفحاتها، ولم ينتفع بها أحد إلا من رحم ربي..

فلم تدخل الدنيا فقط علينا، ولكن عبر السنين شوهت هويتنا وثقافتنا، حتى أصبح من يتمسك بهذا الدين وتعاليمه غريبا، ومن ينادي بالجهاد وبإعلاء كلمة الله عزوجل إرهابا! ونسوا – أو تناسوا – أن هذا هو تعبير القرآن الكريم لهذه القوة المقدسة التي تحرر العباد من عبادتهم للدنيا لحرية عبادتهم لله الواحد الصمد! {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، حتى ضيع في النفوس النفرة من الكفر وأصبحنا نبحث عن كيف نتشبه بمن أُمرنا أن نتبرأ منهم! أصبحت أجيال تلك الأمة مشوشة لا تعرف ماضيها التليد، الذي يضرب جذوره في التاريخ من بدايته مع أبينا آدم عليه السلام وحتى أن يشاء الله لتلك الدنيا أن تزول، ولا تعرف لمن تنتمي تبحث لها عن أي شيء تنتمي له..

في ظل بلاد إسلامية وعربية، تجردت من إسلامها وعروبتها، وأصبحت تابعة ذليلة لمن يمتلك زمام قوة النظام العالمي! تلك الأمة التي ملكت أكثر من نصف هذا العالم وأنارت الطريق للبقية بعلومها وحضارتها أصبحت تابعة لا يلقى لأي منها -حكامًا وشعوبًا - بالًا!

لا أدري لمَ هذه المرة، لم أصدم من قرار كهذا؟ أمريكا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. ما الصادم؟

هل أمريكا كانت يومًا ضد الكيان المغتصب ولم تحمِ مصالحها؟ هل الصهيوأمريكية كانت تسعى لمصالحنا مثلًا؟! ما الصادم؟

هل بعض التظاهرات  الشعبية التي لا تمثل شيء لحكامها ستؤدي إلى شيء؟ ما الصادم؟

هل عندما يخرج علينا عمدة القدس من الكيان الصهيوني في حوار له على قناة السي إن إن، أن لا وجود لمدينة القدس إلا متحدة وهم أولى من يحكمها لأنها لهم من البداية! أن الأمر ليس سياسة ولكن يجب رؤية الأمر من الناحية الأيديولجية فالقدس موطن للجميع "يهود ونصارى وعرب" نعم قالهم عرب وليس مسلمين! ولا يجب أن يقول أحد على ما حدث أمر خطير يهدد عمليات السلام! بل يجب أن يقف العالم كله معهم ضد المتطرفين المسلمين! نعم فالإسلام له هو التطرف والإرهاب! وأنهم لن يستسلموا أمام إرهابهم ولا هذا التطرف وهم سينتصرون في النهاية! ما الصادم في هذا كله؟ وضوح الكلام أم وضوح الرؤية لديهم! وضبابية رؤيتنا!

الصادم أننا مازلنا نصدم! الصادم لو سألنا كم منا استيقظ لصلاة القيام يدعو ويتضرع لله أن يكشف الغمة عن هذه الأمة، بل لنقل صلاة الفجر ليلة أمس!

الصادم حقًا أننا مازلنا لا نعي ما يحاك لنا إلى الآن! ومن أين يأتي الحل الحقيقي لهذا كله!

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد : 11]، هذا هو القانون الإلهي! فعصر المعجزات قد انتهى.. ولن يتغير شيء من هذا الحال الذي نعيشه دون أن نغير نحن منه! ولنغير نحن منه، يجب أن نغير من أنفسنا!

نعم.. لا يوجد جديد في الأمر! لا يوجد عصاة سحرية! ولن يتحول حال الأمة من حال إلى أخر دون عمل منا!

- نعمل على تغيير أنفسنا، نقيس نفسنا على ما افترضه الله عز وجل علينا، وبما أمرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم، نعود إلى عقيدتنا فنتعلمها ونخلص قلوبنا مما شابها من تراكمات شوهتها ولوثتها.

- تبدأ بنفسك ثم دائرة الأقربين! فهكذا بدأت الدعوة! نكون قاعدة تستطيع أن تميز الإيمان من الكفر، الحق من الباطل، تتمسك بدينها! تستطيع إقامته في أنفسها.. ثم تدعو من حولها، وتبلغ ما عليها من بلاغ.

- ويجب أن لا تموت قضية فلسطين، ولا الأقصى في نفوسنا وقلوبنا، يجب أن نحييها في قلوب الصغار ونشربهم إياها، لأن المنتصر هو من يكتب التاريخ! فهؤلاء الصغار سيجدوا في كتبهم تاريخاً مغايراً وثقافةً مشوهةً وهويةً جديدةً ليست لنا ولا منا.. فإن لم نتعهدهم من اليوم.. فلن يكون فجر تلك الأمة قريب.. ففجرها قادم لا محالة، وهو وعد ربنا لنا، ولكن هناك قوم يستعملوا في ذلك وهناك من يستبدل ويأتي غيرهم..

فاللهم استعملنا في نصرة دينك ولا تستبدلنا.. واجعل من أصلابنا من يأتي ليعلي كلمة الحق والدين، ويمكن لهم الدنيا ويسودها بشريعته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كالشيخ بكر أبو زيد، والأستاذ مصطفى صادق الرافعي، الأستاذ محمود شاكر، ود. محمد محمد حسين، والشيخ نجيب البهبيتي وغيرهم الكثير.

المصدر: فريق عمل طريق الإسلام