التاريخ يكذب ترامب!!
محمد حسان
ولن يفرط المسلمون - وإن ضعفوا - فيها أبداً وسيروون ترابها بدمائهم زوداً عنها وحمايةً لها.. فهم يعلمون إن الصراع بينهم وبين اليهود ليس صراع أرض وحدود ولكنه صراع عقيدة ووجود!!.. وواهم من يظن أن القدس التى جعلها الله سكناً للأنبياء أن يديمها سكناً لقتلة الأنبياء!!..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - قضايا إسلامية -
القدسُ إسلاميةُ الهُويَة عَربيةُ المَذَاق:
القرار الأمريكي (الترامبى) بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلان المدينة المقدسة عاصمة لاسرائيل قرار غاشم ومجازفة خطيرة وله تداعيات مريرة وسيؤجج مشاعر الحقد والكراهية والانتقام ويُغذى العنصرية البغيضة والتطرف المقيت فى أنحاء الارض وواهم من يتجاهل مشاعر المسلمين تجاه القدس والأقصى المبارك حتى و إن كانت الأمة تمر بمرحلة من أخطر المراحل الوهن والضعف!!
ولإولئك الذين لا يعرفون الدين والتاريخ والجغرافيا أقول: القدس تاريخ طويل متجزر فى عمق الحضارات التى عرفها العالم على مر التاريخ فقبل الميلاد بثلاثة ألاف عام تقريبا هاجرت قبائل الكنعانيين من شبه الجزيرة العربية بسبب القحط والجدب واستقرت على ضفة نهر الأردن من الناحية الغربية وسميت هذه الارض بارض كنعان وفى هذه الأرض ولد خليل الله إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وعاش فيها ثم هاجر بعد ذلك إلى مكة شرفها الله بولده إسماعيل وأمه هاجر وظل يتردد بين أهله فى مكة التى رفع فيها قواعد البيت الحرام وبين أرض كنعان التى بنى فيها أيضاً بيتاً لعبادة الله وهو مكان المسجد الأقصى كما يقول شيخ الاسلام بن تيمية: (فالمسجد الاقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام لكن سليمان عليه السلام هو الذى بناه بناءً عظيماً) مجموع الفتاوى 351/17"
وعُرفت مدينة القدس عبادة الله الواحد الأحد وكانت تٌسمى حين إذ (( ساليم )) وظلت القدس فى أيدى الكنعانيين حتى قدم أبناء يعقوب إلى مصر بدعوةٍ من نبي الله يوسف عليه السلام وظلوا بها إلى عهد نبى الله موسى عليه السلام الذى أمر بني إسرائيل أن يخرجوا معه ليدخلوا الأرض المقدسة ولكنهم عاندوا وأعرضوا وجَبُنُوا وقالوا لموسى (( إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون )) فعاقبهم الله بالتيه في أرض سيناء 40 سنة محرومين من دخول الأرض المقدسة تأديباً لهم!!
ثم فتح نبي الله داود عليه السلام مدينة القدس التي ولد فيها نبي الله سليمان وبنى المسجد الأقصى وشيده بناءً عظيماً ثم تمضى القرون ويحتل الرومان هذه الأرض المباركة ويهدمون مدينة القدس التي كانت تسمى يومها (( أورشليم )) ويبنون مكانها مدينة (( إيليا )) وظلت القدس تٌعرف بهذا الأسم إلى أن فتحها المسلمون بقيادة إبي عبيدة إبن الجراح فى عهد عمر بن الخطاب الذى كتب لأهلها وثيقة أمان تُسمى بالعهده العٌمرية.
وظلت القدس مٌكرمة فى عهد الخلفاء و فى العهد الأموى الذى أعيد فيه بناء المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وكذلك فى العهد العباسي إلى أن بدأت الحروب الصليبية وتم الأستيلاء على القدس عام 1099م حتى حررها صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين عام 1187م ثم وقعت القدس فى الأسر مرة أخرى بعد أن تنازل عنها السلطان الكامل الأيوبي عام 1228م ثم استردها المسلمون بقيادة المصريين عام 1239م.
وظلت القدس فى أيدي المسلمين حتى صدر وعد بلفور المشئوم عام 1917م بإنشاء وطن قومي لليهود فى فلسطين ووافقت عليه فرنسا وأمريكا ثم اعترفت به بعد ذلك سائر الدول!!
وفي عام 1948م احتل اليهود معظم أرض فلسطين وأسسوا دولتهم ووقف رئيس الوزراء الاسرائيلى بن غريون فى الامم المتحدة ليقول (لا معنى لفلسطين بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل ولا معنى لقيام اسرائيل على غير أرض المعاد!!).
وفي عام 1979م أعلن مناحم بيجن أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ثم جاء نتنياهو ليؤكد أنه لا مجال مطلقاً للحديث عن تقسيم القدس فى أيَة مفاوضات مع الفلسطينيين فالقدس عاصمة أبدية لاسرائيل ثم جاء هذا القرار الأمريكي يجسد هذا الظلم الذى لم ولن يغير التاريخ والجغرافيا فضلاً عن عقيدة مليار و سبعمائة مليون مسلم تجاه القدس المدينة المقدسة ومسجدها المبارك الذى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشد الرحال إليه.
ولن يفرط المسلمون - وإن ضعفوا - فيها أبداً وسيروون ترابها بدمائهم زوداً عنها وحمايةً لها.. فهم يعلمون إن الصراع بينهم وبين اليهود ليس صراع أرض وحدود ولكنه صراع عقيدة ووجود!!.. وواهم من يظن أن القدس التى جعلها الله سكناً للأنبياء أن يديمها سكناً لقتلة الأنبياء!!..
ووالله إننا لنرى من وراء هذا الليل الذى طال ظلامه فجراً مشرقاً قريباً قد توهجت أنواره لتكشف عن رايات أمل سترفرف من جديد فى سماء مدينة السلام. لا أقول ذلك من منطق السياسة القاصرة أو من منطلق الأحلام الوردية الجاهلة. أو من ضغط الواقع المرير!!.. كلا.. كلا.
ولكنه الأمل الدافع للعمل الذى تملأ قلوبنا به حقائق الوحي الرباني والنبوي قال تعالى {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وفي الحديث الصحيح الذى رواه أحمد وغيره أن النبي صل الله عليه وسلم وضع يده يوماً على رأس أبى حواله الأزدى وقال: «يا ابن حوالة اذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك» فالأمل فى الله ثم فى الشعوب المسلمة الأبية لا ينقطع!!
فما على الأمة إلا أن ترجع إلى ربها ودينها ونبيها صل الله عليه وسلم مع تصحيح العقيدة وتحقيق العبادة وتطبيق الشريعة وتصحيح ما فسد واعوج من الأخلاق مع التخلص من الوهن والعمل الجاد المبدع فى كل مجالات الحياة فلن يكون قرارنا من رأسنا إلا إذا كانت لقمتنا من فأسنا!!
ولئن عرف التاريخ اوساً وخزرجاً.. فلله أوسٌ قادمون وخزرج .. وإنَ كنوز الغيب تخفى طلائعاً حرةً رُغم المكائد تخرجُ.. اسأل الله أن يرد الأمة إلى الحق رداً جميلاً وأن يحفظ القدس وأن يحررها من اليهود الغاصبين وأن يقر أعيننا بنصرة الاسلام والمسلمين وأن يحفظ مصر وجميع بلاد المسلمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.