التنوير في قصة يوسف في إرساله أحد الفتيين للتحرير
ولما أراد الله أن يُخرج يوسف عليه السَّلام - من هذا السِّجن أرى الله الملك رؤيا عجز عن تأويلها كل من عنده!
- التصنيفات: قصص الأنبياء -
بسم الله الرحمن الرحيم.. قال الله تعالى {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42].
في هذه الآية ظاهرها استناد على الأسباب الظاهرة، ولم يُذكر لنا في هذه القصة كما ترى سوى تخلُّف الأسباب الظَّاهرة في إنحاح حاجة الصِّديق النَّبي يوسف عليه السَّلام.
ولكن اعلم إنما ذلك كان هو التَّنبيه على أن الله سبحانه إذا أراد شيئاً سلَّط على السبب نفسها سبباً آخر لكي لا يُشتغل بالسبب المستند إليها أو المتكأ عليها بل يُتوكل على الله وحده حق التوكل سبحانه وجل جلاله.
وهنا سُلِّط على السبب سبباً آخر وهو أن أنساه الشيطان ذكر ربِّه حتى لبث يوسف – عليه السَّلام - في السجن بضع سنين.
واعلم أن العبد إذا اتَّصل بربِّه مباشرة بدون سبب شفاعةٍ ولا وسيلةٍ ولا وساطةٍ أخرى فإن الله قويٌّ متينٌ قادرٌ على نصره بأيِّ سببٍ يريده الله وهو غافلٌ عنه.
إذاً فلا ينبغي أن ينسى العبد ربَّه طرفة عينٍ وربُّه حيٌ دائمٌ لا يموت والجن والإنس يموتون كما لا ينساه بل مطلعٌ عليه مبصرٌ حاله ولكن إنما ابتلاه أيصبر أم يكفر أيشكر بعد النَّصر والإنقاذ أم يبطر قال تعالى {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 58].
فيُفهم من هذه الآية أن المتوكل على الله حق التَّوكل لابد له أيضاً صفات مثل الإقبال على العبادات والطاعات عامة وعلى الأذكار خاصة مع الاجتناب عن الذنوب والمعاصي كلها .
وهذا المفهوم في قوله تعالى{وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} فتأمَّل به وامعن به نظرك.
وأيضا لابد أن يكون للمتوكل على الله حق التَّوكل صفات أخرى كثيرة مثل اليقين بصفة عامة واليقين بوعود الله والتقوى والصبر والإنابة والاستعفاف بالله مع الورع والاستعانة بالله وحده.. إلخ.
وكل ذلك إن درست في القرآن الكريم فستجدها أنها ضرورية للمتَّوكل على الله حق التوكل كما هي صفات ظاهرة عملية طبَّقها يوسف عليه السَّلام تجدها أيضاً بالتأمُّل وبإمعان النظر في سورة يوسف, وقد فصَّلت في شرح ذلك رسالة: "شرح حسبنا الله ونعم الوكيل " نعم، الله سبحانه وتعالى هيَّأ ليوسف عليه السَّلام سبباً عظيما للخروج من محنة السِّجن الذي هو مظلوم فيه.
وهذا السبب هو أن الله سبحانه علَّمه تأويل الرُّؤيا, فسبحان الله, فكم من محنةٍ تنقلب إلى منحةٍ كما جاء هنا في قصة النبي الكريم يوسف عليه السَّلام, وكم من منحةٍ تنقلب إلى محنةٍ كما انقلبت منحة نجاة بني إسرائيل إلى محنٍ متتاليةٍ جاءت من قبل أنفسهم بالعناد والاستهزاء بل والكفر, والعياذ بالله من الخذلان.!!
ولما أراد الله أن يُخرج يوسف عليه السَّلام - من هذا السِّجن أرى الله الملك رؤيا عجز عن تأويلها كل من عنده!
فهنا تذكَّر الذي أرسله يوسف عليه السَّلام ليذكره عند ربِّه بعد مدة طويلة ليُنقذه من محنته عليه السَّلام؟
ولكن اعلم وتنبَّه أن السبب في هذه المرَّة إنما جاء الآن من عند الرَّحمن لا من عند يوسف عليه السَّلام ولا من عند الذي أرسله قال تعالى {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} [يوسف: (45)]
وبالطبع القصة فيها دروس وعبر عظيمة كالآتي:
1 - أن الاستعانة بالله وحده والتَّوسل به وحده وقطع الأسباب والعلائق دون الله أعظم في إنجاح الحوائج من الأسباب المادية الظَّاهرة.
2- لو ابتلي العبد المؤمن الخالص المتوكل على ربِّه بمصيبةٍ في سجنٍ هو متظلمٌ فيه أو أصيب بمصيبة الأسر ونحوها ولم ير أمامه أسباباً للنَّجاة من محنته فليعلم أن الله قادر على أن يصنع له سبباً للنجاة من عنده لا يعلمه العبد
3 لا ييأسنَّ عبدٌ من رحمة الله أبداً فإن الله ناصره بما شاء وكيف شاء ما دام هو ملتزمٌ بتوكله عليه وواثقٌ به ومعتمدٌ عليه ومطيعٌ به ذاكراً ربَّه مجتنباً عن المعاصي وسائر الذنوب.
4 عظيم أهمية العلم لذلك احتاج الملك وحواشيه إلى يوسف عليه السَّلام وهو في سجنه , وقد كان لا يُأبه به قبل حدوث رؤية الملك والجهل بتأويلها فكرَّمه الله بعلمه في الدنيا والآخرة وأنجاه به , كما لم يأت العلم من فراغٍ , بل إنما جاء من نور خشية ربَّه بالغيب وأوبته العظيمة إلى ربِّه واعتصامه به وحده سبحانه وجل جلاله.
5 الظالم مهما طغى وتجبَّر فإن الله له بالمرصاد, وسينتصف المظلوم - بإذن الله -من الظالم ولو بعد حينٍ إن عاجلاً أو آجلاً في الدنيا أو في الآخرة.
والله أعلم.
بقلم: أبو عبد الله عبد الفتاح آدم المقدشي.