قبل الرحيل

محمد علي يوسف

رحيل أبدان سبقه رحيل أرواح ربما لم تكن قد حطت يوما رحالها
"إن أقل البيوت الذي يبنى على الحب"
هكذا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه 
هكذا يحطم بكلماته العاقلة الواعية تلك الأسطورة التي يصرون على حبس الزواج في سجنها الذهبي البراق
أسطورة تصلح فقط لكلمات أشعار وسيناريوهات يطلبون من خلفها رزقا حلَّ أو حرُم
أما البيوت فإنما تبنى على ذلك الذي يكمل بيانه الفاروق رضي الله عنه:
"ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والإحسان"

  • التصنيفات: دعوة المسلمين -

لم يشعر أبدا أنها بعض من نفسه
أنها جزء منه
دوما كان يشعر بأن ما يقدمه لها  محض فضل وتكرم منه
أو هو على أفضل تقدير كان يعتبره واجبا ثقيلا عليه إن أداه 
لذا لم يشعرها قط بما كانت تحتاج إلى أن يبثها إياه..
لم يشعرها أنها شريكته!
هي أيضا لم تشعر قط أنها جزء من حياة.. 
أن هذا بيتها 
بل مملكتها
لم يتسرب قط إلى قلبها إحساس المسؤولية والرغبة في الأفضل للكيان كله وليس فقط لها أو حتى له..
دوما كانت تصر على التعامل من منطلق الضيافة 
وكأنها في زيارة مؤقتة لن تلبث إلا وتنتهي بعد حين
هل كان هو المتسبب في ذلك؟ 
أم كانت هي؟ 
أم كان إصرار كل منهما في البداية على تكامل تلك الصورة الرومانسية الخيالية التي يحرص البعض على قصر الزواج عليها
ثم بعد أن خبت جذوتها  انصرف كل لشأنه
ربما كل منهما كان يتحمل شيئا من المسؤولية
لكن النتيجة النهائية أنهما ليسا شريكين
وأن بيتهما ليس كيانا واحدا راسخا
هما جزيرتان تنأي ضفة كل منهما عن الأخرى! 
ثم بعد حين تنشأ في مضيقهما جُزُر أخرى 
بنون وبنات يحتفظ كل منهما بنفس خاصية الوالدين؛ 
خاصية الجُزر المتباعدة
وفجأة ينتبه أو تنتبه هي أن هذه ليست حياة
فهل يحاول المنتبه مدَّ جسر أو حتى إلقاء حبل لجزيرة صاحبه؟ 
كلا.. 
بل مزيد من التبرير وإلقاء اللوم على الآخر 
ومن ثم مزيد من التباعد والجفاء
ثم يأتي وقت الرحيل 
رحيل أبدان سبقه رحيل أرواح ربما لم تكن قد حطت يوما رحالها
"إن أقل البيوت الذي يبنى على الحب"
هكذا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه 
هكذا يحطم بكلماته العاقلة الواعية تلك الأسطورة التي يصرون على حبس الزواج في سجنها الذهبي البراق
أسطورة تصلح فقط لكلمات أشعار وسيناريوهات يطلبون من خلفها رزقا حلَّ أو حرُم
أما البيوت فإنما تبنى على ذلك الذي يكمل بيانه الفاروق رضي الله عنه:
"ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والإحسان"
الإسلام وحقوقه وواجباته
والإحسان الذي كتبه الله على كل شيء
حتى إن لم تكن جذوة الحب دائمة الاشتعال
وحتى إن خبت
هي في النهاية رزق 
"إني قد رُزِقْتُ حُبَّها" 
قال تلك العبارة نبيكم صلى الله عليه وسلم عن زوجه وأمِّنا؛ خديجة رضي الله تعالى عنها.
قالها مبينا حقيقة كون الحب رزق من الرزاق
ولا حيلة في الرزق كما لا شفاعة في الموت
لأجل ذلك لم يكن هو عماد قيام البيوت وحده
{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [سورة النساء 19]
تأمل
ليس فقط غاب الحب ولكن حضر نقيضه
رغم ذلك أكد خالق يعلم من خلق أن الخير لم يغب
بل الخير الكثير
وعماد ذلك جملة سبقت 
بل أمر إلهي حاسم
أمر بالمعروف
" {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} "
على ذلك تقوم البيوت وتتكامل منظومتها
ومن هنا تأتي المشاركة
تلك الصفة التي هي من أفضل الصفات التي يمكن أن يجدها زوج في زوجه بعد دينها وخلقها
والعكس
الشعور بالمشاركة 
الكيان الواحد
المنظومة المتكاملة التي يقيمانها سويا
أن تشعر المرأة أنها فعلا جزء من تلك الحياة الزوجية، وأنها مسؤولة مع زوجها عن كل تفاصيل تلك الحياة وحريصة على كل جزئياتها
جزء لا يستهان به مما شهدت من بيوت تهدمت أركانها كان بسبب غياب ذلك الشعور واختفاء تلك القيمة واستبدالها بشعور الزوجة أنها ضيفة وينبغي أن تعامل معاملة الضيف مما يشكل نوعا من العبء الدائم على الزوج ماديا ومعنويا وذلك الأخير أشق وأقسى
وأن يصر هو في المقابل على المنِّ والأذى والإشعار المستمر قولا وفعلا أنه يتفضل ويتكرم أو أنه مضطر مكره
وفي نفس كل منهما حسرة ألا يجد في صحراء ما كان يسمى يوما بيتا  تلك الصورة زاهية الألوان التي حرص البعض على تلقينها الناس 
صورة الحب
وليست حقيقته
والحب رزق أنّى يؤتاه أولئك الذين لم يدركوا أنه كذلك
من ثم لم يطلبوه في مظانه
ولم يعرفوا رازقه