إجمال القواعد الذهبية في حفظ القرآن الكريم
محمود العشري
سنوات الحفظ الذهبية من سن الخامسة إلى الثالثة والعشرين تقريبًا؛ فالإنسان في هذه السن تكون حافظته جيدة جدًّا، وعلى الإنسان أن يستغلَّ سنوات الحفظ الذهبية في حفظ كتاب الله -تعالى- أو ما استطاع من ذلك، والحفظ في هذه السن يكون سريعًا جدًّا، والنسيان يكون بطيئًا جدًّا.
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
القاعدة الأولى: الإخلاص:
وجوب إخلاص النية، وإصلاح القصد، وجعل حفظ القرآن، والعناية به من أجل رضا الله -تعالى- والفوز بجنته وحصول مرضاته، فلا أجر ولا ثواب لمَن قرأ القرآن وحفِظه رياءً أو سُمْعة، ولا شكَّ أن مَن قرأ القرآن مريدًا الدنيا طالبًا به الأجر الدنيوي، فهو آثم، وممن تسعَّر بهم النارُ في الآخرة.
القاعدة الثانية: تصحيح النطق والقراءة:
ولا يكون ذلك إلا بالسماع من قارئ مجيد، أو حافظ مُتقِن، والصبر على ذلك، والقرآن لا يؤخَذ إلا بالتلقي، فلا بد من تعلُّم التجويد، فإن تعلُّمه فرض عين على كل مسلم، وهذا رأي الجمهور.
القاعدة الثالثة: تحديدُ نسبة الحفظ كل يوم:
يجب على مُرِيد حفظ القرآن أن يحدِّد ما يستطيع حفظه في اليوم، عددًا من الآيات مثلاً، أو صفحة أو صفحتين من المصحف، أو ثُمُنًا للجزء، يجتهد ألا ينقص عنه أبدًا، ولا يزيد عليه، وإن وجد في نفسه نشاطًا صرفه لمراجعة السابق، أو تلاوة التدبر، وهكذا.
القاعدة الرابعة: تكرار الآيات:
يبدأ بعد تحديدِ مقدار حفظه، وتصحيح قراءته بالتكرار والترداد، وجب أن يكون هذا التكرار مع التغني؛ وذلك لدفع السآمة أولاً، وليثبت الحفظ ثانيًا، وليهيج القلب على حب القرآن وإدمان تلاوته.
القاعدة الخامسة: إجادة الحفظ:
لا تجاوز مقرَّرك اليومي، حتى تجيد حفظه تمامًا، فلا يجوز للحافظ أن ينتقل إلى مقرَّر جديد في الحفظ إلا إذا أتم تمامًا حفظ المقرَّر القديم؛ وذلك ليثبِّت ما حفظه تمامًا في الذهن، ولا يستعجل، ولا يتباهى بكثرة الحفظ أو سبق الرُّفقة.
القاعدة السادسة: دوام التلاوة:
ما يُعِين على حفظ المقرَّر أن يجعله الحافظُ شغلَه طيلةَ ساعات النهار والليل، وذلك بقراءته في الصلاة السرية، وإن كان إمامًا ففي الجهرية، وكذلك في النوافل، وكذلك في أوقات انتظار الصلوات، وفي ختام الصلاة، وتسميعه لغيره، وسماعه من الأشرطة وغيرها.
القاعدة السابعة: احذر الحسد:
لا تُكثِر الكلام عن حفظك ومقداره، أو كثرته أو سرعته؛ فإن العين حقٌّ، كما قال -صلى الله عليه وسلم- والإيمان يُحسَد، فلا تتكلم كثيرًا، قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح الترمذي: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمُسِر بالقرآن كالمُسِر بالصدقة»، وقد أخبرنا ربنا - تبارك وتعالى - أن صدقة السر أفضل؛ فقال -تعالى-: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ» [البقرة: 271]، فاحفظ، واستكمل القرآن في هدوء؛ لئلا تحسدَ، وليكونَ أيسر أيضًا في تحقيق الإخلاص.
القاعدة الثامنة: رسم واحد لمصحف الحفظ:
حافظْ على رسمٍ واحد لمصحف حفظك؛ فإن مما يعين تمامًا على الحفظ أن يجعل الحافظُ لنفسه مصحفًا خاصًّا لا يغيِّره مطلقًا، وذلك أن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع، ويكون بينه وبين مصحفه الخاص ألفةٌ، فيحبه ويتشجَّع دائمًا على النظر فيه، ويعرف مواضعه الخاصة من بداية الصفحة ونهايتها، ومواضع الآيات فيه، وبداية ونهاية الأرباع والأجزاء.
القاعدة التاسعة: الفهم طريق الحفظ:
من أعظم ما يُعِين على الحفظ فهمُ الآيات المحفوظة، ومعرفة وجه ارتباط بعضها ببعض؛ ولذلك يجب على الحافظ أن يقرأ تفسيرًا للآيات التي يريد حفظها، وأن يعلم وجهَ ارتباط بعضها ببعض.
القاعدة العاشرة: حضور الذهن:
حضور القلب وتفريغ الذهن من الشواغل والهموم، من أهم عوامل تسهيل حفظ القرآن، ومن ذلك عدم استعجال الانصراف، وإنهاء الحلقة، أو وقت الحفظ، فيجلس الإنسان للحفظ متفرغًا حاضر القلب، كلُّ همِّه التركيز فيما يحفظ؛ فإنه حين يكون حاضرَ الذهن عند القراءة يسهلُ عليه استذكار الآيات، واستحضارها، ثم استرجاعها.
القاعدة الحادية عَشْرة: لا تجاوز سورة حتى تربط أولها بآخرها:
بعد تمام سورة ما من سور القرآن لا ينبغي للحافظ أن ينتقلَ إلى سورة أخرى إلا بعد إتمام حفظها تمامًا، وربط أولها بآخرها، وأن يُجرِي لسانَه بها بسهولة ويُسْر، ودون إعناء فكرٍ وكدٍّ في تذكُّر الآيات، ودومًا النصيحة: اصبر.. ولا تتعجل.
القاعدة الثانية عشرة: التسميع الدائم:
يجب على الحافظ ألاَّ يعتمدَ على حفظِه بمفردِه، بل يجب أن يعرض حفظه دائمًا على حافظ آخر، أو متابع في المصحف، حبَّذا لو كان هذا مع حافظ متقن، وذلك حتى ينبِّهَه الحافظ بما يمكن أن يدخل في القراءة من خطأ.
القاعدة الثالثة عشرة: المتابعة الدائمة:
القرآن سريعُ الهروب من الذهن، بل قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: «والذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتًا من الإبل في عُقُلِها»، ولذلك فلا بدَّ من المتابعة الدائمة والسهر الدائم على المحفوظ من القرآن.
القاعدة الرابعة عشرة: وِرْد دائم:
يجب على حافظ القرآن أن يكون له وِرْد دائم في المراجعة، أقلُّه جزءٌ من الثلاثين جزءًا من القرآن كل يوم، وبهذه المتابعة الدائمة والرعاية المستمرة يستمرُّ الحفظ ويبقى، ومن غيرها يتفلَّت القرآن.
القاعدة الخامسة عشرة: العناية بالمتشابهات:
القرآن متشابهٌ في معانيه وألفاظه وآياته، وإذا كان القرآن فيه نحو من ستةِ آلاف آية ونيِّف، فإن هناك نحوًا من ألفي آية فيها تشابهٌ بوجهٍ ما، قد يصل أحيانًا إلى حد التطابق، أو الاختلاف في حرف واحد، أو كلمة واحدة، أو اثنين أو أكثر؛ لذلك يجب على قارئ القرآن المجيد أن يعتني عناية خاصة بالمتشابهات من الآيات، ومن أشهر الكتب التي تساعده في ذلك: عون الرحمن في حفظ القرآن للشيخ: أبي ذر القلموني - أسرار التكرار في القرآن للشيخ/ محمود بن حمزة بن نصر الكرماني.
القاعدة السادسة عشرة: اغتنم سِنِي الحفظ الذهبية:
سنوات الحفظ الذهبية من سن الخامسة إلى الثالثة والعشرين تقريبًا؛ فالإنسان في هذه السن تكون حافظته جيدة جدًّا، وعلى الإنسان أن يستغلَّ سنوات الحفظ الذهبية في حفظ كتاب الله -تعالى- أو ما استطاع من ذلك، والحفظ في هذه السن يكون سريعًا جدًّا، والنسيان يكون بطيئًا جدًّا.
ولكن ليس معنى هذا أنه لا يمكن الحفظ في غير هذه السن، بل قد حَفِظ بعض الناس القرآن بعد الستِّين، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم، فجاهد واجتهد، وواصل واتصل تَصِل، ولكل مجتهد نصيب.
وأخيرًا - يا صاحب القرآن - لي عندك أمنيات ثلاث، بعد أن تنتهي من قراءة هذا الموضوع:
• فأما الأولى، فهي أن تبدأ في الحفظ من اليوم، وليس من الغد، وإياك من كلمة سوف.
• والثانية: أن تنشرَ هذا الذي عَرَفت، فكما يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي مسعود الأنصاري: «مَن دلَّ على خيرٍ، فله مثلُ أجر فاعله».
• والثالثة: إذا وفَّقك الله -تعالى- للحفظ، فلا تنسَني من دعوةٍ بظهر الغيب! وسوف تنال من الله -تعالى- مثل ما تدعو لي به؛ مصداقًا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه الإمام مسلم عن عُوَيمر بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن دعا لأخيه بظهر الغيب قال المَلَك الموكَّل به: آمين، ولك بمثل».
ادعُ الله -تعالى- أن يغفرَ لي ولكَ ولعامَّة المسلمين، وأن يجعل القرآن العظيم حجَّة لنا لا علينا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يُرضِيه عنا، وأن يجعل القرآن العظيم شفيعًا لنا يوم القيامة، ودليلاً لنا إلى جنات النعيم.