قالوا ما هذا إِلَّا رجلٌ يرِيد أَنْ يصُدَّكمْ عمَّا كان يَعْبدُ آبَاؤُكُم
أبو الهيثم محمد درويش
{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ سبأ 43 – 45 قال السعدي في تفسيره:]
- التصنيفات: التفسير -
{قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} :
لم ينظروا في ميراث الآباء أو يتأملوا إن كان الآباء على حق أم باطل , بل بادروا بتكذيب آيات الله لمجرد مخالفتها لشرك الآباء ووثنيتهم , و لأنها ستغير سلوكهم من طاعة الأوثان و كهنتها إلى اتباع أحكام الله و شرائعه.
ركنوا إلى إلف العادة و رفضوا كل جديد حتى و إن كان هذا الجديد هو الحق ذاته.
و قابلوا دعوة الحق و نور السماء بالتشويه بدعوى أن صاحبها يصد عن معتقد الآباء حتى وإن كان معتقد الآباء لا يعدو كونه وثنية قائمة على عبادة الحجر وطاعة كهنته.
ثم تنوعت تشويهاتهم لرسالة السماء بين ادعاء أنها سحر و كهانة تارة و بين ادعاء أنها إفك و محض افتراء, دون أن يستند قولهم إلى كتاب سابق أو رسول منذر, فكان شأنهم كشان سابقيهم من المعاندين الذين أبوا إلا الجاهلية و ماتوا عليها فاستحقوا العذاب.
{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ سبأ 43 – 45 قال السعدي في تفسيره:]
يخبر تعالى عن حالة المشركين, عندما تتلى عليهم آيات اللّه البينات, وحججه الظاهرات, وبراهينه القاطعات, الدالة على كل خير, الناهية عن كل شر, التي هي أعظم نعمة جاءتهم, ومِنَّةٍ وصلت إليهم, الموجبة لمقابلتها بالإيمان والتصديق, والانقياد, والتسليم, أنهم يقابلونها بضد ما ينبغي, ويكذبون من جاءهم بها ويقولون: { { مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} } أي: هذا قصده, حين يأمركم بالإخلاص للّه, لتتركوا عوائد آبائكم, الذين تعظمون وتمشون خلفهم، فردوا الحق, بقول الضالين, ولم يوردوا برهانا, ولا شبهة.
فأي شبهة إذا أمرت الرسل بعض الضالين, باتباع الحق, فادَّعوا أن إخوانهم, الذين على طريقتهم, لم يزالوا عليه؟ وهذه السفاهة, ورد الحق, بأقوال الضالين, إذا تأملت كل حق رد, فإذا هذا مآله لا يرد إلا بأقوال الضالين من المشركين, والدهريين, والفلاسفة, والصابئين, والملحدين في دين اللّه, المارقين, فهم أسوة كل من رد الحق إلى يوم القيامة.
ولما احتجوا بفعل آبائهم, وجعلوها دافعة لما جاءت به الرسل, طعنوا بعد هذا بالحق، { { وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى} } أي: كذب افتراه هذا الرجل, الذي جاء به. { {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} } أي: سحر ظاهر بيِّن لكل أحد, تكذيبا بالحق, وترويجا على السفهاء.
ولما بيَّن ما ردوا به الحق, وأنها أقوال دون مرتبة الشبهة, فضلا أن تكون حجة, ذكر أنهم وإن أراد أحد أن يحتج لهم, فإنهم لا مستند لهم, ولا لهم شيء يعتمدون عليه أصلا, فقال: { {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} } حتى تكون عمدة لهم { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ } حتى يكون عندهم من أقواله وأحواله, ما يدفعون به, ما جئتهم به، فليس عندهم علم, ولا أثارة من علم.
ثم خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين قبلهم فقال: { {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا } } أي: ما بلغ هؤلاء المخاطبون { {مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } } { فَكَذَّبُوا } أي: الأمم الذين من قبلهم { { رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } } أي: إنكاري عليهم, وعقوبتي إياهم. قد أعلمنا ما فعل بهم من النكال, وأن منهم من أغرقه, ومنهم من أهلكه بالريح العقيم, وبالصيحة, وبالرجفة, وبالخسف بالأرض, وبإرسال الحاصب من السماء، فاحذروا يا هؤلاء المكذبون, أن تدوموا على التكذيب, فيأخذكم كما أخذ من قبلكم, ويصيبكم ما أصابهم.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن