العلمانيون والصوفية.. توافق على إسقاط الشريعة (5)

مدحت القصراوي

أما المنحرفون من الصوفية فقد حملوه على اليقين المناقض للشك، أو على درجة خاصة منه! ورتبوا على هذا أن التعبد المأمور به إنما هو لحالة ما قبل اليقين..

  • التصنيفات: التصنيف العام - الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -
العلمانيون والصوفية.. توافق على إسقاط الشريعة (5)

والمأخذ الثاني لانحراف الصوفية عن الشريعة:

أنهم يجعلون الشريعة حاكمة على الظاهر من الأقوال والأفعال وأما الباطن فلا حكم للشريعة عليه ولا يلزم التقيد بها، بل هو بحسب وجده وذوقه، بلا ضابط..!

 

فقد تحلل باطنهم من التقيد بالشريعة إذ نظروا الى أحكام الفقه من العبادات والمعاملات والشروط والأركان والنواقض ولم ينظروا الى ما أمر الله تعالى به من إصلاح القلوب ورقابته على البواطن، ولم ينظروا الى التلازم بين الباطن والظاهر في دين الله تعالى.

 

والمأخذ الثالث لانحرافهم:

هو فهمهم لأمر (اليقين) المأمور به في خاتمة سورة الحجر؛ إذ قال الله تعالى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.. ونصُّ رسول الله المفسر للآية أنه الموت فقد قال صلى الله عليه وسلم «أما عثمان ـ يعني ابن مظعون ـ فقد جاءه اليقين من ربه» [رواه البخاري] وهذا عقب وفاته رضي الله عنه، وهو مفسَر كذلك في سورة المدثر {حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ} وهو الموت.

 

أما المنحرفون من الصوفية فقد حملوه على اليقين المناقض للشك، أو على درجة خاصة منه! ورتبوا على هذا أن التعبد المأمور به إنما هو لحالة ما قبل اليقين، فإذا وصل أحدهم الى اليقين سقطت عنه التكاليف فلا صوم ولا صلاة ولا فرائض، ولا رعاية لحرمات الله ولا حفظ حدوده بل ارتكاب للفواحش والمحرمات.. ويعتذرون ـ ويعتذر عنهم أصحابهم المخودعون، والآملون الوصول لحالهم! ـ بأنهم أصحاب يقين فهم غير مخاطبين بالشريعة..!

 

والمأخذ الرابع لهم:

هو ما يرون أنهم مأمورون بالقدر لا بالشرع، وأنهم جارون على قدر الله لا يمانعونه، ولهذا فهم مع من غلب ولو كان كافرا فيرون أنهم مأمورون بنصرته! ويروون أحاديث ملفقة ومخترعة بأن أهل الصُفّة يوم أُحد كانوا مع المشركين يقاتلون معهم عندما ظهر غلبهم للمسلمين..! ويرون أنهم يتدينون بهذا وأن هذا عليهم كواجب..!

 

ولم يفرقوا بين الأمر الشرعي الذي أمر الله بتصديقه واتباعه والتزامه باطنا وظاهرا، فرديا وجماعيا.. وبين الأمر القدري الذي أمر الله تعالى أن نصدق به ونتوكل على الله تعالى في الحول والقوة عليه، لتغيير الشر والقوة على الخير.. فالأول يوجب العبادة والثاني يوجب التوكل.

 

ولكنهم ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وناقضوا كتاب الله بآياته، وجلعوا هذه الآية مسقطة للتكاليف.. فسبحان من جعل الهوى شرسا في قلوب الخلق، حتى خرجوا من دينه وأسقطوا تكاليفه لخلقه وانسلخوا من الحق بعدما علموه..! ولذلك كان للضلال (سُبلا) فيضلوا عن سبيله.