من آداب المعلم: نشر العلم النافع بين الناس
العلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، وورثة العلماء هم المتعلمون، وهم علماء المستقبل، وهم محور العملية التربوية والتعليمية.
- التصنيفات: التصنيف العام - طلب العلم - الإسلام والعلم -
تمهيد:
نظرًا لأهمية التعلم والتعليم، فقد نظر إليها الإمام ابن مفلح - رحمه الله تعالى - باهتمام بالغ، وأَولاها نصيبًا ليس بالهين من كتابه؛ حيث إنه على الأغلب لا يخلو فصل من فصول هذا المصنف العظيم، من إشارة إلى أدب من آداب العملية التعليمية التربوية، وقد تكلم رحمه الله تعالى عن آداب كثيرة، منها ما هو عام يخص المعلمين والمتعلمين وغيرهم، أو آداب خاصة ذكرها في فصول العلم من كتابه - رحمه الله تعالى - وقد أخذت هذه الآداب حيزًا لا بأس به من هذا الكتاب الكبير.
والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، وورثة العلماء هم المتعلمون، وهم علماء المستقبل، وهم محور العملية التربوية والتعليمية، وهذه العملية التربوية التعليمية ترتكز على حُسن أداء المعلم مع تلاميذه، وشدة تأثيره عليهم، وآدابه معهم، وآدابهم معه.
1- نشر العلم النافع بين الناس:
فالتعليم رسالة سامية قبل أن يكون صنعةً أو مهنة، والعلم مع العالم مثل الطِّيب مع صاحب الطِّيب، وقد قال عليه الصلاة والسلام في صاحب الطيب: «فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبةً»[1]، والعلم هو الخَلوق والطِّيب للعلماء، يشير إلى ذلك ابن مفلح - رحمه الله - فيقول: "قال ابن المبارك: الحبر خَلوق العلماء"[2]، ونشر العلم، وتعليم الناس من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله جل وعلا؛ يقول الإمام ابن مفلح: "روى ابن الجوزي بإسناده عن عبدالرحمن بن مهدي قال: كان الرجل إذا لقي مَن هو فوقه في العلم كان يوم غنيمة، وإذا لقي من هو مثله دارسه وتعلم منه، وإذا لقي من دونه تواضع له وعلَّمه"[3].
ونشر العلم بين الناس، وخصوصًا أولئك المتعلمين المتلهفين للمعرفة - يزيد من حفظ المعلم له؛ يقول الإمام ابن مفلح: "وعن دغفل قال: آفة العلم أن تخزنه ولا تحدث به ولا تنشره، وقال إبراهيم النخَعي: حدِّث حديثك من تشتهيه ومن لا تشتهيه؛ فإنك تحفظه حتى كأنه أمامك تقرؤه"[4]، بل إن المصنف - رحمه الله - أشار إلى أهمية نشر العلم فيما نقله عن الإمام أحمد، بأنه لا ينبغي دفنُ كتب العلم بعد موت صاحبها، ولكن تترك كي يستفيد منها أبناؤه أو غيرهم من بعده، وقال أبو طالب: "قلت: يباع[5]؟ قال: لا يباع العلم، ولكن يدَعه لولده ينتفع به، أو غير ولده ينتفع به، وقال في رواية المروذي وسأله عمن أوصى أن تدفن كتبه قال: ما يعجبني دفنُ العلم"[6].
الكاتب: بدر بن جزاع بن نايف النماصي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (متفق عليه)البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري. الجامع المسند الصحيح. دار طوق النجاة. ط1. 1422هـ. باب المسك. ج 7 ص96. مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري. المسند الصحيح المختصر. دار إحياء التراث العربي. بيروت. باب استحباب مجالسة الصالحين. ج 4. رقم الحديث (2026).
[2] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2 ص209.
[3] (المرجع السابق): ج2. ص150.
[4] (المرجع السابق): ج2. ص212.
[5] يعني: العلم، وكتب أهل العلم بعد وفاتهم.
[6] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2 ص218.