من آداب المعلم: النصح والحلم وعدم التعنيف
الحِلم سيد الأخلاق، وبه ينال السؤدد بين الناس، وقد جاء في حديث أشجِّ عبدالقيس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له: «إن فيك خَصلتينِ يحبهما الله: الحِلمَ والأناةَ».
- التصنيفات: التصنيف العام - طلب العلم - الإسلام والعلم -
التناصح بين المعلمين والتواصي بالحق:
لتعديل المائل، وإقامة المعوَجِّ، وتنبيه الشارد، وتذكير المخطئ، فكم من خطأ لا يعلم به من وقع فيه، إلا بعد التنبيه ممن يؤاخيه، نقل الإمام ابن مفلح - رحمه الله - عن القاضي أبي يعلى: "بإسناده عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، حدثني أبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعمت الهديةُ ونعمت العطيةُ الكلمةُ من كلام الحكمة يسمعها الرجل فينطوي عليها حتى يُهديَها إلى أخيه»[1].
وقد أشار المصنف إلى هذا الأدب، واستدل بما جاء في البخاري من حديث أبي جحيفة: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم آخَى بين سلمان وأبي الدرداء، وأن سلمان زاره فصنع أبو الدرداء له طعامًا، وقال له: كُلْ؛ فإني صائم، فقال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل"، قال: وفيه استحباب زيارة الأخ أخاه، فإن رآه على خير أعانه، وإن رآه محتاجًا إلى تقويم قوَّمه"[2]، كذلك فإنه ينبغي على من أُسدِيَت إليه النصيحة أن يقبَلَها بصدر رحب، نقل المصنف - رحمه الله - من كلام: "ابن عبدالبر في باب منثور الحِكم والأمثال، منتقى من نتائج عقول الرجال: "من أحبك نهاك، ومن أبغَضك أغراك"[3]؛ فصديقك هو العُدَّة بعد الله تعالى في زمن الشدائد والملمات، وقد نقل المصنف أيضًا عن ابن عبدالبر قوله: "صديقي درهمي، إذا سرحته فرَّج همي، وقضى حاجتي"[4]، ونقل المصنف - رحمه الله - عن ابن عبدالبر قوله: "امحَضْ أخاك النصيحةَ، وإن كانت عنده قبيحةً"[5].
التوسط في جميع شؤون حياته:
لأن هذا مما يقربه إلى قلوب الناس، وبخصوص أولئك المتعلمين الذين ينهلون منه تربيةً وعلمًا، فيخالطهم، ويلبَس من أوسط ما يلبَسون، ويأكل من أوسط ما يأكلون، ولا يتميز عنهم بشيء من أمور الدنيا، فيدعوهم ذلك إلى الجفاء بما عنده من العلم، قال ابن مفلح - رحمه الله -: "قال أبو الفرج بن الجوزي - رحمه الله: وينبغي للعالم أن يتوسط في ملبَسِه ونفقته، وليكن إلى التقلُّلِ أميلَ؛ فإن الناس ينظرون إليه"[6].
الحِلم على المتعلمين، وعدم الجهل عليهم:
فالحِلم سيد الأخلاق، وبه ينال السؤدد بين الناس، وقد جاء في حديث أشجِّ عبدالقيس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له: «إن فيك خَصلتينِ يحبهما الله: الحِلمَ والأناةَ»[7]، وقال المصنف رحمه الله تعالى في صفات الإمام أحمد رحمه الله: "وقال المروذي: كان أبو عبدالله لا يجهل[8]، وإن جهل عليه احتمل وحلُم، ويقول: يكفيني اللهُ، ولم يكُنْ بالحقودِ ولا العَجُول"[9]، وذكر من صفاته رحمه الله أيضًا عن المروذي قال: "وكان حسَنَ الخُلُق، دائمَ البِشْر، ليِّنَ الجانب، ليس بفظٍّ ولا غليظ، وكان يحبُّ في الله، ويُبغضُ في الله"[10].
ترك التعنيف والحرص على عدم إغضاب المتعلم:
جاء في لسان العرب: "عنف: العنف الخرق بالأمر، وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق، عنف به وعليه يعنف عنفًا وعنافة، وأعنفه وعنَّفه تعنيفًا، وهو عنيف إذا لم يكن رفيقًا في أمره، واعتنف الأمر: أخذه بعنف"[11]، وجاء في صحيح مسلم عن عائشة زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرِّفق، ويعطي على الرِّفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه»[12]، وليس من صفات المعلم والمربي المسلم كثرة التعنيف، وإيذاء المتعلمين باللسان؛ فقد جاء في صفات المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه -: "ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا سخَّاب بالأسواق، ولا يدفع السيئةَ بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح"[13].
نقل المصنف - رحمه الله -: "قول محمد بن عبدالباقي الحنبلي: يجب على المعلِّم ألا يعنف، وعلى المتعلم ألا يأنف"[14].
ومن مساوئ كثرة التعنيف للمتعلم إغضابه، وإذا غضب المتعلم فلن يقبل من المعلم والمربي أي نصيحة، بل يدفعه ذلك إلى النفور من العلم والتعلم، وعدم الاستماع لتوجيهات المعلم التربوية والتعليمية، يشير إلى ذلك المصنف - رحمه الله - فيقول: "وقال أحمد: حدثنا معتمر بن سليمان، سمعت أبي يقول: ما أغضبت رجلاً قط فسمع منك"[15].
الكاتب: بدر بن جزاع بن نايف النماصي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (المرجع السابق): ج1. ص184.
[2] (المرجع السابق): ج2. ص329.
[3] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج4. ص261.
[4] (المرجع السابق): ج4. ص261.
[5] (المرجع السابق): ج4. ص260.
[6] (المرجع السابق). ج4. ص141.
[7] مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري. المسند الصحيح المختصر. (مرجع سابق). باب: الأمر بالإيمان بالله ورسوله. ج 1. ص 46. رقم الحديث (25).
[8] أي: لا يسفه أحدًا.
[9] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2. ص88.
[10] (المرجع السابق): ج2. ص89.
[11] ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري. لسان العرب. دار صادر. بيروت. ط 3. 1414هـ. فصل العين المهملة. ج9. ص257.
[12] مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري. المسند الصحيح المختصر (مرجع سابق). ج4. ص2003. رقم الحديث (2593).
[13] البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري. الجامع المسند الصحيح (مرجع سابق). باب: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} . ج 6 ص135.
[14] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج1. ص294 - 295.
[15] (المرجع السابق): ج1. ص368.