من آداب المعلم: التخصص وسعة الاطلاع
ينبغي على المعلم أن يكون ذا اطلاع مستمر، فتقوَى مداركه، ويتمكن من المادة العلمية التي يقوم بتعليمها.
- التصنيفات: التصنيف العام - طلب العلم - الإسلام والعلم -
حب العلم:
يجب أن يكون المعلم واسع الاطلاع، شغوفًا بالقراءة، مهتمًّا بالعلم، محبًّا له، والله تعالى يقول: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]؛ لأن هذا العلم هو ما يبقى للإنسان بعد موته؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابنُ آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له»[1]، يشير إلى ذلك الإمام ابن مفلح - رحمه الله - فيقول: "قال ابن الجوزي: ما يتناهى في طلب العلم إلا عاشق، والعاشق ينبغي أن يصبر على المكاره"[2]، وقال في موضع آخر وهو ينقل عن الإمام ابن الجوزي قوله: "وقال أيضًا في كتابه السر المصون: مثل المحب للعلم مثل العاشق؛ فإن العاشق يهتم بمعشوقه، ويهيم به، وكذلك المحب للعلم"[3].
التخصص والتمكن في المادة العلمية:
ينبغي على المعلم أن يكون ذا اطلاع مستمر، فتقوَى مداركه، ويتمكن من المادة العلمية التي يقوم بتعليمها، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]، جاء في تفسيرها عند ابن كثير - رحمه الله تعالى - أي: "الفهم والعلم والجدَّ والعزم، والإقبال على الخير، والإكباب عليه، والاجتهاد فيه، وهو صغير حَدَثُ السِّن"[4]، يشير إلى ذلك المصنف - رحمه الله تعالى - فيقول: "وقال الأعمش: وقال نعيم بن حماد: قلت لعبدالرحمن بن مهدي: كيف تعرف صحيح الحديث من خطئه؟ فقال: كما يعرف الطبيب المجنون"[5]، وقال في موضع آخر: "وقال الأعمش: كان إبراهيم صيرفيَّ الحديث، فكنت إذا سمعت الحديث من بعض أصحابنا أتيته فعرضته عليه"[6]، فالمصنف - رحمه الله - هنا يشير إلى تمكُّن هذين العالِمَين الجليلين من علماء الحديث من مادتهم العلمية، مما مكنهم من التخصص في هذا الفن من فنون العلم الشرعي.
العزلة للمعلم:
إذا أراد المعلم الازدياد من العلم، والتمكن فيه، فينبغي له أن يحفظ وقته، ولا يكثر من مخالطة الناس، فيضيع الزمان بين القيل والقال، كيف وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على الوقت، وأنه من أعز ما يملك الإنسان في هذه الحياة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ»[7]، يقول الإمام ابن مفلح ناقلاً أهمية العزلة للعالم: "وقال أبو الفرج في أوائل صيد الخاطر: ما أعرف للعالِم قط لذةً ولا عزًّا ولا شرفًا ولا راحةً وسلامةً أفضل من العزلة؛ فإنه ينال بها سلامةَ بَدَنه ودِينه وجاهه عند الله عز وجل وعند الخَلْق"[8].
ألا يشتهر المعلم بالفِسق والرذيلة:
التلاميذ يتعلمون من معلمهم الأخلاق قبل العلم؛ لذا كان لزامًا على المعلم أن يكون مربِّيًا قبل أن يكون معلمًا، وكيف يتعلم التلميذ من معلم اشتهر بين الناس بالفسق والرذيلة؟! وكيف يتربى على الأخلاق الفاضلة من يرى معلمه صاحب فِسق وقلةِ دِيانة؟! قال ابن مفلح - رحمه الله -: "وعن أنس قال: قيل: يا رسول الله، متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: «إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم»، قلنا: وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: «الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم»"، قال زيد: تفسيره: إذا كان العلم في الفاسق؛ رواه أحمد وابن ماجه"[9].
الكاتب: بدر بن جزاع بن نايف النماصي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري. المسند الصحيح المختصر. (مرجع سابق). باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد موته. ج 3. ص 1255. رقم الحديث (1631).
[2] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج1 ص286.
[3] (المرجع السابق): ج1. ص288.
[4] ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي. تفسير القرآن العظيم. دار طيبة للنشر والتوزيع. ط 2. 1420هـ - 1999 م. ج5 ص 216.
[5] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2. ص233.
[6] (المرجع السابق): ج2. ص233.
[7] البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري. الجامع المسند الصحيح. (مرجع سابق). باب: لا عيش إلا عيش الآخرة. ج 8 ص88.
[8] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2. ص341.
[9] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج1. ص 258 - 259.