من آداب المعلم: التراجع عن الخطأ وعدم ظلم المتعلمين
يجب أن يوقِنَ المعلمُ أشدَّ اليقين أن العمل كلما زاد نفعُه تخلَّلَتْه بعض الأخطاء التي تعمل على تمحيص هذا العمل شيئًا فشيئًا، حتى تخلِّصَه من كل الشوائب التي قد تُفسِد العمل مستقبلاً.
- التصنيفات: التصنيف العام - طلب العلم - الإسلام والعلم -
عدم ظلم المتعلم:
فالظلم ظلمات يوم القيامة، وليس من صفات المعلم والمربي المسلم، أن يكون ظالِمًا لمن هم دونه من المتعلمين، والمعلم هو أحق الناس وأَولاهم بإقامة العدل والإنصاف، وترك عقوبة المتعلم، وقد نقل المصنف - رحمه الله - قول جعفر بن محمد: "لأن أندم على العفوِ، أحبُّ إلي من أن أندم على العقوبة، كان يقال لي: أولى الناس بالعفو أقدرُهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً مَن ظلم مَن هو دونه"[1].
• اشتراط سن الأربعين للمعلم، إلا عند الحاجة:
وهي السن التي بعث فيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكثير من الأنبياء قبله، وفيها يكمل العقل، وتشتد القوى؛ قال ابن مفلح - رحمه الله -: "والأولى لا يحدث حتى أن يتم له أربعون سنةً"، واستثنى استثناءً من هذه القاعدة فقال: "إلا أن يحتاج إليه؛ فقد حدَّث بُندارٌ وله ثلاث عشرة سنةً، وحدث البخاري وما في وجهه شعرة"[2].
• عدم التقدم بالحديث بين يدي مَن هم أعلم وأكبر منه، وعدم الإجابة على سؤال طرح على غيره:
جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحَمْ صغيرنا، ويوقِّرْ كبيرنا»[3]، وقد قال ابن مفلح - رحمه الله -: "ويكره أن يحدث بحضرة مَن هو أسنُّ منه أو أعلم، فقد كان الشعبي إذا حضر مع إبراهيم لم يتكلَّم إبراهيم، وقال سفيان الثوري لسفيان بن عيينة: ما لك لا تحدِّث؟ فقال: أما وأنت حيٌّ فلا، وقال سمرة بن جندب: لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسنُّ مني؛ متفق عليه"[4].
وكذلك فإن الإجابة عن سؤال لم يوجَّه إليه، فيها قلة أدب، وإزراء بمن وجه له السؤال، وتطفل على السائل، نقل المصنف - رحمه الله - عن مجاهد: "قال لقمان لابنه: إياك إذا سُئل غيرك أن تكون أنت المجيب، كأنك أصبت غنيمةً، أو ظفرت بعطية؛ فإنك إن فعلت ذلك أزريت بالمسؤول، وعنفت السائل، ودللت السفهاءَ على سفاهة حِلمك، وسوء أدبك، يا بني، ليشتد حرصك على الثناء من الأَكْفاء، والأدب النافع، والإخوان الصالحين، قال ابن بطة: كنت عند أبي عمر الزاهد فسُئل عن مسألة، فبادرت أنا فأجبت السائل، فالتفت إليَّ فقال لي: تعرف الفضوليات المنتقبات، يعني: أنت فضولي، فأخجلني، وذكر ذلك أيضًا أبو جعفر العكبري في الآداب له"[5]، قال المصنف: "وقال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: يا عبدالملك، "ليس من الأدب أن تجيبَ من لا يسألُك، أو تسأل مَن لا يجيبك، أو تحدِّث من لا يُنصِت لك"[6].
• تفعيل مبدأ الشورى مع المتعلمين:
فالله جل وعلا يقول في كتابه الكريم، مرشدًا نبينا، ومبينًا لنا أهمية الشورى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159]، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم مشاورةُ أصحابه رضي الله عنهم، في كثير من الغزوات والأمور النازلة؛ لذلك ينبغي على المعلم تطبيق هذا المبدأ مع المتعلمين؛ كي يتربَّى المتعلِّم على عدم الاعتداد برأيه دون الآخَرين؛ قال المصنف - رحمه الله -: قال ابن عبدالبر في باب منثور الحكم والأمثال، منتقى من نتائج عقول الرجال: "من غلب عليه العُجْب، ترَك المَشُورةَ؛ فهلَك"[7]، فتركُ الشورى هو من أبواب العُجب، والاعتدادِ بالرأي، كما أشار إلى ذلك ابن عبدالبر - رحمه الله.
• عدم الانكسار والتراجع عند وقوع الخطأ والعمل على تلافيه في المستقبل:
فالمعلم الذي لا يعمل لن يقع عنده الخطأ بسبب عدم العمل، ولن يوجد بعده علم ينتفع به؛ قال ابن مفلح - رحمه الله -: "وقال البويطي: سمعت الشافعي يقول: قد ألفت هذه الكتب ولم آلُ فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ؛ إن الله تعالى يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]"[8].
وقال أيضًا في موضع آخر: "وقال عبدالرحمن بن مهدي: من يبرِّئ نفسه من الخطأ، فهو مجنون، وقال مالك: ومن ذا الذي لا يخطئ؟!"[9].
ويجب أن يوقِنَ المعلمُ أشدَّ اليقين أن العمل كلما زاد نفعُه تخلَّلَتْه بعض الأخطاء التي تعمل على تمحيص هذا العمل شيئًا فشيئًا، حتى تخلِّصَه من كل الشوائب التي قد تُفسِد العمل مستقبلاً، ويجب على المعلم أن يعلم أنه ما دام يعمل فلا بد من أن يقع في الخطأ، بخلاف ذاك المعلم الذي ليس له نتيجة تذكر، وسرعان ما تنساه الأجيال؛ لأنه لم يقدم لهم.
الكاتب: بدر بن جزاع بن نايف النماصي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (المرجع السابق): ج1 ص247.
[2] (المرجع السابق): ج2. ص 243.
[3] الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي. سنن الترمذي (مرجع سابق) باب: ما جاء في رحمة الصبيان. ج4. ص 321. رقم الحديث (1919).
[4] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2 ص243.
[5] (المرجع السابق): ج2. ص277 - 278.
[6] (المرجع السابق): ج4. ص236.
[7] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج4. ص261.
[8] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2. ص250.
[9] (المرجع السابق): ج2. ص251.