لماذا ترفض الأمم المتحدة العدالة بين الجنسين؟
إن إقصاء الأديان والثقافات المختلفة أمر مقصود لذاته لأن مجرد اعتبارها مرجعية يتعارض مع الأساس الذي بنيت عليه الشرعة الدولية ووثائق حقوق الإنسان المختلفة.
- التصنيفات: التصنيف العام - الواقع المعاصر - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
أولاً: ما المقصود بالمساواة بين الجنسين في الوثائق الصادرة عن الأمم المتحدة؟
جاء في ورقة الحقائق الصادرة عن مكتب المستشار الخاص بقضايا الجندر والارتقاء بالمرأة التابع للأمانة العامة للأمم المتحدة[1]، الصادرة في أغسطس 2001م أن "المساواة بين الجنسين يقصد بها: المساواة في الواجبات، والمسؤوليات، والفرص بين الرجال والنساء والبنات والبنين. المساواة لا تعني عد النساء والرجال شيئاً واحداً، لكن حقوق النساء والرجال، ومسؤولياتهم، والفرص المتاحة لهم ينبغي ألا تعتمد على كون أحدهم ذكراً أو أنثى. المساواة بين الجنسين تقتضي أن يوضع في الاعتبار مصالح، واحتياجات، وأولويات كل من الرجال والنساء، مع الاعتراف بالتباين بين المجموعات المختلفة من الرجال والنساء".
من الواضح إذاً أن المساواة تقتضي:
1. أن للجنسين الحقوق نفسها، وعليهما الواجبات نفسها، ولا يميز بينهما في الفرص المختلفة أيّاً كانت.
2. قد تختلف مصالح وأولويات واحتياجات الرجال والنساء، والنساء والنساء، والرجال والرجال.
لكن هل يعني مراعاة اختلاف المصالح والأولويات إمكانيةَ سنِّ قوانينَ عادلةٍ تراعي هذه الاحتياجات المتباينة، فتفرق بينهم بناء عليها، وتسوي بينهم فيما سواها؟ لا! وهذا مخل بالمادة الثانية في اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو". بل ينبغي أن يضمن التشريع التساوي في الواجبات والحقوق والفرص، والحرية الفردية هي الضامن لمراعاة المصالح والأولويات.
جاء في الفقرة 22 من التوصية العامة 28 الصادرة في ديسمبر 2010م عن لجنة سيداو بشأن الالتزامات الأساسية للدول الأطراف بموجب المادة 2 من اتفاقية سيداو: "ومن المفاهيم المتأصلة في مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، أو المساواة بين الجنسين، مفهوم أن كل البشر، بصرف النظر عن نوع الجنس، أحرار في تنمية قدراتهم الشخصية، والسعي في حياتهم المهنية، والاختيار دون قيود تفرضها القوالب النمطية والأدوار الجنسانية الجامدة وأوجه التحيز. والدول الأطراف مدعوة - في تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقية - إلى أن تستخدم حصراً مفاهيم المساواة بين الرجل والمرأة أو المساواة بين الجنسين. وألا تستخدم مفهوم العدل بين الجنسين الذي يُستعمل في بعض الولايات القضائية للإشارة إلى المعاملة المنصفة للرجال والنساء وَفْقاً لاحتياجات كلٍّ منهم. وقد يشمل ذلك المعاملة على قدم المساواة أو المعاملة المختلفة التي تعتبر متكافئة من نواحي الحقوق والمزايا والالتزامات والفرص".
وعلل مكتب المستشار الخاص بقضايا الجندر والارتقاء بالمرأة الإصرار على استعمال كلمة المساواة حصرياً، ورفض كلمة العدل كلياً، في منهاج بكين، وصدور توصية لجنة سيداو لاحقاً مؤكدة على هذا، بأن: العدل بين الجنسين يقتضي وجود محدد لمعايير العدالة، وهذا سيقودنا لقضية العدالة الاجتماعية والتي ترتبط عادة بالدين أو العادات والتقاليد.
والعدالة الاجتماعية لا تعد في الفكر الغربي حقاً من حقوق الإنسان بل هي مجرد غايات نبيلة لا بأس بتحققها إن تيسر ذلك دون مساس بالحقوق الفردية وهذا محال! فالعدالة الاجتماعية تتعارض مع المبدأين الرئيسين اللذين تقوم عليهما الفلسفة الغربية، وتنبني عليها الشرعة الدولية التي ترتكز عليها كل وثائق حقوق الإنسان وهما: المساواة والحرية.
يقول فريدريخ فون هايك [2]: "لا يمكن لوضع ما أن يكون عادلاً أو غير عادل إلا عندما نفترض أن شخصاً ما مسؤول عن تحقيق هذا الوضع. فنأخذ على سبيل المثال سوقاً حرة وعفوية، الأسعار فيها هي التي تحدد قرارات الناس، وليس لرغباتهم أو ما يستحقونه أي ثقل في العملية. السوق هنا يوجد عملية توزيع لم يصممها أحد، وأي عملية لم يصممها أحد لا يمكن أن نقول عنها أنها عادلة أو غير عادلة. فكرة أن الأمور يجب أن تصمم بطريقة تجعلها عادلة تعني حقيقة أننا يجب أن نترك السوق الحر ونتبنى بدلاً عنه اقتصاداً مخططاً بالكامل، يقرر فيه شخص ما[3] مقدار ما يجب أن يمتلكه الباقون، وهذا بالطبع سيكون على حساب القضاء التام على الحرية الشخصية".
والجيلان الثاني والثالث[4] من حقوق الإنسان لا يعدهما الفكر الغربي حقوقاً، لأن عدَّ أي من المزايا الاقتصادية والاجتماعية حقوقاً يوجد مباشرة واجبات لا تتحقق هذه الحقوق دون القيام بها، وهذا يعني تقويض المبدأين الأساسيين: الحرية والمساواة. وهذا أحد أسباب تقسيم الشرعة الدولية إلى ثلاث أجزاء.
ختاماً يتبين أن إقصاء الأديان والثقافات المختلفة أمر مقصود لذاته لأن مجرد اعتبارها مرجعية يتعارض مع الأساس الذي بنيت عليه الشرعة الدولية ووثائق حقوق الإنسان المختلفة. تؤكد على هذا الفقرة 41 من التوصية العامة 28 للجنة سيداو التي جاء فيها: "تعتبر اللجنة أن المادة 2 – وهي التي توجب تغيير الدساتير والقوانين والأنماط الاجتماعية لضمان تحقق المساواة بين الجنسين - تشكل جوهر التزامات الدول الأطراف بموجب الاتفاقية. ومن ثم ترى أن التحفظات على المادة 2، أو على فقراتها الفرعية، تتنافى من حيث المبدأ مع موضوع الاتفاقية وغرضها، ومن ثم تُعد غير مقبولة بموجب الفقرة 2 من المادة 28. ويتعين أن تقدم الدول الأطراف التي أبدت تحفظات على المادة 2 أو فقراتها الفرعية إيضاحاً للأثر الفعلي لتلك التحفظات على تنفيذ المعاهدة، وأن تشير إلى الخطوات المتخَذة للإبقاء على التحفظات قيد الاستعراض بهدف سحبها في أقرب وقت ممكن".
الكاتبة: أسماء عبد الرازق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أدمج سنة 2010 مع ثلاث جهات أخرى معنية بقضايا الجندر وشكلت الأمم المتحدة للنساء (UN Women).
[2] فيلسوف نمساوي بريطاني، وعالم اقتصاد ومنظر سياسي، فاز بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية سنة 1974م. وعرف عنه الليبرالية الكلاسيكية والرأسمالية القائمة على أساس السوق الحر ونقده للفكر الاشتراكي والجماعي في أواسط القرن العشرين. له عدد من المؤلفات الاقتصادية والسياسية والفلسفية.
[3] أو تشريع ما.
[4] الجيل الثاني يتعلق بالحقوق الجماعية وهي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهو مرتبط بالحقوق الإيجابية. والجيل الثالث هي الحقوق البيئية ولا بد أن يتعاون المجتمع الدولي كله لتحقيقها.