بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضاً إلا غروراً
أبو الهيثم محمد درويش
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} [فاطر 40]
- التصنيفات: التفسير -
{بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} :
ظالم غر ظالماً فطغى الأول و خنع الأخير , تأله الأول و عبده الأخير.
هو الشرك و إن اختلفت صوره.
قد يكون الشريك هوى متبعاً أو شحاً مطاعاً أو شيطاناً يزين لتابعه تأليه غير الله و يغره و يغريه .
و خلاصة القول: هل الأوثان المادية و المعنوية خلقت في الأرض شيئاً أو ملكت في السموات شيئاً, أو حتى تملك لنفسها الضر والنفع, فضلاً عن أن تملكه لغيرها؟
هو الشيطان يزين لظالم أن يتأله و لظالم آخر أن يؤمن بإلهية الأول , ليجتمع الأول و الأخير بزعيمهم إبليس في جهنم و يتبرأ الجميع من بعضهم يوم القيامة, فاحذر.
قال تعالى :
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} [فاطر 40]
قال السعدي في تفسيره:
يقول تعالى مُعجِّزًا لآلهة المشركين، ومبينا نقصها، وبطلان شركهم من جميع الوجوه.
{ {قُلْ } } يا أيها الرسول لهم: { {أَرَأَيْتُمْ} } أي: أخبروني عن شركائكم { {الذين تدعون من دون الله} } هل هم مستحقون للدعاء والعبادة، فـ { {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ } } هل خلقوا بحرا أم خلقوا جبالا أو خلقوا حيوانا، أو خلقوا جمادا؟ سيقرون أن الخالق لجميع الأشياء، هو اللّه تعالى، أَمْ لشركائكم شِرْكٌة { {فِي السَّمَاوَاتِ } } في خلقها وتدبيرها؟ سيقولون: ليس لهم شركة.
فإذا لم يخلقوا شيئا، ولم يشاركوا الخالق في خلقه، فلم عبدتموهم ودعوتموهم مع إقراركم بعجزهم؟ فانتفى الدليل العقلي على صحة عبادتهم، ودل على بطلانها.
ثم ذكر الدليل السمعي، وأنه أيضا منتف، فلهذا قال: { {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا } } يتكلم بما كانوا به يشركون، يأمرهم بالشرك وعبادة الأوثان. { {فَهُمْ} } في شركهم { {عَلَى بَيِّنَةٍ } } من ذلك الكتاب الذي نزل عليهم في صحة الشرك؟
ليس الأمر كذلك؟ فإنهم ما نزل عليهم كتاب قبل القرآن، ولا جاءهم نذير قبل رسول اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم، ولو قدر نزول كتاب إليهم، وإرسال رسول إليهم، وزعموا أنه أمرهم بشركهم، فإنا نجزم بكذبهم، لأن اللّه قال: { { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } } فالرسل والكتب، كلها متفقة على الأمر بإخلاص الدين للّه تعالى، { {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } }
فإن قيل: إذا كان الدليل العقلي، والنقلي قد دلا على بطلان الشرك، فما الذي حمل المشركين على الشرك، وفيهم ذوو العقول والذكاء والفطنة؟
أجاب تعالى بقوله: { {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا } } أي: ذلك الذي مشوا عليه، ليس لهم فيه حجة، فإنما ذلك توصية بعضهم لبعض به، وتزيين بعضهم لبعض، واقتداء المتأخر بالمتقدم الضال، وأمانيّ مَنَّاها الشيطان، وزين لهم سوء أعمالهم، فنشأت في قلوبهم، وصارت صفة من صفاتها، فعسر زوالها، وتعسر انفصالها، فحصل ما حصل من الإقامة على الكفر والشرك الباطل المضمحل.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن