المعجزة القرآنية

إن إكثار القرآن الكريم من الكلام في الدار الآخرة إنما هو لعمل توازن في وعى الانسان بين دنيانا التى تحيط بنا وتلفنا في أمالها والآمها وبين ما لابد منه في الدار الآخرة لإنه حق ولكن الناس غافلة عنه.

  • التصنيفات: التصنيف العام - القرآن وعلومه - التفسير -
المعجزة القرآنية

المعجزة القرانية:   تأملات في سُورةالواقِعة.

هذه السورة الكريمة التى الف كثير من الناس قراءتها تقرباً إلى الله عز وجل يمكن أن يٌلَخَّص موضوعها  في جملة يسيرة: "موضوع البعث، و منازل الناس"بعده و" أدلة وقوعهعلى هذا المحور دارت آيات السورة كلها والتى تجعل أول السورة تمهيداً لأخرها واخر السورة تصديق لأولها.

ومن ناحية اخرى فان هذه السورة تشكل وحدة متناسقة مترابطة و أن هناك صلة بين آيات السورة لقد أنزل الله القرآن  ورتب آياته في السورة الواحدة ورتب الله سوره على الشكل الذي نراه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بأن يضع الآية في مكانها من السورة، والسور في مكانها من القرآن  فترتيب الآيات في السورة الواحدة بوحي.

  والله عز وجل حكيم علي وحكيم يقول تعالى:  {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4]. 

إن إكثار القرآن الكريم من الكلام في الدار الآخرة إنما هو لعمل توازن في وعى الانسان بين دنيانا التى تحيط بنا وتلفنا في أمالها والآمها وبين ما لابد منه في الدار الآخرة لإنه حق ولكن الناس غافلة عنه

من هنا جاء الحديث في هذه السورة على إنها ستقلب الاوضاع فتبدأ السورة في الحديث عن الساعة:

{إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ * خافِضَةٌ رافِعَةٌ * إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا * فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا} [1-6].

وبعد هذه المقدمة ننتقل الى تصنيف الناس في ذلك اليوم:

{وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [7-10].

ثم تبين ما أعد لكل صنف من هذه الاصناف مبتدئة بالسابقين لإنهم الأفضل:

{أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} [11-26].  

ثم تبين ما أعد لأهل اليمين:

{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ  * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [27-40].

 
ثم تبين ما أعد لأهل الشمال:

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ  * قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [41-56].

ويبقى بعد ذلك عندنا في السورة مقطعان كل منهما ينتهى بكلمة  {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}.

و في هذه السورة سرد في القرءان الكريم خمسة أدلة على صدق البعث و الجزاء بالأدله المقنعة و البراهين الساطعة.

هذه الأدلة هي:

الدليل الأول: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ} الخطاب كما ترى من الله للانسان يذكره فيه بانه خلقه ويطالبه فيه ان يصدق وبديهي ان يطالبه هنا بالتصديق في اليوم الأخر الذي كان الحديث السابق كله عنه, ثم يبدأ المقطع يناقش الإنسان لإقناعه بالتصديق ونجد أن المقطع مقسم إلى أربعة أقسام كل قسم مبدوء كلمة (أفرأيتم) وكل قسم يلفت الإنسان للإيمان بالله والتصديق بأنه الخالق للوصول بعد ذلك إلى الإيمان باليوم الاخر

الدليل الثاني: 

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [58-62]. 


الدليل الثالث:

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [63-67].

 
الدليل الرابع:

{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [68-70].

 
الدليل الخامس:

{أفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [71-74].

ينتهى المقطع وقد اثبت أن الله هو الخالق العظيم وبإثبات هذه الحقيقة لا يسع الإنسان إلا أن يصدق بما أخبره الله عنه بأنه كائن يوم القيامة.


ويبدأ المقطع الاخير في السورة: { لَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [75-82] فيتقرر فيه أولاً أنه لا مجال للتكذيب بشئ أخبر به القرآن وإنه لعقوق بالإنسان أن يكذب ثم يستمر المقطع مبيناً أن الموت لابد منه وإنكم عاجزون أيها البشر عن رده:

{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [83-87].

 
وإذا تقرر هذا كله فإن الذي أخبرتم عنه في أول السورة حق كله ثم بين أن الأرواح عندما تفارق الأجساد تأخذ منازلهاعلى النحو الذي بدأ أول السورة و أصحاب السبق هم المقربون... أصحاب اليمين.... أصحاب الشمال...:

{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [88-89]. 

{أمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [90-91]. 

{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [92-94]. 

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [95-96].

وبذلك تنتهي السورة مرتبطاً أولها بآخرها معروضة أدلة أولها وأخرها و في وسطها متناسقة تناسق كل ما كان من عند الله ولكن العمى لا يبصرون.

 

الكاتب:  جلال عبد الله المنوفي