كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (المقال الثاني)
عبد المنعم منيب
مقال يبحث في مصادر وكتب الفهم الإسلامي الصحيح لعلم السياسة و شرح الواقع السياسي الدولي.
- التصنيفات: التصنيف العام - السياسة الشرعية -
تأثرت بطبيعة والدي رحمه الله منذ الصغر بشأن متابعة الأحداث السياسية بانتظام عبر وسائل المتابعة المهمة التي كان يعتمد هو عليها و أصبحت هذه المتابعة شبه واعية و شبه منتظمة عندى عندما وصلت لعمر الـ14 عاما و بعدها بسنة صارت واعية و منتظمة، و لكن لم أكن أستطيع أن احلل الأحداث فضلا عن أن أستشرف المستقبل أو أحدد الحلول و البدائل الممكنة، ثم جاءت مرحلتي الأولى مع تعلم السياسة و أهم شئ لازمني منذ هذه اللحظة و حتى الآن هو الدافع الذي دفعني لخوض هذا المجال و هذا الدافع هو أنني لم يكن لي هدف من تعلم العلوم السياسية سوى فهم ما يجري فعلا حقيقة على أرض الواقع و استشراف مستقبله مع إدراك أفضل الفرص الممكنة للتعامل مع كل هذا، كان هذا و مازال هو هدفي و همي من دراسة السياسة، في حين كان هم الكثير من الأخوة حفظ مصطلحات السياسة أو الجغرافيا السياسية أو الإستراتيجية أو حفظ ما أسموه ملفات المشكلات الكبرى (فيما يشبه مادة مشكلات سياسية معاصرة التي تدرس للطلبة بكلية العلوم السياسية) لكنني لم أتعمد أن أحفظ أبدا كما لم أحاول أن أقرأ للمتعة بل كنت باحثا دائما عن حقيقة و خفايا الواقع السياسي (كما هو لا كما أتمنى و بمنطقه الواقعي و ليس بمنطقي الشخصي أو المنطق المثالي أو الخيالي) و باحثا فيه عن ما يتيحه من فرص حقيقية (و ليست متوهمة) للعمل الإسلامي و لأن هذا هو هدفي فقد كنت دائما أركز على الأساليب و الأدوات العملية المناسبة للتعامل مع هذه الفرص، و كما كانت عيني على ذلك كله فلقد دربت عقلي على استشراف المستقبل عبر مد نظري للامتدادات و التطورات المتوقعة لهذا الواقع في المستقبل.
هذه الجمل تلخص مجمل المسيرة و لكن كان للمسيرة تفصيلات كثيرة قد تكون مفيدة للبعض.
بدأت بقراءة منهج في التثقيف السياسى كان الأخوة الذين وجهوني وقتها اختاروه و كانت الكتب التي ضمها هذا المنهج تهدف لتعليم عدة محاور كالتالي:
-التعريف بعلم السياسة أكاديميا و فروع هذا العلم الأبرز وبواقع السياسة الإقليمي و العالمي، وأبرز ما درسناه لهذا الغرض كتاب بطرس غالى المدخل إلى علم السياسة والعلاقات السياسية الدولية لإسماعيل صبرى مقلد، و"نظرية الأمن القومى العربى" لحامد ربيع.
-التعريف بالواقع (وكان قليلا لقلة المصادر) وضمت كتاب حلمى مراد "التغيير أو الضياع" ولطارق البشرى "الحركة الوطنية فى مصر 1945-1952" وكتب جلال كشك وكان أولا "ودخلت الخيل الأزهر" ثم صدر له "ثورة يوليو الأمريكية" و "كلمتى للمغفلين" بجانب كتاب "الإسلام والقوى الدولية" للدكتور حامد ربيع مع الاهتمام الخاص بكل ما كتبه حامد ربيع.
و كانت مصادر هذين المحورين كتب عامة لكتاب ذوي علم عميق و كتاباتهم رصينة لا يوجد بها أي سطحية أو تفاهة.
و بجانب هذين المحورين كان هناك المحاور التالية:
-الفهم الإسلامي الصحيح لعلم السياسة و شرح الواقع السياسي الدولي (كان فيه كتاب واحد لسميح عاطف الزين -أطال الله عمره و عافاه- و هو: السياسة و السياسة الدولية).
-الفهم الإسلامي الصحيح لأحداث التاريخ الإسلامي.
-الفهم الإسلامي الصحيح للتفسير الإسلامي للتاريخ و هو ما يسمى فلسفة التاريخ ودرسنا فيه كتاب عماد الدين خليل "التفسير الإسلامى للتاريخ".
-الفهم الصحيح لتطورات الأحداث في التاريخ الحديث و المعاصر للعالم الإسلامي منذ بدء الاحتلال الأوروبي للعالم الإسلامي و توصيف و تحليل الغزو الفكري و التغير الاجتماعي و الثقافي و السياسي الناتج عن هذا الغزو ومما درسنا فيه كتاب القرضاوى "الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا" وعلى جريشة "أساليب الغزو الفكرى" ومحمد محمد حسين "الاتجاهات الوطنية فى الأدب العربى المعاصر" وله "الإسلام والحضارة الغربية" وكتب لأنور الجندى لا أذكرها ربما أبرزها "العالم الإسلامى والاستعمار الغربى" كل ذلك بجانب كتاب رفاعى سرور "عندما ترعى الذئاب الغنم".
-الفهم الإسلامي الصحيح لطبيعة الإنسان النفسية و الاجتماعية وكانت كتب لمحمد قطب.
-الفهم الإسلامي الصحيح للمشكلة الحضارية في العالم الإسلامي و حلولها المقترحة ودرست فيها كتب لسيد قطب ومالك بن نبى.
-فقه الدعوة الإسلامية ودرسنا فيه الكتاب المهم جدا لعبد الكريم زيدان أصول الدعوة فضلا عن كتب الشيخ رفاعى سرور "أصحاب الأخدود" و "حكمة الدعوة" و"بيت الدعوة" وتاليا صدر كتابه المهم جدا "قدر الدعوة".
-كتب كثيرة فى السيرة خاصة سيرة ابن هشام وابن كثير والبوطى والغزالى وأخيرا الغضبان.
و في البداية كان منهجا يشمل معظم هذه المحاور وضعه بعض الأخوة ممن كانوا وقتها أكبر مني سنا و علما و أحترم نصائحهم فى ذلك الوقت لكن المنهج تتطور نتيجة استنصاحي لمزيد من الأخوة الذين لمحت فيهم معرفة أوسع و أسبق مني في التاريخ أو السياسة فأقول له: "أنا شغال على الموضوع الفلاني" فيقول لي: "أه كويس و من المهم أن تقرأ بالمرة معك كذا و كذا..".
بالإضافة إلى أنه بعد فترة قصيرة اتضحت لي ساحة الفكر الإسلامي المعاصر و أهمية من فيها من المفكرين المتميزين و بدأت أحاول أقرأ أكثر أو كل ما كتبوه لكن ركزت على ما يخص التاريخ الحديث و السياسة و ما يتصل بهما من اجتماع و اقتصاد.
وطبعا أبرز هؤلاء المفكرين كانوا أبو الحسن الندوى والمودودى وسيد قطب ومحمد قطب وحسن البنا وفتحى يكن وسعيد حوى ومالك بن نبى وعماد الدين خليل ويوسف كمال (مبدع جدا فى الاقتصاد الإسلامى) وناصر الدين الألبانى (فى الشأن العام وفى علوم الحديث) وتاليا سفر الحوالى، كما قرأت بحذر لمحمد باقر الصدر فلسفتنا واقتصادنا ولعلى شريعتى العودة إلى الذات وغيره.
كما درسنا محور "فقه السياسة الشرعية" حيث كان من محاور دراستنا هذه و كان يعتمد على كتب:
-الأحكام السلطانية للماوردي.
-الأحكام السلطانية لأبي يعلى.
-غياث الأمم للجويني.
-السياسة الشرعية في إصلاح الرعية و الرعية لابن تيمية.
-الطرق الحكمية لابن القيم.
-النظريات السياسية الإسلامية لضياء الدين الريس.
-قواعد الأحكام للعز ابن عبد السلام.
-المشروعية الإسلامية العليا لعلى جريشة.
و لم يكن كتابا القرضاوي في هذا المجال قد صدرا بعد.
و كتابات السياسة الشرعية هذه كانت تركز على الجانب الدستوري و ما يتعلق بـ "نظرية الدولة" و "نظام الحكم" و هى تهمل تماما مسائل سياسية هامة خاصة ما يتعلق بمسائل السياسة العملية كنظريات الصراع سواء الداخلي أو الخارجي أو أنساق صناعة القرار أو طبيعة المعارضة المشروعة للحاكم و كيفيتها و كيفية تعامل الحاكم معها أو كيفية محاسبة الحاكم على قراراته السياسية و العسكرية و الاقتصادية و كيفية تقييم أدائه في الحكم و تقويمه أو نسق القيادة في حالة الاستضعاف أو في حالة التمكين مع ضعف نفوذه أو ضعف قدرة دولته.. الخ و حتى أغلب ما صدر بعد هذه الكتب و حتى الآن لا يوفي أغلب هذه الأمور حقها.
ويستثنى من هذا النقص كتاب ابن تيمية و أغلب كتاباته السياسية و الاقتصادية و كذا كتاب قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام لأنه قواعد فقهية شاملة لكل شئ تقريبا.
و لأن الشيء بالشيء يذكر فلابد أن نشير إلى أن هذا النقص له أثره السلبي على الأداء السياسي لقادة الإسلاميين في وقتنا الحالي كما يؤثر سلبا على الوعي السياسي للقواعد الجماهيرية لأبناء الحركة الإسلامية لأنهم لا يجدون مرجعية تثقفهم بسهولة بما هم بحاجة إليه في ممارساتهم السياسية خاصة الصراعية منها أو ما يتعلق بمحاسبة قادتهم أو تطوير أداءهم و أداء حركاتهم الإسلامية.