كيف نحصل على الوعى السياسى؟ (المقال الرابع)
عبد المنعم منيب
عادة تنتصر الدولة و تهزم الحركة الإسلامية لأن موارد الدولة و هي الأمنية و الإعلامية و الاقتصادية أكبر و من وراءها العالم كله و لأن الحركة الإسلامية لم تبتكر نظرية ثورية جديدة (حتى الآن) قادرة على إحداث اختراق في هذا الحائط الصلد من الموارد.
- التصنيفات: التصنيف العام - السياسة الشرعية - الواقع المعاصر -
مما تعلمته عبر القراءة الكثيرة لكتب التاريخ أن هناك خطوطا عامة لأي مرحلة تاريخية و يمثل إدراكها إدراكا لمعالم هذه المرحلة و هنا أدركت و فهمت معنى و أهمية ما طلبه الأستاذ سعيد حوى رحمه الله في كتابه المهم جدا "جند الله ثقافة و أخلاقا" عندما قال إن الحركة الإسلامية لإكمال مناهجها لتثقيف أبنائها تحتاج كتابين غير موجودين واحدا عن تاريخ الأمة الإسلامية والآخر عن تاريخ العالم بحيث يكون كل منهما مجلدا واحدا و يغطى موضوعه كله و أدركت إمكانية هذا عندما درست مذكرة عن تاريخ الدولة العباسية لأعظم أستاذ تاريخ إسلامي قابلته في حياتي وكانت لا تزيد عن 200 صفحة و بعدها كلما قرأت المجلدات و المجلدات لم أجد أي معلم رئيسي جديد عما في هذه المذكرة.
في البداية ظللت سنوات وسنوات لا أتمكن من القيام بتحليل سياسى أو استشراف للمستقبل بشكل علمي و صادق و دقيق إذ ظللت في المرحلة الأولى أقدم التحليل السياسى التبريرى (سأتكلم عن أنواع التحليل السياسى هذه فيما بعد إن شاء الله) وامتدت هذه المرحلة لعدة سنوات لكن بعد ذلك تمكنت من التحليل السياسى الدقيق و الموضوعي خاصة عبر المنهج التاريخى في التحليل السياسى و أحيانا كنت أستعين معه بمنهج المحاكاة نظرا لموضوعيته و توفر المعلومات التي يحتاجها عندي نتيجة قراءة المذكرات الشخصية و التاريخ و متابعة الأخبار.
كان منهج كلية الآداب بجامعة القاهرة في ذلك الوقت جرى تطويره بقيادة د. رؤوف عباس [و هو من أبرز مؤرخي مصر و العرب في مجال التاريخ الحديث و أميزهم في جيله] فأدخل فيه دراسات لعلم الاجتماع و الاقتصاد و السياسة و فلسفة التاريخ و الجغرافيا السياسية و الاقتصادية والتاريخية و العامة (وفى مرحلة لاحقة ألغوا هذا المنهج).
وكان المنهج الدراسي مجرد خطوة لكني كنت أقضي ساعات كثيرة في قراءة مراجع متوسعة في نفس التخصصات كما كنت أهتم بمناقشة الأساتذة كل في تخصصه و سؤاله عن مزيد من قضايا التخصص و عن أسماء مراجع للتوسع في هذه القضايا.
و هكذا ساهمت دراسة التاريخ بشكل عام و كثرة القراءة و دراسة علوم الاجتماع و الجغرافيا السياسية و الاقتصادية و قدر بسيط من الاقتصاد في تكويني فى هذه المرحلة كي أتمكن من التحليل السياسى بجانب الدراسة السياسية نفسها.
و لكن الأهم من ذلك في هذه المرحلة كان النقاش مع أساتذة التاريخ و السياسة و الاجتماع علميا فهذا النقاش ينقل ملكة العلم للطالب بالضبط كما ذكر علماء السلف من أن الدراسة على الشيخ تنقل للطالب ملكة الفقه، فملكة أي علم تتكون عند الطالب عبر أحد ثلاثة أشياء:
أولها وأسهلها وأهمها: التلقي العلمي من الأستاذ المتخصص عبر الاستماع و السؤال و المناقشة.
ثانيها- التفكر و التأمل في العلم أثناء دراسته من الكتب مع التدرج في الكتب.
ثالثها- كثرة القراءة في العلم لأن كل كتاب يبين ما أبهم أو أشكل في كتاب آخر.
ولم أكتف بالاستماع و المناقشة مع الأساتذة الذين كانوا يدرسون لي بالكلية بل كنت أقابل أساتذة آخرين و أستمع لهم وهذا طبيعى فأي شخص يمكنه أن يذهب لأي متخصص و يستمع له و يسأله و يناقشه ليستفيد منه.
ومع دراسة كل من التاريخ و السياسة تبلورت عندي طريقة التحليل السياسي عبر المنهج التاريخي فمثلا:
متى يلجأ النظام الحاكم في مصر إلى الديمقراطية أو الافساح للمعارضة و تخفيف القمع عنها؟
-عندما يزيد الضغط الخارجي عليه (خاصة مع وجود أزمة اقتصادية داخلية): مثلما فعل الخديوى إسماعيل عندما أنشأ مجلس شورى النواب و حرض المجلس على معارضته.
- عندما يكون هناك صراع على السلطة: رفع نجيب دعاوى الديمقراطية في صراعه على السلطة مع مجلس قيادة 23 يوليو كما رفعها عامر عندما احتدم صراعه مع ناصر و عمل نفس اللعبة السادات عند تصاعد المد اليساري مع الضغط السوفيتي ثم فعلها مبارك أثناء صراعه مع أبي غزالة.
ما نتيجة صدام الحركة الإسلامية مع الدولة في مصر أو في العالم العربي؟
عادة تنتصر الدولة و تهزم الحركة الإسلامية لأن موارد الدولة و هي الأمنية و الإعلامية و الاقتصادية أكبر و من وراءها العالم كله و لأن الحركة الإسلامية لم تبتكر نظرية ثورية جديدة (حتى الآن) قادرة على إحداث اختراق في هذا الحائط الصلد من الموارد و الأمثلة التاريخية كثيرة منها:
-صدام إخوان مصر مع الملك فاروق.
-صدام إخوان مصر مع ناصر.
-صدام الجماعة الإسلامية و تنظيم الجهاد مع مبارك في التسعينات.
-صدام الطليعة المقاتلة في سوريا مع حافظ الكلب في الثمانينات.
-صدام جبهة الإنقاذ و إسلامي الجزائر مع النظام في التسعينات.
-صدام الجماعة الإسلامية المقاتلة و إسلامي ليبيا مع القذافي في التسعينات.
الاختراق الوحيد الذي حققه الإسلاميون في الصدام هو أنهم إذا بادروا مسرعين بضربة مباغتة محكمة فإنها تنجح لمرة واحدة فقط لكن اتساع موارد الخصم تمنعهم من تكرار أو مواصلة اختراق مماثل حتى يحققوا النصر الكامل و من أمثلة ذلك التاريخية:
-بادر الإخوان لاغتيال النقراشي فنجحوا لكن النظام قضى عليهم بعد ذلك و لم يتمكنوا من مواصلة تحديه فضلا عن إسقاطه.
-بادرت جماعة الجهاد في مصر باغتيال السادات و لكن خلفه قضى على التنظيم بالكامل لفترة طويلة.
ما مدى نجاح الاحتلال الاستيطاني في العالم العربي؟
عادة يفشل و إن طال أمده لمائة عام و النموذج هو الاحتلال الصليبي في الشام و الفرنسي في الجزائر.